بحثاً عن ابتسامة في زمن الحزن والغمّ والكآبة 5

جورج كعدي

يواجه بعض الناس الإحباط والمشاكل النفسيّة والجسديّة والماديّة والضغوط بأساليب مواجهة إيجابيّة مثل الصلاة والصداقة والحب والضحك ومضاعفة العمل والقراءة والتأمّل والتفاؤل والأمل… أو بأساليب سلبيّة مثل اللجوء إلى إدمان الكحول والمخدّرات أو إظهار اللامبالاة والشعور بلا جدوى الحياة والاستغراق في النوم واليأس والاكتئاب… بلوغاً إلى الانتحار.

حسّ الدعابة هو، على ضوء التصوّرات العلميّة الحديثة، بمثابة مواجهة قائمة على أساس الانفعال توقف الإحساس بالضيق الانفعاليّ وتمنع انزلاق المرء نحو المرض. يدمّر حسّ الدعابة المشقّة أو حالة الضغط الناتجة من اختبار سلبيّ معيّن، كما يمنع تفاقم تأثيرات هذا الاختبار السلبيّ أو تحوّلها إلى حالة مرضيّة. إذ أظهرت دراسات حديثة عديدة أن الدعابة هي عامل معدّل moderator للاختبارات السلبيّة المتّصلة بالضغوط النفسيّة والجسديّة، وحين يستخدمها المرء على نحو ملائم يعدّل تلك الضغوط النفسيّة والاجتماعيّة فتنخفض تأثيراتها.

يحتاج البشر جميعاً إلى الدعابة والضحك والتفاؤل والأمل، حتّى أن الضحك يُستخدم في معالجة حالات المرض الفعليّة الجسديّة . السعادة في جوهرها نزوع خاص إلى الحياة، وقد يجد الإنسان السعادة في أبسط الأشياء، في زهرة جميلة، أغنية مرحة، قصّة ممتعة، طرفة، مسرحيّة كوميديّة… ومن أكبر معوّقات السعادة أن نتوقّع دوماً سعادة كبيرة، فالسعادة هي اتّجاه عقليّ وخاصّية تفكير مميّزة لدى المرء ورؤيته الخاصّة إلى العالم.

تعتمد الفكاهة في رأي الفيلسوف الألمانيّ الكبير آرثر شوبنهاور على مزاج لحظة Mood ذاتيّ خاص، غير أنّه متّسم بالجدّية والجلال. وتتصارع الفكاهة على نحو لا إراديّ مع العالم الخارجيّ المشترك شديد الاختلاف معها. لا يمكنها أن تسلّم نفسها إلى هذا العالم، ولا يمكنها أن تتلافاه أيضاً، وعلى ممتلكها أن يقيم «تسوية» أو حلاًّ وسطاً معه. الضحك كقاعدة، بحسب شوبنهاور، حالة سارّة، فإدراك التناقض بين المتصوّر قبلاً وما يُدرك الآن يهبنا المتعة، فنستسلم في حال من البهجة إلى تلك التشنّجات المتقلّصة التي تستثار لدينا تحت تأثير ذاك الإدراك المفاجئ. الضحك لدى شوبنهاور، مثلما هو لدى أرسطو، امتياز وخاصّية مميّزة للإنسان.

انحاز شوبنهاور إلى الجانب الخاصّ بالمدركات الحسّية والحواس، قائلاً إنّ في كلّ صراع يظهر على نحو مفاجئ ما هو مدرك وما هو مفكّر فيه متصوّر . ما هو مدرك هو الصواب إذ لا يخضع للخطأ ولا يستلزم إثباتاً من خارجه. الإدراك هو الشكل الآليّ للمعرفة غير المنفصلة عن الطبيعة الحيوانيّة لدى البشر، وهو هنا وسيط الراهن الماثل والخاص بالاستمتاع والبهجة، ويتمّ بلوغه مباشرة من دون جهد. في حين أن التفكير المجرّد القوّة الثانية الخاصة بالمعرفة تحتاج ممارسته غالباً إلى الجهد، فتتبدّى عدم كفاءة العقل الجادّ الذي يتحكّم فينا بلا كلل أو ملل. علماً أنّ شوبنهاور مؤمن بأنّ أكثر الناس جدّية هم أكثرهم قابليّة للضحك من أعماق القلب.

سئل الشاعر ملتون: لِمَ يمكن المرء في بعض البلدان أن يصبح ملكاً في الرابعة عشرة من عمره ولا يمكن أن يتزوّج إلاّ في الثامنة عشرة؟ فأجاب: لعلّ السبب أنّ حكم البلاد أسهل جداً من حكم المرأة!

شكا صديق للكاتب الفرنسي أوكتاف ميرابو هموم قلبه قائلاً: لم أعرف قطّ السبب الذي حملها على خيانتي! فهزّ ميرابو كتفيه وأجابه: وهل يعرف أحد لِمَ يداعب الهواء أغصان الشجرة؟!

حين علم الأديب بيرون بموت فولتير، عدوّه اللدود، تظاهر بالحزن الشديد ونهض قائلاً: آه، يا للخسارة الكبيرة، كان أظرف إنسان في فرنسا! وعاود الجلوس ومال إلى الصديق الذي حمل إليه النبأ سائلاً: أتضمن لي على الأقلّ أنه مات؟!

قال جورج برنارد شو عن أميركا والأميركيين: إنّ كل أميركيّ مئة في المئة هو تسعة وتسعون في المئة معتوه. لا أريد مشاهدة تمثال الحرية. صحيح أنّني أستاذ في السخرية والهزء إلاّ أن قابليّتي للسخرية لا تبلغ هذا الحدّ!

أرسلت إحدى الممثلات إلى برنارد شو رسالة دعوة لزيارتها بأسلوب توهّمت أنّه مبتكر إذ كتبت إليه: سأكون في منزلي عند الساعة السادسة السبت المقبل… فجاء ردّ شو: وأنا أيضاً.

كان جورج برنارد شو يكره الرياضة وهو القائل: أمضيت حياتي مشاركاً في مآتم أصدقائي من ممارسي الرياضة.

وهو القائل بسخريته الرفيعة كذلك:

ـ إذا اصطاد الأسد إنساناً فهو عمل وحشيّ، وإذا اصطاد الإنسان أسداً فهو عمل رياضيّ.

ـ إنني أغفر لنوبل اختراعه الديناميت، لكنني لا أغفر له جائزة نوبل.

ـ أفادتني دوائر الحكومة كثيراً، فقد تعلّمتُ منها صبر أيوب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى