مؤتمر واشنطن وضرورة العودة إلى مجلس الأمن

عامر نعيم الياس

أكدت الهجمات التي استهدفت العاصمة الفرنسية باريس على تحوّل «التهديد الجهادي» الذي طالما تحدّث عنه الأوروبيون في إطار دفع تهمة دعم الإرهاب في سورية والعراق وليبيا ومحاربته في غير بؤرة من العالم، إلى واقع ملموس وجدّي رفع منسوب القلق الحقيقي لدى الدول الغربية عموماً والأوروبيين خصوصاً، إلى حدود عليا لا يمكن إنكارها. ولعلّ في مشهد اجتماع قادة أكثر من خمسين دولة في باريس في مسيرة «كلّنا شارلي» ما يشير إلى حجم التحدّي الذي يواجه النخب السياسية التي ترفض حتّى الآن الاعتراف بواقع فشل سياساتها، وتلجأ إلى توصيف هذا الخطر.

وبحسب جيل دوكيرشوف، المنسّق الأوروبي لمكافحة الإرهاب، فإن هناك «حوالى ثلاثة آلاف أوروبيّ جُنّدوا للانضمام إلى الجماعات الجهادية في سورية والعراق، وأنّ 30 في المئة منهم عادوا إلى دول الاتحاد الأوروبي»، داعياً إلى «البقاء في حالة يقظة شديدة»، وهو ما تُرجم برفع مستوى الاستنفار الأمني على مستوى العالم من باريس حتى واشنطن التي دعت إلى عقد قمة دولية لمكافحة الإرهاب في 18 شباط المقبل توجّه الدعوة فيها إلى دول تحالف أوباما في الحرب على الإرهاب. فهل ستؤدّي هذه القمة إلى تحقيق نتائج ملموسة على الأرض؟

يفسّر التحرّك الأميركي في جزءٍ منه عودة ملف الأمن الداخلي لدول الأطلسي إلى صدارة أولويات الحكومات الغربية التي تجد نفسها وسط ارتداد لـ«الجهاد» من سورية والعراق من ناحية، ومن ناحية أخرى تحرّك منسّق لخلايا نائمة استطاعت الإفلات من رقابة الأجهزة الأمنية الأوروبية.

ولعلّ في ما جرى في باريس خير دليل على ذلك. فالأخوان كواشي ـ وأيضاً كوليبالي ـ من أصحاب السوابق «الجهادية»، ويخضعان لمراقبة الأجهزة الأمنية الفرنسية المختصة، لكنهما وبكلّ بساطة استطاعا القيام بهذه العملية المؤلمة وفي وسط باريس. وعليه فإنه يتوقّع أن يناقش المؤتمر ملفات الخلايا النائمة في الدول الغربية وسبل تعزيز التنسيق الأمني بين هذه الدول، فضلاً عن تشديد القوانين المحلية بما يتناسب مع تهديد الهجرة المعاكسة من سورية والعراق إلى الدول التي تبنّت «الحرب المقدّسة» وروّجت لها، لكن هل يكفي ما سبق؟

لن يكتب لمؤتمر واشنطن النجاح إذا اعتمد مقاربات محلية أو بمعنى آخر داخلية خاصة بتغليب مصالح محور على محور عالمي آخر. فنجاح المؤتمر مرهون بعدّة عوامل على رأسها:

ـ قائمة المدعوين التي يتوجب أن تشمل الدول المعنية مباشرة بالإرهاب وفي مقدّمها العراق وسورية وإيران، وطبعاً روسيا.

ـ الدور التركي، والتغاضي الأوروبي المقصود عن هذا الدور، والذي أغرق القارة الأوروبية بالإرهابيين العائدين نتيجة الهجرة المعاكسة. فتركيا ممرّ للعبور باتجاهين، وبالتالي صار التحرّك ضرورياً لوضع حدٍّ للحجج التركية ومنها طول الحدود مع سورية واستحالة ضبطها.

ـ قرارات مجلس الأمن الدولي وتفعيلها بشكل جدّي، خصوصاً القرار 2178 الذي يدين أيّ محاولة من قبل أيّ دولة ومنظّمة لتسهيل عبور «المقاتلين» إلى سورية، ويدعو الدول المعنية في المنطقة إلى «ضبط حدودها».

إنّ المؤتمر المزمع عقده في واشنطن تحت شعار مكافحة الإرهاب سيكون مفرّغاً من مضمونه ما لم تتمّ العودة إلى مجلس الأمن الدولي واتخاذ قرارات ملزمة داخله، أو على الأقل التشديد على القرارت السابقة ووضع دول العالم كافة أمام التزاماتها. وهو أمر يبدو بعيداً حتى اللحظة. فالمؤتمر لا يعدو عن كونه محاولةً لمعالجة القلق الظاهر لدى الغرب ببضع إجراءات تنسيقية بين ضفتي الأطلسي ليس إلّا.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى