جائزة تي. إس. إليوت للشاعر الإنكليزيّ ديفيد هارسينت

نال الشاعر الإنكليزي ديفيد هارسينت 1942 جائزة تي إس إليوت المقدَّمة من جمعية كِتاب الشعر البريطانية عن ديوانه الحادي عشر «أغاني النار». وظل هارسينت يطارد الجائزة منذ عام 1998، وكانت هذه محاولته الخامسة والناجحة لاقتناص هذا الشرف.

لا يُعتبر الشاعر ديفيد هارسينت مع ذلك غريباً عن الاحتفاء النقدي، فجعبته حافلة بصنوف التكريم، بينها جائزة فوروارد عن ديوانه «الفَيْلَق» 2005 وجائزة غريفين الدولية للشعر عن ديوانه «الليل» 2011 . ويدرّس هارسينت الكتابة الإبداعية في جامعة روهامبتون وهو عضو في الجمعية الملكية للأدب.

أنشئت جائزة تي إس إليوت الجائزة الشعرية، وهي الأهم عالمياً، عام 1993 احتفالاً بعيد إنشاء جمعية كِتاب الشعر الأربعين، وتكريماً للشاعر البريطاني المؤسس لها. واحتفت هذه الجائزة برموز متألقة مثل الإنكليزي تيد هيوز والاسكتلندية آن دافي والإيرلندي شيموس هيني ومواطن جزيرة سانت لوسيا ديرك ولكوت، وفاز بها العام الفائت ديوان «اختلاف المنظر» للشاعرة الإيرلندية شينيد موريسي.

احتفالا بالذكرى الخمسين لوفاة أشهر شعراء العصر الحديث تي إس إليوت، حامل جائزة نوبل عام 1948 ومبدع قصيدتيّ «الأرض اليباب» و»أغنية حب جيه ألفريد بروفروك»، رفع القائمون على الإرث الأدبي للشاعر قيمة الجائزة من 15000 جنيه إسترليني إلى 20000 جنيه إسترليني، كما شدّدوا على دعمهم للجائزة بحيث أمسوا راعيها الوحيد بعد انتهاء عقد رعاية لها امتد ثلاث سنوات مع شركة الاستثمار أورام.

اختارت لجنة التحكيم المكونة من هيلين دانمور وشون بورودال وفيونا سامبسون ديوان هارسينت من بين مئة وثلاثة عشر كتاباً قدَّمها الناشرون لتعكس على حد قول رئيستها الشاعرة دانمور «حساسية موسيقية وبراعة وطموحاً يمتاز بها شعراؤها». تفوق ديوان هارسينت على ديوان «ليلة مخلِصة وعفيفة» للشاعرة الأميركية لويز غلوك الفائزة بجائزة بوليتسر وديوان «تعلُم صناعة عود في الناصرة» للشاعرة البريطانية روث بادل، كذلك ديوان «خطابٌ مكتوبٌ في هدوء موقت أثناء القتال» للجندي السابق في حرب العراق، الأميركي كيفين باورز.

يعتبر هذا الفوز انتصاراً إذ أن تميز هارسينت على جون بيرنسايد ومايكل لونغلي وهوغو ويليامز، وجميعهم فائزون سابقون بالجائزة. وللمرة الثانية هذا الشهر تحصل «دار فابر» على جائزة كبرى إذ كانت فازت الكاتبة الإنكليزية كيت سوندرس بجائزة كوستا للأطفال عن كتابها «خمسة أطفال على الجبهة الغربية». وفي كلمتها وصفت دانمور هارسينت بـ»شاعر الأيام الكئيبة الخطرة»، معلنةً أن ديوان «أغاني النار» يسبر «اللغة والعاطفة بألمعية فنية وسلطة نبوية». وكشف هارسينت أنه استوحى الديوان من «تدمير الكرة الأرضية» بفعل التغيرات المناخية، ومن قلْق ابنه الأصغر من «موت الكرة الأرضية المتوقد». وقال في حفل توزيع الجائزة في معرض والاس للمجموعات الفنية إنه «يأمل لو يُقْدم السياسيون على خطوة لإبطال هذا التأثير». مضيفاً: «أتساءل أحياناً إن كان المسؤولون عن مجريات العالم ينظرون إلى هذه المشاكل التي تعصي الحلّ على ما يبدو، مشاكل نهْب الكوكب. أتساءل إن كان لديهم أطفال أو أحفاد وهل يفكرون يوماً في المستقبل؟»، ولا يعالج ديوان «أغاني النار» هذه القضايا البيئية على نحو مباشر وإن تكن قصيدة «أغاني النار» عبارة عن «فانتازيا سوداء عن نهاية العالم» بحسب وصف الشاعر، فيها يتجسد الراوي في جسد الحالم المفتون والنشوة والابتهاج الروحي يغمرانه.

بحكم طبيعته الدموية وتناوله زوال البشرية، يصدم الديوان القارئ بصور تعكس عنفاً، فثمة أشخاص يستشهدون بعد حرقهم على خازوق، وفئران قذرة تعدو، وكتب تحترق فيما ألسنة اللهب تتعالى منها، وحروب وتفسّخ مادي ونفسي. إنها رموز الانحطاط المعاصر في أحلك لحظاته الشعرية.

ورغم هذه الكآبة كلها لا يخسر الشاعر موسيقاه أو تنسل صوره البلاغية إلى ما دون الشعرية النابغة، من «بُرْعُم مغموس في الماء» أعلى قلب المسيح المصلوب إلى «سفعة الذرة والكرنب» والجناس الاستهلالي.

يرى الشاعر النار رمزاً أبدياً يطارد أحلام الفانين ويسيطر على معطيات الحضارة. يكتب في إحدى قصائده: «قصة ما قبل النوم هي النار، حكاية الجان هي النار، الوعد بالضوء لرجل يحتضر ما هو إلا وعد بالنار. ماذا يمكن قوله في النهاية؟». وبنبرة صلبة مثل الفولاذ، إنما شعرية الجوهر، يطالعنا الشاعر بسيرة موحشة في قصيدة «أغانٍ من الأرض نفسها» وبسرد متجزئ تجزؤ الحياة في قصيدة «كتاب الأحلام»، وفي أربع قصائد تحت عنوان «نار» تتوالى سطور معذِبة من الانفصال والتمزق البشري. وبين القصيدة والأخرى يتوه الفرق بين الحلم والذكرى، بين الماضي والنبوءة، ويتوغل العامل الفردي في الجمعي.

في قصيدة «ألم» تنفتح الأسطورة على أسطورة تالية، وتتدحرج الكلمات متقلبةً بضربات ملتاعة خاطفة: «هنا، تصرخ امرأة في وجه أخرى. هنا، يضرب شخص آخر. هنا، تتراجع المرأة وإلا لن تكونا امرأتين إلاّ في الحلم».

تعتقد الناقدة فيونا سامسون أن من المستحيل أن نطالع هذه القصائد من غير أن نشعر بأن تهديدها المتكرر «سوف تندلع النيران» هو تهديد شخصي وجماعي أيضاً.

آدم نيوي من صحيفة «الغارديان» البريطانية وصف الديوان بأنه «تيار من الرؤى والأحلام المحمومة، سفر الرؤيا يتحقق من خلال الحرب والكوارث البيئية أو القدرة البشرية اللانهائية على خداع الذات والتعذيب».

مثل الشاعر الإيرلندي ييتس يلعب هارسينت في ديوانه على رموز الكتاب المقدس، ولدى قراءته، تسمعه الأذن مثل سفر الرؤيا، إنما بنسخة حديثة متطورة. ينتزع الديوان من القارئ رد فعل بدائياً سواء كان انزعاجا دقيقاً أو رعباً متمادياً خليقاً بإنسان الغابة. النار هي الرمز الغالب بحمرتها وتوهجها وتوقها إلى الفتك والتبديد. ومثلما بثت في الأرض يوماً الخلاص والبعث، يمكنها محو كل شيء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى