مكتبة «البناء»

يتضمن كتاب «شهود عيان عن الإبادة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية» للدكتور آرشاك بولاديان، سفير أرمينيا في سورية مجموعة وثائق منهجية ودقيقة تكشف فظائع الجرائم الوحشية التي ارتكبها العثمانيون في حق الشعب الأرمني في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ويهدف الكتاب الصادر لدى «دار الشرق للطباعة والنشر» إلى تسليط الضوء على سلوك حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا التي تقدم نفسها بكونها وريثة الإمبراطورية العثمانية.

في تقديمه للكتاب يرى مدير «دار الشرق» الدكتور نبيل طعمة أن السفير بولاديان قدم بحثاً مهماً يكشف بشاعة الجرائم التي تعرض لها الشعب الأرمني، وأن الأرمن هم أمة تاريخية أنجزت عبر مسيراتها الحضارية حضوراً بشرياً، مؤكداً على أهمية الوقوف بجانب هذه الحقائق لتحريك الواقع الحاضر كي يسكن الذاكرة فلا تمحى مستقبلاً.

في هذا البحث يبيّن الدكتور بولاديان أنه في العقود الماضية اضطلع الرؤساء الروحيون والقياديون الدينيون والأحزاب السياسية والمنظمات التعليمية الاجتماعية والثقافية والخيرية وغيرها من المنظمات الأرمنية في المهجر بمهمّة الحفاظ على ذكرى شهداء الإبادة الأرمنية، وأدى ذلك عبر السنين إلى نتائج إيجابية لناحية الاعتراف والإدانة الدوليين، مؤكداً أن أرمينيا نظرت ولا تزال إلى قضية المجزرة الأرمنية كقضية وطنية أولوية. ويكشف أن انهيار المملكة البقرادونية في أرمينيا عام 1045 من قبل الإمبراطورية البيزنطية فتح المجال أمام الأتراك السلاجقة لغزوها، حتى وقعت كليا تحت سيطرتهم، مشيراً إلى أن مشروع إبادة الأرمن تبلور منذ عام 1884 على يد كبير وزراء الامبراطورية العثمانية سعيد كوتشوك باشا والذي بات بعد ذلك منهجاً أساسيا لسياسة السلطان الأحمر عبد الحميد الثاني، إذ لم يشأ تكرار ما حدث في القطاع الغربي من الإمبراطورية العثمانية في أماكن أخرى.

منذ تسعينات القرن التاسع عشر تعرض الأرمن في الإمبراطورية العثمانية لمجازر جماعية ذهب ضحيتها 300 ألف شخص ما بين 1894 و1896 وأُجبر 100 ألف أرمني على تغيير انتماءاتهم الدينية، وما يقارب هذا العدد على مغادرة وطنهم.

نقرأ في الكتاب أنه بعد فشل سياسة السلطان عبد الحميد في إبادة الأرمن في الإمبراطورية العثمانية من جراء ضعف نظامه تدريجياً والتناقضات في العلاقات السياسية والاجتماعية والقومية وضياع بعض المقاطعات الأوروبية والأفريقية، قرر حزب الاتحاد والترقي عام 1910 خلال اجتماعاته السرية متابعة سياسة عبد الحميد وحل القضية الأرمنية والتخلص من الأرمن كضرورة سياسية واقتصادية وعرقية ودينية لحزب الاتحاد والترقي. وكتب بولاديان أنه في عام 1913 بعد انقلاب محمد طلعت واسماعيل أنور وأحمد جمال، عقدت اللجنة المركزية اجتماعا بمشاركة طلعت باشا وحضور أنور باشا وبهاء الدين شاكر وناظم باشا وأحمد أوغلي، واتخذ في هذا الاجتماع قرار ظالم ضد الشعب الأرمني يقضي بإبادته كاملاً وإزالة الإسم الأرمني من الوجود.

أما مهمة التنفيذ، بحسب الكتاب، فكانت على عاتق الدرك والشرطة والعصابات والتشكيلات المخصوصة والمؤلفة من عشرات الآلاف من المجرمين، وقررت الحكومة الاتحادية عام 1915 تدمير المراكز الأساسية للمقاومة الأرمنية، كما صدر مرسوم حكومي يقضي بترحيل الأرمن الذين يقطنون أطراف الدولة العثمانية. ويتابع قائلاً: «إن عمليات النفي والقتل وإحراق البيوت والنهب والسلب والاغتصاب والتذليل استمرت في جميع الولايات الأرمنية حيث كان ترحيل الأرمن ونفيهم بذريعة حماية المدنيين والقوات العثمانية من خيانة متوقعة من طرف الأرمن لمصالح الروس، ونفذت العمليات على مرحلتين الأولى قتل الرجال الأكفاء والثانية نفي الباقين. ثم بدأت التداعيات إلى أن دخلت الإبادة الأرمنية المرحلة الثالثة والأخيرة عام 1923 بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى وظهور الكماليين بقيادة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحالية. وتبنى الكماليون لاحقا مشروع إقامة وطن قومي لا يقبل التجزئة ويدل على رفض قيام دولة أرمنية في شرق الأناضول في الولايات الأرمنية وكيليكيا. وبعد تصفية بعض الولايات الأرمنية من سكانها بدأ الكماليون تطهير كيليكيا تحت أنظار وصمت فرنسا والدول العظمى وارتكاب مجازر جديدة راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأرمن في كيليكيا وأسطنبول وأزمير».

في الكتاب قصص أخرى مليئة بالألم والأسى والحزن تدل على مدى بشاعة هذه الجرائم وولع الحكومة التركية الحالية بماضيها وانتمائها إليه.

«شعراوءنا يقدّمون أنفسهم للأطفال» إصدار للشاعر الراحل سليمان العيسى

«شعراوءنا يقدمون أنفسهم للأطفال» كتاب قديم جديد في آن واحد، فهو قديم لأنه كتب مطلع سبعينات القرن الفائت عندما سدت الخيبة الحزيرانية الآفاق أمام الشاعر الراحل سليمان العيسى، ما جعله يتوقف عن الكتابة زمناً ويدق الأبواب باحثاً عن نافذة من الضوء تعيد إليه بارقة أمل في مستقبل الأمة، وتلك البارقة وجدها أخيراً في أدب الأطفال. وهو كتاب جديد لكونه صدر حديثا لدى الهيئة السورية للكتاب، في طبعة أنيقة، ولأنه يشق درباً غير مسبوقة في أدب الأطفال بحسب الدكتورة ملكة أبيض في كلمتها حول الكتاب، إذ بدأ العيسى كتاباته للأطفال بالأناشيد والقصص والمسرحيات المؤلفة والمعربة، ثم راح يتساءل كيف يستطيع نقل التراث العربي إلى الأطفال بصورة جديدة شائقة تثير اهتمامهم وتمتعهم على نحو يجعل هذا التراث مكوناً مهماً من مكونات شخصيتهم.

ما فعله العيسى في هذا الكتاب بحسب الدكتورة أبيض أنه نقل التركيز من النص الى الشاعر، أو الكاتب الإنسان الذي تربطه بالطفل صلة حميمة هي صلة القربى، فهو جده القريب أو البعيد، وبدلا من أن يجعل الطفل يذهب الى هذا السلف جعله يأتي الى الطفل مثلما يفعل الأب مع ابنه ويجري حديثاً معه حول ظروف كل منهما، مبدياً رغبته في الاطلاع على أوضاع خلفه، وهكذا تقوم علاقة حية وشعور متبادل بين السلف والخلف تكشف للأبناء عن تلك المشاعر الخفية والكامنة فيهم والتي توجه سلوكهم من حيث لا يدرون.

تؤكد رفيقة درب الشاعر الراحل أن كتاب «شعراوءنا يقدمون أنفسهم للأطفال» ليس كتاب استظهار لنصوص قديمة فحسب، بل يشكل رحلة جميلة في أعماق التراث يختار خلالها الشاعر العيسى أهم شعراء العرب ويقربهم الى أذهان الأطفال ومشاعرهم ويضع سيناريو اللقاءات التي يعقدها بين الشعراء والأطفال تبعاً للظروف الخاصة بكل منهم.

اختار العيسى من أدبنا الكلاسيكي الذي يمتد على أزمان الجاهلية وصدر الإسلام والعصرين الأموي والعباسي سبعة وعشرين شاعراً وزعهم على عشرة أجزاء، إذ خطط في البداية لعرضهم في كتيبات صغيرة تخفف عن الطالب الصغير عبء تناول كتاب كبير، لكنه أنه ما لبث أن جمع تلك الكتيبات في كتاب واحد. وبدأ عرضه من العصر العباسي لاعتقاده بأنه أقرب الى تناول القارئ الناشئ، فافتتحه بأبي تمام ثم بالبحتري والمتنبي وأبو فراس الحمداني والشريف الرضي، عائداً إلى العصور السابقة وقطري بن الفجاءة والحطيئة والخنساء وحسان بن ثابت وعنترة بن شداد وزهير بن أبي سلمى وآخرين.

عن أهمية الكتاب 168صفحة يقول مدير الهيئة السورية للكتاب الدكتور جهاد بكفلوني: «إن الشاعر الراحل سليمان العيسى قدم إلينا دليلاً حياً على أن اللغة العربية لا تموت، فعندما نقرأ قصيدة لطرفة بن العبد أو امرؤ القيس أو المتنبي وقد مضى على رحيلهم أكثر من ألف وخمس مئة عام فهذا دليل على أن لغتنا هي لغة حية وقادرة على الصمود في وجه الأعاصير التي تواجهها»، مشيرا الى أن هذه الدعوات التي وفدت الى المنطقة هي دعوات مشبوهة تدعو الى إزالة الحرف العربي وإحلال الحرف اللاتيني مكانه على غرار ما فعل كمال أتاتورك في تركيا. ويضيف بكفلوني «أن العيسى يعرّف الأطفال في كتابه بطرفة بن العبد مثلاً وسبب تسميته بهذا الاسم وكيف كانت حياته، بلغة واضحة سهلة، ويقيم جسراً من الحوار يستطيع الطفل أن يجتازه بيسر ليصل الى شخصية الشاعر ويتعرف إليه وإلى تجربته الإبداعية. وفي مثال آخر يعرف الأطفال بالأخطل وماذا تعني كلمة أخطل ولماذا سمي بهذا الإسم، ويعرفهم بالمتنبي حتى يخيّل إلى الأطفال أن هؤلاء الشعراء الكبار يقيمون بينهم الى يومنا، فعندما يتحدث عنهم كأنه يتحدث عن جيران لهم يبادلونهم تحية الصباح، وذلك بلغة سلسة محببة للأطفال تعرف بأعمال هؤلاء المبدعين وبسرّ خلودهم . إن شاعر الأطفال الأول ليس في سورية فحسب بل في الوطن العربي يقدم هؤلاء الشعراء بطريقة تجعل الطفل يعرف عن أجداده الكثير، ويمد إليه خيطاً يشده الى ذاك الماضي الذي يحاول الأعداء طمسه بمختلف الوسائل».

«النظر إلى مصر بعين ثالثة» قراءة سوسيوـ ثقافيّة

«النظر إلى مصر بعين ثالثة» كتاب لمحمد صلاح غازي يضم سلسلة من المقالات عبارة هي قراءة سوسيو- ثقافية للمشهد الراديكالي للمجتمع المصري في أعقاب انهيار نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وما شهده المجتمع من وقائع خطيرة كادت تؤدي إلى اشتعال صراعات دموية.

أولى هذه المقالات عنوانها الكفاح الثوري… من هنا يبدأ، ويقول فيها الكاتب: «المتأمل في تاريخ الثورات في العالم يكتشف أن الثورة الفرنسية لم تكن لتحدث من دون وجود استياء واسع النطاق من نظام الحكم القديم، وكذلك لم تكن الثورة الروسية لتحدث من دون التفسخ الذي اعترى إمبراطورية القيصر بسبب الحرب، غير أن قوى الثورة المصرية التي كانت في طليعة المشهد الثوري أصابها فيروس الانقسام، وكانت الملامح البارزة لحالة الانقسام ذاك العدد الهائل من الأحزاب والائتلافات والحركات السياسية، ما أدى إلى ظهور سياسة فرّق تسد التي أفاد منها تيار الإسلام السياسي، على اختلاف خطابه الأيديولوجي ما بين الإخوان والسلفيين، وقفزوا على المشهد الثوري، وذاك ما كشفت عنه نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة».

يقول الكاتب في مقال آخر عنوانه «المثقف الخائن»: «إن وجود فاروق حسني على رأس وزارة الثفافة المصرية على مدار 23 عاماً أصاب وزارة الثقافة والثقافة المصرية بالتراجُع والركود والشيخوخة الباكرة، وفي الحوار الذي نشرته جريدة «المشهد» في 22 يناير/كانون الثاني 2012، أجاب فاروق حسني عن سؤال الصحافي وليد الرملي الذي أعد الحوار: كيف ترى شخصية مبارك طوال سنوات حكمه، ثم بعد تنحيه؟ قال: أشهد أنه رجل في مُنتهى الطيبة ولم يفكر يوماً في إيذاء مثقف واحد ممن كانوا ينتقدونه علناً، مستشهداً بموقف مبارك وحكاية صنع الله إبراهيم». مؤكداً «أن فاروق حسني مثقف كذاب، لأن موضوع صنع الله إبراهيم وما فعله هو رفض علني من مثقف عضوي لا يريد أن يكون مثقفاً مُدجناً وخائناً في حظيرة فاروق حسني الثقافية».

يجيب الكاتب عن تساؤل: هل الرأسمالية على وشك الانهيار؟ بالقول: «لقد نبهت الأمم المتحدة أن أزمة منطقة اليورو تشكّل أكبر خطر على اقتصاد العالم، وتزامن التحذير مع تأكيدات أميركية على مراقبة تداعيات الأزمة على جهد إنعاش الاقتصاد الأميركي، وفي تقرير صادر حديثاً عن الأمم المتحدة، أن تفاقُم أزمة ديون منطقة اليورو قد يؤدي إلى تدهور النمو العالمي، وقال التقرير الذي تناول وضع الاقتصاد العالمي وأفاقه في عام 2012 إن أزمة ديون منطقة اليورو ما زالت تشكّل خطراً داهماً على الاقتصاد العالمي».

من السياسة والاقتصاد ينقلنا الكاتب إلى الفن والثقافة عبر مقال يحمل عنوان «أفلام الفتنة والحروب الثقافية»، ويرى أن الهدف الظاهر من طرح فيلم يسيء إلى الإسلام والمسلمين والنبيّ هو محاولة من قبل الفاعلين الثقافيين القائمين على إنتاج الفيلم «براءة المسلمين» لإشعال هدف كان داخل المجتمع المصري ومعها جميع المجتمعات العربية والإسلامية، لخلق حالة من العُنف المستمر. وطبقاً لرؤية وسائل الإعلام الأميركية، كل عنف عربي هو إرهاب، إذ ظهر العديد من الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية في الولايات المتحدة الأميركية بعد الحادي عشر من أيلول 2001، تصوّر شخصية العربي بالمخادع والعرب غير قادرين على المساهمة في شيء في المجتمع الأميركي سوى العنف أو الغباء، مثل مُسلسل «تاكسي الإرهاب»، و»الغبي» و»الأحد الأسود» و»أتباع الإبل» وأن فيلم الفتنة «براءة المسلمين»، لن يكون في ساحة الصراع الثقافي القائم بين العرب والمسلمين من ناحية والغرب من ناحية أخرى. ويشير الكاتب في مقال آخر إلى «الديمقراطية الحقة» قائلاً: «لا شك في أن مُمارسة الديمقراطية أمر عسير، بل لعلها الممارسة الأكثر تعقيداً وصعوبة بين جميع أشكال الحكم الأخرى، فهي حافلة بالتوترات، وتنطوي على العديد من التناقُضات، وتتطلب من القائمين على أمرها بذل المزيد من الجهد».

ويضيف: «من أسس ومبادئ الديمقراطية الحقة، الدستورية، وتعني أن تتم صياغة القوانين ضمن قنوات مُعيّنة. ومن أهم أسس الديمقراطية الحقة صلاحيات الرئيس، فلكل مُجتمع في العالم رئيس تنفيذي قادر على القيام بمسؤوليات الحكم، سواء كانت الإدارة البسيطة لبرنامج ما أو قيادة القوات المسلحة للدفاع عن الوطن زمن الحرب، وهناك خط غير مرئي بين هذين القطبين يحتّم إعطاء ذاك المسؤول ما يكفي من صلاحيات للقيام بمهمّات الرئاسة والحد في الوقت نفسه من تلك السلطات، كي لا يتحوّل هذا المسؤول إلى ديكتاتور.

في آخر مقالات الكتاب «الديمقراطية والدولة القوية في مصر» يرى الكاتب أن على قوى الإسلام السياسي المتباكية على الشرعية والديمقراطية، منذ عزل رئيسها محمد مرسي، أن تتذكر جيداً أن الرئيس المعزول وجماعته هم أول مَنْ خرق ثوب الديمقراطية.

المعروف أن صعود جماعة «الإخوان» إلى السلطة في مصر وسائر بلدان «الربيع العربي»، حصل بدعم مُباشر وسري من الولايات المتحدة الأميركية، استكمالاً لمبادرة لدعم الديمقراطية في العالم العربي الذي طُرح في كانون الأول 1990، وأعلنت عنها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي وضعت من خلالها برنامجاً للحكم والديمقراطية لبلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وكشفت الحقائق زيف هذا البرنامج الذي كان ولا يزال هدفه الباطن ليس دعم «الديمقراطية» بل دعم جماعات سياسية داخل الطبقة الحاكمة العربية من شأنها دعم لا عرقلة السياسة الأميركية الاقتصادية في مصر والعالم العربي.

صدر كتاب «النظر إلى مصر بعين ثالثة» عن الهيئة العامة لقصور الثقافة في القاهرة في 216 صفحة قطعاً وسطاً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى