السلطانية… بلدة نشيطة بأهلها وبلديتها خارج اهتمام الدولة
تحقيق: غادة دايخ وكوثر عيسى
لسنواتمن من الزمن، لُقبت بـ«اليهودية»، بعد قصة يعود عمرها لخمسمئة سنة، تتحدث عن امرأة يهودية كانت تعيش على جبل «بيت الدوّار»، وكان العابرون إلى فلسطين من تلك الطريق، يقيمون عند هذه المرأة في الخان لأيام معدودة، ثمّ ما لبث أن تحوّل اسم البلدة إلى السلطانية، وتلك قصة ثانية إنما تعود إلى مدة زمنية قصيرة.
كانت السلطانية مقسّمة إلى قسمين، قسم اسمه «الضّيعة» والثاني اسمه «السلطاني». وفي عام 1962، اجتمعت جمعية «إدارة النهضة» لتغيير الإسم بعد أن وجدوه غير مناسب للقرية، وأسموها السلطانية. ولو صادفنا اليوم بعض الكبار بالسنّ، الذيت ولدوا عام 1961 وما قبل، لوجدنا أنّه سُجّل على بطاقات قيدهم، «مواليد اليهودية».
السلطانية واحدة من القرى الجنوبية في قضاء بنت جبيل، تبعد عن بيروت حوالى 100 كيلومتر وترتفع عن سطح البحر 650 متراً. تتميز هذه البلدة بأعلى جبل فيها «بيت الدوار» الذي يصل ارتفاعه إلى 763 متراً، أما جغرافياً، فهي تملكُ أهمّ نقطة وصل لكل المناطق المجاورة من بئر السلاسل إلى عين المزراب.
وإن كانت القرى جميلة بطبيعتها ومناخها، إلّا أنّ أهلها يضفون عليها قيمةً أضافية من الجمال والحركة، وبلدة السلطانية تمتلئ بأهلها في فصل الصيف غالباً، إذ يصل عدد سكانها إلى 5000 نسمة، المقيمون منهم حوالى 2000 نسمة، المغتربون 1000 نسمة، والمقيمون في مدينة بيروت حوالى 1200 نسمة.
العائلات في السلطانية: ياسين وهي العائلة الأكبر بنسبة 50 في المئة من السكان، مرواني، عبّاني، صالح، مسلماني، فخر الدين، السقا، خواجة وجابر.
تفتخر هذه البلدة بثقافة أبنائها العالية بمستوى يليق بأهل الجنوب لتكون مضرباً للمثل لكل المتعلمين والمجتهدين.
موقع «صوت الفرح» الإلكتروني جال في أعالي مرتفعات بلدة السلطانية ووديانها، وكان حوار مع أبنائها للاضاءة على سحر الجنوب وأهله الذي لا تضاهيه كل الجمالات التي تغرسها أيدي البشر.
رئيس البلدية
التقينا بداية برئيس بلدية السلطانية حسن ياسين الذي ترأس البلدية منذ سنة وأربعة أشهر، بعد استقالة الرئيس السابق لمواجهته مشكلة صحية.
اعتبر ياسين أن السلطانية قرية سياحية صغيرة على رغم عدم وجود مؤسّسات كبيرة فيها، ولكنها مناسبة كثيراً لقضاء عطلة الصيف بعد شتاء هادئ شبه خالٍ من أهله. وذكر أهم إنجازات المجلس البلدي من عام 1992 الذي كان أول مجلس بلدي في السلطانية حتى اليوم ومنها: خزان مياه، مولدات كهرباء، شق عدد كبير من الطرقات وتعبيدها، توسيع الطرقات الداخلية في البلدة.
وأكّد ياسين أن كل المشاريع التي قامت بها البلدية تركز على دعم السياحة، إنشاء مجمّع سياحي، حدائق عامة، تأمين كهرباء، تأمين مياه، شقّ طرقات بحدود خمسة كيلومترات في الجبال ، توسيع العمران، مسبح، مجمّع رياضي، والهدف الأساسي للبلدية تجهيز الجوّ الترفيهي لأهل البلدة.
أما المشاكل التي تواجه البلدية فهي تتعلق بالعمل الإنمائي أي المشاكل المالية، فالمخصّصات لكل البلديات أقل من حاجة البلدية لتنمو وتتطور، وبلدة السلطانية حصتها من الصندوق ترتبط بعدد الأعضاء والسكان، وحصتها قليلة لا تتناسب مع حاجتها، وحتى المساعدات من الإدارات الرسمية والوزارات تكون قليلة والسبب يعود لرؤيتهم أن المقيمين هم الأقلية ولا حاجة للمساعدة الكبيرة.
وأضاف أن للبلدية مشاريع مستقبلية، فإنها تعمل حالياً على تطوير المجمّع الرياضي وإنشاء فريق لكرة القدم، واستكمال شق الطرقات، وإقامة أنشطة للشباب والأطفال، والتخطيط لمشروع محمية السنديان التي وصل عمرها إلى مئتي وخمسين سنة، كما وتقوم البلدية بدراسة مشروع بالتعاون مع «UNDP» لتضيئ البلدة بكاملها على الطاقة الشمسية.
ووجّه ياسين صوته في ختام الحوار إلى المراجع والمختصّين للاهتمام بالبلديات الصغيرة وشؤون العمل البلدي، معتبراً أن البلديات الكبيرة وضعها المالي جيد والجباية لديها قوية، وحبّذ التركيز على هذه البلديات الصغيرة لتنمو وتكبر ويتوقف النزوح من البلدة باتجاه المدينة لكي لا تزداد الأمور صعوبة.
أما قضية المشاعات المتنازع عليها، فيؤكد ياسين أنّ عشرات الدونمات من مشاعات البلدة قد انتزعت بطريقة غير قانونية من قبل إحدى العائلات النافذة المسيطرة على بلدية دير انطار. «وصدر حكم باسترداد بعض المساحات، لكن 120 دونماً ما زالت بِاسم شركة «واف»، وما زلنا ننتظر حكماً عادلاً من القضاء يعيد لأهالي البلدة حقوقهم من الأملاك العامة، وثمة محاولات للفلفة الأمر تجري بأن تدفع العائلة المشار إليها مبالغ مالية، لكننا رفضنا».
المختار
والتقينا مختار البلدة علي صالح الذي غرست يداه عملاً مثمراً خلال 35 سنة في المخترة، ويقول إن السلطانية نموذج لكل القرى، تتميز بأهلها ومناظرها وجبالها، و«بيت الدوار» يشرف على الجنوب كلّه، والأهالي متكاتفون موحدّون وملتفون حول بعضهم. وأكّد أن البلدية جاءت وأكملت واجبها بعد جمعية «النهضة» التي عملت سبعين سنة بنشاط مميز، من إنشاء جمعية ومدرسة وساحات إلى الحسينية والجامع وغير ذلك.
وخلال الجولة في القرية الوادعة، صادفنا بعض المواطنين وتحدّثنا مع باسم السقا صاحب معمل شوكولا سابقاً أول معمل شوكولا في جنوب لبنان كله ، وأقفل المعمل بعد المنافسة الخارجية من تركيا، روسيا، الأردن، مصر، وفضّل التجارة على ذلك. يقول السقّا: «كنا ندفع ضرائب كثيرة للدولة اللبنانية، لكننا كنّا معزّزين، نصدّر إلى أفريقيا، روسيا، أوكرانيا، رومانيا، وبعدما فتحوا في تلك الدول معامل خاصة بهم، انتكست مصالحنا، واليوم في لبنان، الدولة لا تدعم الصناعة الوطنية».
وتابع: «إن بلدتنا هي بلدة سياحية فيها سبع مطاعم في منطقة صغيرة وأفران واستراحات وملاعب وحدائق، وعلى الدولة أن تدعمنا من أجل تنشيط هذه المرافق».
المواطن علي ياسين، مقيم في السلطانية ويعمل في معمل فرش في بلدة دير انطار، ويقول: «الضيعة جميلة لكنها فارغة في الشتاء، وتتميز في الصيف بمجيء أهلها، ونحن كشبّان نسلّي أنفسنا بإنشاء فرق عفوية لكرة القدم».
والبعض اعتبروا أيضاً أن السلطانية قرية مثالية والكل أقارب، لا جفاء بينهم، وفيها تعليم مميز، ولا يمكنهم الاستغناء عنها. وإن غابت عن القرى المؤسسات ووسائل العمل لتأمين لقمة العيش، إلا أن تراب الجنوب يبقى عزيزاً على أهله ومحبيه مهما طال الغياب، رافضين كل الرفض التعدّي على شبر أرض منه.