حزب العدالة والتنمية التركي والقضية الفلسطينية
حميدي العبدالله
يحلو لبعض الجماعات الإسلامية، وتحديداً الإخوان المسلمين وعلى رأسهم حركة حماس، خلق انطباعٍ وترسيخه لدى الرأي العام العربي والإسلامي بأنّ تركيا حزب العدالة والتنمية هي مع القضية الفلسطينية، وأنّ مواقفها تشكل تحوّلاً نوعياً في سياسة تركيا إزاء اغتصاب العصابات الصهيونية لأرض فلسطين، ولكن يصعب تسويق هذه المقولات، مهما بلغت كثافة الحملات الإعلامية والجهود المبذولة، بما في ذلك جهود حركة حماس في ضوء الوقائع الآتية:
أولاً، تركيا لم تقدم على خطوة واحدة لمراجعة علاقاتها مع الكيان الصهيوني في ظلّ حكم حزب العدالة والتنمية، واستمرّت مواقف تركيا من الكيان الصهيوني على ما كانت عليه قبل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، فالتعاون العسكري ما زال قائماً، والتعاون الاقتصادي زاد عما كان عليه في السابق، وحتى عندما قتلت القوات «الإسرائيلية» عدداً من الناشطين الأتراك لم تبادر أنقرة إلى قطع العلاقات الديبلوماسية المستمرة منذ اعتراف تركيا بالكيان الصهيوني في مطلع عقد الخمسينات من القرن الماضي.
ثانياً، الأسبوع الماضي أدلى وزير خارجية تركيا بتصريحات أكد فيها أنّ حركة حماس كانت على وشك القبول بحلّ الدولتين، أيّ الاعتراف بوجود الكيان الصهيوني واحتلاله للأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948 لولا أنّ العلاقات التركية ـ «الإسرائيلية» طرأ عليها بعض التوتر على خلفية الاعتداء الذي وقع على الناشطين الأتراك ومقتل 9 منهم.
ومما لا شك فيه أنّ هذه التصريحات تكشف عن حقيقة مزدوجة، فهي من جهة تؤكد أنّ مواقف الحكومة التركية في ظلّ حكم حزب العدالة والتنمية لا تختلف عن مواقف الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، بل حتى عن الموقف النظري لحكومة العدو «الإسرائيلي»، إذ أنّ تل أبيب توافق أيضاً من حيث المبدأ على حلّ الدولتين، ومن جهة أخرى أنّ حماس غلّبت انتماءها لـ«الإخوان المسلمين»، وولاءها لهذه الجماعة ولخياراتها السياسية على القضية الفلسطينية، لأنّ حماس كانت تقول إنها ترفض حلّ الدولتين وتتمسّك بتحرير أرض فلسطين من النهر إلى البحر، وعندما يؤكد وزير خارجية تركيا أنّ حماس وافقت على حلّ الدولتين ولكن ما عطل الاتفاق هو تدهور العلاقات التركية «الإسرائيلية»، فهذا يعني أنّ حماس تخلّت عن شعار تحرير كلّ فلسطين، وإنْ لم تعلن موافقتها حتى الآن على حلّ الدولتين، حيث جاء ذلك تحت تأثير الوفاء للحكومة التركية والتضامن معها بعد تدهور علاقاتها مع الكيان الصهيوني وليس لاعتبارات تتعلق بالقضية الفلسطينية.
هكذا تصبح بعدها كلّ التصريحات التي يدلي بها أردوغان ومسؤولون آخرون في حكومة حزب العدالة والتنمية التي تبدو وكأنها معادية للكيان الصهيوني، وآخرها تصريحات أردوغان بشأن انتقاد مشاركة نتنياهو في مسيرة باريس مجرّد حملة علاقات عامة لطمس حقيقة المواقف التركية من القضية الفلسطينية.