آخر الكلام ثمن الاندفاعة الفرنسيّة في سورية
جورج كعدي
مراقبون ومحلّلون كثر ربطوا، محقّين، بين مجزرة «شارلي إيبدو» وموقف الدولة الفرنسيّة من الحرب ـ المؤامرة التي تُشنّ ضدّ سورية منذ نحو أربع سنين، لناحية تأييدها المنظّمات الإرهابيّة المتطرّفة التي تستهدف سورية الوطن والدولة والنظام، وتصفيقها اليوميّ لجرائم «داعش» و«النصرة» وبقايا ما يسمّى بـ«الجيش الحرّ» ذي الخلفيّة الطائفيّة البغيضة. بل يعرف الجميع أنّ فرنسا كدولة ونظام حاكم واستخبارات، لا كشعب بالتأكيد، تمضي أبعد من التأييد والتصفيق لمنظّمات الإرهاب والتدمير والإجرام وقطع الرؤوس إلى الدعم الاستخباريّ والعسكريّ والماديّ والإعلاميّ والسياسيّ، على قاعدة «التحالف حتّى مع الشيطان» لإسقاط النظام. وخلفيّة هذا الموقف معروفة للقاصي والداني، وجانب أوّل فيها التبعيّة الفرنسيّة الجبانة والعمياء للولايات المتحدة ومشاريعها في منطقتنا والعالم ضمن المنظومة الغربيّة الأطلسيّة التي لأميركا الكلمة الأساس والفصل فيها، وجانب ثانٍ يتّصل بالعلاقة التاريخيّة بين الحزب الاشتراكي في فرنسا و«إسرائيل»، وهذه الأخيرة هي في صلب المؤامرة المستمرّة ضدّ سورية الدولة والنظام لإخضاعها والإتيان إلى الحكم بجهة أكثر طواعية وأقلّ صلابة وتمسّكاً بخطّ المقاومة والممانعة ورفض السلام ـ الاستسلام مع الكيان الصهيونيّ والتطبيع الشامل معه، فضلاً عن جانب ثالث قد يكون طابعه الحقد الشخصيّ على النظام السوريّ والرئيس الأسد المتحدّر من إرث المقاومة والممانعة وعقيدتهما وثقافتهما، ما يغيظ أمثال ساركوزي وهولاند وفابوس وسائر صهاينة فرنسا الذين يعمي الحقد قلوبهم وعقولهم فلا يرون أنّ وحش الإرهاب الذي يدعمونه ويؤيّدونه ويوجّهونه ضدّ الدولة والجيش والنظام في سورية سيرتدّ حتماً وحكماً إليهم، وذاك ما حدث على نحو مؤلم ومعبّر… لمن يعتبر ويفهم ويعي.
دفعت فرنسا في هذه المجزرة وما رافقها وما أعقبها ثمن اندفاعتها كسلطة ونظام استخباريّ قبيح في سورية، وهي اندفاعة يمكن وصفها بالدنيئة والنزقة والحاقدة والمسعورة، والغبيّة في آن واحد، إذ لم تحسب حساباً لارتداداتها على قاعدة السبب والنتيجة، فمن غير الممكن أن تساهم مع آخرين قطر، السعودية، تركيا، بريطانيا… فضلاً عن الولايات المتحدة سيّدة الشرور والمؤامرات في العالم في خلق الوحش، فاقد العقل والوعي والرحمة والأخلاق والدين والإنسانيّة، وأن تضمن في الوقت عينه ألاّ يستدير هذا الوحش نفسه الذي يشبه آلة القتل البلاعقل أو ضابط إلى عقر دارها ويمارس قتله وإجرامه ومجازره المرعبة داخل هذه الدار الذي تحتضنه وتغذّيه وتحميه في الخارج وتخال أنّها في مأمن من شرّه عندها، أيّ في الداخل الفرنسيّ ذي التربة الخصبة للإرهاب والبيئة الحاضنة في أوساط الشبّان المهمّشين، العاطلين عن العمل، الفاقدين الأمل في مجتمع استهلاكيّ ذي نظام اقتصاديّ وحشيّ يطحن الفقراء ويعاني كذلك حالة من «الإسلاموفوبيا» والعداء للمسلمين داخل فرنسا من قبل اليمين الشوفينيّ المتطرّف، عدا عن حوادث قتل كثيرة ارتكبها فرنسيّون متطرّفون، من الشرطة أو سواها، ضدّ الفرنسيين العرب والمسلمين المهاجرين، جزائريّين ومغاربة وتونسيّين، ما ولّد حالة عنصريّة في فرنسا وخلّف جمراً تحت الرماد واحتمالات مواجهة وانفجار وردود فعل عنيفة واردة في أيّ لحظة.
جريمة «شارل إيبدو» مدانة بمختلف المعايير الإنسانيّة والأخلاقيّة والقانونيّة، لكن ماذا عن جرائم الدولة الفرنسيّة في سورية من خلال دعمها مشروع تدمير هذا البلد، الأعرق من فرنسا تاريخاً وتراثاً وحضارة، وقتل مئات الألوف من أبنائه وتشريدهم في أصقاع الدنيا؟! ماذا عن دعم منظّمات الإرهاب التكفيريّ واحتضانها والدفاع عنها وتمويلها وتسليحها وتوجيهها نحو مزيد من الإجرام للقضاء على مقوّمات سورية وطناً وجيشاً وشعباً واقتصاداً؟! ألا يُعدّ ذلك جريمة كبرى موصوفة ترتكبها دولة تزعم التمدّن والتطوّر والعدالة والديمقراطيّة، علناً وبلا خجل، وعبر رسائل إعلامها التي تبثّ أشرطة وثائقيّة مصوّرة داخل المناطق التي تسيطر عليها منظّمات الإجرام والتكفير تحت مسمّيات «الثورة» و«المعارضة» وما شابههما؟!
الأفظع، وهو المحتمل، ألاّ توقف فرنسا اندفاعتها الموتورة والحاقدة ضدّ سورية، رغم ما حصل وأن تتورّط أكثر في الصراع الدائر دعماً لمجموعات التكفير والإرهاب المسيطرة على أرض الصراع هناك مثل «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» وسائر التنظيمات الطالعة من رحم واحدة، فلا تكون أخذت العبرة ولا أفادت من «الدرس» الوثيق الصلة، فتكون الدولة الفرنسيّة غير المعيدة حساباتها دولة غبيّة بامتياز، تابعة بالمطلق للمشروع الأميركيّ ـ الصهيونيّ، بلا قرار وبلا سيادة، دولة مأمورة ومسخّرة لمشاريع الآخرين وأهدافهم، فتتلقّى وحدها ـ بكونها خاصرة رخوة في جسم الأطراف المتآمرة ـ مزيداً من الارتدادات التي قد تصيبها أكثر في العمق وتنشر الخوف والرعب في المجتمع الذي تكفيه مشاكله الداخليّة الجمّة في عهد أسوأ رؤسائه، فرنسوا هولاند، وقد حطّم الأرقام القياسيّة في تدنّي الشعبيّة واعتماد السياسات الحمقاء بمختلف أشكالها، في الداخل والخارج على حدّ سواء!
مسكين الشعب الفرنسيّ في دولة كهذه، ومع حكّام من هذا الوزن الخفيف!