تجليات الاستنفار الأمني الأميركي بعد هجمات باريس

فرط اهتمام المراكز والمعاهد الاميركية بهجمات باريس كان متوقعاً، دلّ عليه تعدّد الإصدارات من مختلف مراكز الأبحاث.

سيستعرض قسم التحليل تجدّد الهاجس الأمني في أميركا، لا سيما مع بروز نفوذ قادة الحزب الجمهوري المتشدّدين والمرور على جذر القلق الحقيقي المتمثل بالبعد السياسي والممارسات السياسية، لا سيما في ظلّ شبه انهيار تام لسياسة الرئيس اوباما في سورية وإقراره الصارخ بفشل استراتيجية الحرب على الإرهاب.

هجوم باريس

شكلت هجمات باريس حافزاً إضافياً لأنصار الحرب وإعادة تصويب البوصلة السياسية نحو الخيار الأمني والعسكري. وطالبت مؤسسة هاريتاج صناع القرار الالتفات الى أولوية معالجة الأمن الأوروبي، اذ «الفرصة مؤاتية لواشنطن للتركيز وتعزيز علاقاتها مع الحلفاء في اوروبا الشرقية والغربية على السواء.».

وأوضح انّ القلق الأمني الراهن ناجم عن انخراط «نحو 3000 مواطن من اسلاميّي أوروبا للقتال في العراق وسورية في صفوف الدولة الإسلامية، وبعضهم عاد إلى مقرّ إقامته الأوروبي للتخطيط لهجمات ارهابية على الأراضي الاوروبية».

سلط صندوق مارشال الألماني الأضواء على هويات الإرهابيين المتورّطين في أحداث باريس والذين يفرض حضورهم «تحديات ليس على فرنسا فحسب، بل للجهود الأوروبية المشتركة لمحاربة الإرهاب». وأوضح أنّ أحد العوامل المشتركة للإرهابيين انه تمّ «استقطابهم للفكر المتطرف خلال قضائهم فترة السجن»، حاثاً كافة الدول على «تخصيص الموارد الكافية للأجهزة الأمنية لتعقب ومراقبة كافة العناصر المتشددة».

وأضاف انه استناداً إلى ما رشح من معلومات لدى الأجهزة الأمنية الأميركية بأنّ أحد المنفذين «سعيد كواشي تلقى تدريبه في اليمن…» مما يعزز الحاجة إلى تطوير التعاون الأمني الأميركي الأوروبي… وتنسيق استراتيجيات التصدّي للإرهابيين».

أصدر معهد بروكينغز دراسة مفصّلة حول دوافع وحوافز استقطاب «الجهاديين»، قائلاً إنّ هناك أسباباً عدة منها «الرغبة في خوض تجربة المغامرة والتحوّل الى التطرف الديني.» واستدرك بالقول إنّ التدخل الغربي في المنطقة «يتصدّر القائمة… لكن إنْ قرّرت الولايات المتحدة تعزيز تدخلها فسينجم عنه استقطاب مزيد من المقاتلين الاجانب الطامعين في محاربة قوة عظمى غازية…»

جدير بالذكر في هذا الصدد ما جاء في بحث مطوّل مشترك لخبير أميركي في شؤون الأمن العالمي، روبرت بابي، وزميله الخبير الاقتصادي، جيمس فيلدمان، سعى إلى «تحليل أكثر من 2100 حادثة موثقة من التفجيرات الانتحارية بين أعوام 1980 و 2009،» دلت على انّ الدافع الرئيس «لمرتكبي تلك الحوادث كان ردّ فعل على تدخل الولايات المتحدة في الشرق الاوسط، وليس بدافع ديني او ايديولوجي».

في ذات السياق، بثت شبكة سي ان ان الأميركية للتلفزة نبأً من باريس خلال الهجمات نقل عن أحد المهاجمين، شريف كواشي، قوله «انّ تطرفه بدأ عام 2007… عند مشاهدة مناظر تلفزيونية مأساوية لما كان يدور في العراق وإجراءات التعذيب التي مارسها الاميركيون ضدّ العراقيين».

المقاتلون الأجانب مصدر تهديد

تناول معهد بروكينغز تنامي تهديد «المقاتلين الأجانب في سورية»، مناشداً صناع القرار السياسي «تطوير التدابير الراهنة لكبح التهديدات الإرهابية، بل الأهمّ تخصيص الموارد اللازمة لذلك». وحذر من تراخي الجهود في هذا الصدد لا سيما أنّ «الافراط في ردود الفعل يبدّد الموارد ويتسبّب بارتكاب أخطاء سياسية خطيرة».

العراق

تدني أسعار النفط في الأسواق العالمية وتداعياته على جهود الحكومة العراقية بسط الأمن في البلاد كان محور اهتمام معهد أبحاث السياسة الخارجية. وقال «انّ تنامي تهديد الدولة الاسلامية ـ داعش للعراق يرافقه تقليص الإيرادات والموارد المطلوبة من الحكومة لتعزيز سيطرتها على أراضيها. واعتبر المعهد الجهود المشتركة «للولايات المتحدة والسعودية لإغراق أسواق النفط وإبقاء أسعاره متدنية… سيؤدّي بالعراق إلى مواجهة بضع سنين عجاف، تخل بالتوازنات الداخلية، خلافاً «للدول الثرية التي باستطاعتها تحمّل تبعات اتخاذها قرارات حمقاء».

مصر

طرح معهد واشنطن تساؤلات لصناع القرار تتناول الحكمة من استمرار «التمويل الأميركي للمشتريات العسكرية المصرية» في ظلّ السياسات الراهنة للحكومة والتي دفعت الإدارة الاميركية التزام «التحفظ لإصدار إجراءات استثنائية والمضيّ في تقديم الدعم العسكري… لا سيما أنّ عدداً من السياسيين الأميركيين يناشدون الرئيس حجب تمويل المشتريات العسكرية الى حين تلمّس تطورات حقيقية في السياسة المصرية نحو الحقوق الإنسانية». وحذر المعهد من مغبة الذهاب إلى قطع المساعدات الأميركية بالكامل «في ظلّ تنامي وجود المسلحين في سيناء… بل سيؤدّي إلى مفاقمة وليس تليين أسوأ تجليات السياسات المصرية».

في السياق عينه، اعتبر معهد كارنيغي آفة الفساد الإداري والمالي «العامل الرئيسي وراء غياب التنمية وتردّي الاوضاع الاقتصادية.» واستشهد المعهد بإصدار البنك الدولي حول مؤشر «الحكم الرشيد… الذي يجمع أغلب المؤشرات الأخرى» عن الفساد وغيره كمعيار لدى استشراء الآفة. وجاء في دراسة البنك أنّ مصر سجلت نسبة متدنية من مساعي السيطرة على الفساد، نحو 40 ، في الفترة الزمنية بين أعوام 1996 و 2013، تليها في مرتبة أفضل تركيا، 51 ، وتونس 55 اي انّ تلك الدول «أقلّ فساداً من مصر».

تونس

تناول معهد كارنيغي آفاق المرحلة المقبلة في تونس بعد تشكيل الحكومة الجديدة، والتوازن في سياساتها الساعية إلى «ترميم الوضع الاقتصادي… وترويض الحراك الشعبي من دون إجراء إصلاحات جذرية هادفة إلى إعادة توزيع الثروة » مما يستدعي لجوءها إلى «الخيار الأمني لحلّ التناقضات الاقتصادية.» واعتبر المعهد انّ اختيار الحبيب الصيد، القادم بخلفية وزارة الداخلية، أتى «في ظلّ هذا الإطار.» وأوضح أنّ فوز «حركة نداء تونس» في الانتخابات جاء بدافع «التصدي لمشروع هيمنة الإسلام السياسي وأخونة تونس،» وتحليها بالواقعية سيدفعها إلى إشراك خصومها في حركة النهضة طمعاً في ترسيخ استقرار البلاد. واستدرك بالقول إنّ «امكانية عودة تونس الى مرحلة الاستبداد أمر مستبعد».

المملكة السعودية

خفف مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من قلق الدوائر المختلفة لصراع أجنحة متعدّدة داخل العائلة المالكة على العرش، معتبراً «وقوع الخيار على العاهل السعودي المقبل من المرجح ألا يؤدّي إلى أزمة.» ودعم توجهه استناداً الى تطوّر السعودية الى «دولة حديثة وفق معظم المعايير الدولية. أما وجهة «السياسات الملكية… فمن غير المرجح ان تشكل مصدراً لعدم الاستقرار او ان تؤدّي إلى تحوّلات حادة في دور السعودية الاستراتيجي وشراكتها مع الولايات المتحدة».

إيران

استبشر معهد المشروع الأميركي خيراً باستئناف جولة المفاوضات النووية، وضرورة التيقن من «مسلك المفاوض الإيراني كمؤشر على وجهة تفكير المرشد الأعلى.» وأوضح أنه إنْ استطاع الرئيس حسن روحاني الفوز بدعم المرشد فإنّ ذلك «سينعكس على توجه وزير الخارجية جواد ظريف وتمتعه بحيّز مناورة أوسع، خاصة في مسألة عدد أجهزة الطرد المركزي».

ارتباك وإخفاقات الأجهزة الأمنية الأميركية حفزت صنّاع القرار السياسي على النظر بتشديد مزيد من القيود على الحريات العامة، ليس لتداعيات هجمات باريس فحسب بل بعد إفصاح القيادة الوسطى للقوات العسكرية الأميركية عن اختراق قراصنة «الخلافة الالكترونية» لحساباتها الخاصة على وسائط التواصل الاجتماعي، وأجهزة رسمية أخرى. يُذكر أنّ تداعيات وثائق إدوارد سنودن حول تجاوزات وكالة الأمن القومي مهّدت المناخ السياسي ورفعت سقف المطالب الشعبية، لبعض الوقت، لحشد الجهود لكبح نشاطاتها التجسّسية على المواطنين الأميركيين. وما لبثت الدوائر «المعنية» ان أقرّت تدريجياً باختراق أجهزة الكترونية لعدد من الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، متاجر «تارغيت» و «هوم ديبو» وشركة سوني للإنتاج التلفزيوني وآخرين، مما أعاد وتيرة النقاش الى المربع الأمني المتشدّد.

استغلّ الرئيس أوباما تلك الأجواء أفضل استغلال لتعزيز قبضة الأجهزة والدولة الأمنية. دشنها بزيارات متعدّدة لمناطق أميركية عدّة للترويج لمشروعه السابق الذي طالب فيه الكونغرس العام الماضي إصدار سلسلة قوانين وتشريعات «تضبط» النشاط الالكتروني للجميع، وتخصيص الموارد المالية اللازمة لخوض سباق غير مسبوق ضدّ عدوّ مبهم في أفضل الاحوال. وغطى أهدافه الحقيقية بسياسة الجزرة زاعماً انه يشجع تطوير وسائل اتصالات العامة لأفضل وأحدث ما تنتجه التقنية. كما أنّ لقاءه المشترك مع رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، في البيت الأبيض، ايضاً كرّس توجه الطرفين إلى تشديد المراقبة الأمنية.

الأولوية للدولة الأمنية

ردّد أوباما هدف خطته الالكترونية الجديدة بأنها ترمي إلى «تشجيع شركات القطاع الخاص المشاركة وتبادل معلوماتها الالكترونية على أجهزتها المركزية والخاصة مع وزارة الأمن القومي،» وجهازها المستحدث «مركز توحيد الاتصالات والأمن الالكتروني القومي». وأوضح في حملته الإعلامية أمام الهيئة الناظمة للاتصالات، مفوضية التجارة الفيدرالية، تلازم الاتصالات بجهود الحماية.

كذلك استغلّ أوباما لقاء البيت الابيض مع كاميرون للإعلان عن عدد من الاتفاقيات من ضمنها «تعزيز التعاون الثنائي في الفضاء الالكتروني». وجاء في البيان الرسمي الأميركي أنّ الطرفين يعتبران «تهديد القرصنة الالكترونية أحد التحديات الخطيرة للاقتصاد والأمن القومي» للبلدين، مما يستدعي «توطيد جهود الأبحاث الالكترونية وعلى أعلى المستويات الاكاديمية… لتدعيم الدفاعات الالكترونية».

سبق بيان البيت الابيض إعلان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن عن منحة دراسية قيمتها 25 مليون دولار «لإنشاء مجمع أبحاث أكاديمي مشترك لشؤون الأمن الالكتروني،» خلال زيارته لإحدى الجامعات في ولاية فيرجينيا.

ضجيج حركة البيت الابيض، بدعم قادة الكونغرس الأشدّ تطرّفاً، والعزف على وتر هاجس الأمن القومي تصدّر كلّ الجهود والدعوات السابقة التي ما زالت تطالب بوضع قيود قانونية على أجهزة الأمن القومي، لا سيما وكالتا الاستخبارات المركزية والأمن القومي.

الرئيس الجمهوري الجديد للجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب، مايك ماكول، أعلن بحزم انه يتوقع حدوث «المزيد» من الهجمات المماثلة لهجمات باريس عبر العالم، سواء نفذها «مقاتلون أجانب… او عبر استغلال إمكانيات متطوّرة توفرها شبكة الانترنت.» وقام قادة الحزب الديمقراطي أيضاً بالعزف على ذات الوتر الحساس اذ زعمت الرئيسة السابقة للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، دايان فاينستاين، انّ هناك «خلايا نائمة، ليس في فرنسا فحسب بل في بلدان اخرى بالتأكيد، وأيضاً في وطننا»، مناشدة زملاءها الجدد في الكونغرس «تخصيص الموارد المالية المطلوبة لعمل أجهزة الاستخبارات المتعدّدة…»

وزارة الأمن الداخلي أصدرت تقريرها أخيراً حول سبل حماية وأمن المعلومات المطبّقة في الاجهزة والدوائر الحكومية، وزعم التقرير «شيوع ضعف سبل وإجراءات حماية المعلومات في عموم مرافق الدولة المركزية والتي تشكل ثغرة خطيرة قد يتمّ اختراقها من قبل الأعداء، مما سيفتح المجال لتهديد الأمن القومي والشعب الاميركي معاً».

من جملة التفاصيل المقلقة، أتى تقرير الوزارة على ذكر اختراق شبكة تخصّ سلاح المهندسين في الجيش الاميركي، عام 2013، وتفاصيل «بالغة الحساسية لمفوضية الرقابة النووية تخصّ إجراءات الأمن المتبعة في المفاعلات النووية،» فضلاً عن اختراقات وقرصنة استهدفت مراكز تتبع البيت الأبيض. أما اختراقات التدابير الأمنية المشدّدة في المطارات الأميركية فهي تتكرّر منذ عام 2001 ولا يعلن عن معظمها.

مواطن الأزمة الأمنية

قلة من المعارضين السياسيين لأوباما، من داخل الحزب الديمقراطي تحديداً، أعربت عن تشكيكها بفعالية استراتيجية تشديد الإجراءات الأمنية التي «تناقض الحريات الدستورية» المنصوص عليها، وتعتبر انّ جذر الأزمة يكمن في البعد السياسي والاستراتيجيات الراهنة بعيداً كلّ البعد عن مجرّد تخصيص موارد وإمكانيات إضافية لحماية أهداف ومنشآت أميركية معرّضة للتهديد.

الثابت أخيراً أنّ بعض الدراسات الرصينة أشارت الى ترابط السياسات الأميركية الراهنة بالتعبيرات المتشدّدة والمجموعات المتطرفة «مثل الدولة الاسلامية والقاعدة ومشتقاتها في سورية… بل شجعتها ودعمتها، تمويلاً وتسليحاً وتسهيلات». تعبيرات الحملة الناقدة للسياسات الأميركية كانت أقلّ من المطلوب في المستوى الاستراتيجي، اذ تركزت على تبيان «عدم وضوح سياسة الرئيس أوباما في سورية وخلوِّها من أهداف محددة، أبعد من مجرّد المطالبة بتنحّي الرئيس الأسد». فضلاً عن الجدل الذي أثارته سياسة الرئيس اوباما بتنفيذ الاغتيالات عبر طائرات الدرونز وارتفاع عدد الضحايا الأبرياء بشكل مضطرد.

من ضمن المعضلات التي يواجهها الرئيس اوباما ودوائر صنع القرار تكرار عدد من المسؤولين مقولة إنّ «هجمات باريس تشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي، مما يستدعي الإقرار بفشل سياسة مكافحة الإرهاب المعلنة والمفارقة الناجمة عن تصريحات الرئيس أوباما الأخيرة بأنّ «تنظيم القاعدة في اليمن قد تمّ إلحاق الهزيمة به بنجاح،» بينما يمضي التنظيم بإعلان مسؤوليته على الملأ عن التخطيط وتنفيذ هجمات باريس.

الخيار الأول: تشديد القيود

سارع البيت الأبيض إلى التقاط اللحظة وتصدّر التغطية الإعلامية ضدّ الإرهاب بإعلانه عن استضافة مؤتمر قمة سياسية ضدّ المتطرفين، يعقده يوم 18 شباط المقبل، بغية مناقشة سبل التصدّي والكفّ عن جهود تجنيد الأميركيين من قبل المجموعات الإرهابية المتطرفة «داعش» و«القاعدة».

وزير الأمن الداخلي، جيه جونسون، سعى أيضاً إلى تطمين الأميركيين لتشديد حملة الإجراءات الأمنية، لا سيما بعد ظهوره العلني المتكرّر عقب حادث إطلاق النار على مبنى البرلمان الكندي، تشرين الاول الماضي. واكد جونسون عزم وزارته والأجهزة الأمنية الأخرى «تبادل المعلومات» الاستخبارية مع فرنسا والحلفاء الآخرين والخاصة «بتهديدات الإرهابيين، الأفراد المشتبه بهم، والمقاتلين الأجانب» في سورية والعراق ومشاركته في القمة الأمنية المذكورة.

يتوجس المسؤولون الأميركيون من تعرّض شبكة الأنفاق والسكك الحديدية والمواصلات لخطر التهديد، ليس في البعد الأمني الصرف فحسب، بل لتقادم وتردّي البنية التحتية التي كشفت بعض الحوادث الأخيرة عن مواطن ضعف حقيقية يصعب التغلب عليها في الوقت المنظور: حادث احتراق كهربائي وتصاعد دخان كثيف في شبكة أنفاق واشنطن للنقل الداخلي مطلع الأسبوع، أسفر عن وفاة امرأة وإصابة 84 راكباً بعوارض استنشاق الدخان وحادث حريق داخل محطة القطارات المركزية في مدينة نيويورك، «بين ستيشن،» استدعى معالجته نحو 150 عنصراً من إطفاء الحرائق.

حادثتا الحريق في ظرف يومين متتاليين ضاعفتا قلق المواطن الأميركي من سبل وإجراءات السلامة المتبعة، وكذلك تدابير وزارة الأمن الداخلي بعيداً عن الحملات الدعائية. التوجّس له ما يبرّره من مخاوف عقب الكشف عن سلسلة تهديدات موجهة إلى شبكة المواصلات من «عناصر إرهابية:» نيويورك 2010 لندن 2005 كندا 2014 وإخفاق الأجهزة الأمنية المخوّلة بالحماية، لا سيما «إدارة أمن المواصلات» المركزية، بتعزيز وثبات إجراءاتها لفحص البنى التحتية كما هو منوط بها.

في تقرير صادر عن «مكتب المحاسبة العام،» خاص بسلامة شبكات المواصلات أنّب إدارة أمن المواصلات لعدم فحص بعض البنى التحتية للسكك الحديدية لنحو 18 شهرا، عام 2012… شملت عدداً كبيراً من شبكات المدن الرئيسة». وزارة الأمن الداخلي تبنت التوصيات المذكورة في التقرير الموسع، بيد انها لم تقم بتحديد فترة زمنية لمعالجة الثغرات المذكورة.

حوادث اختراق ال.إجراءات الأمنية طالت أيضاً قاعدة طيران للحرس القومي في ولاية ديلاوير مما دفع مكتب التحقيقات الفيدرالي بالتعاون مع قيادة سلاح الجو وجهاز لجنة العمل المشتركة للتصدّي للإرهاب البدء في التحقيق لخمسة حوادث «على الاقلّ» لجسّ نبض إجراءات حماية محيط القاعدة المذكورة، الأسبوع المنصرم وحده. نائب الرئيس جو بايدن، الذي ينحدر من ولاية ديلاوير، يستخدم القاعدة عينها للإقلاع والوصول باستمرار.

تقنين الردّ الأمني

يستعدّ الرئيس اوباما لإلقاء خطاب رئيسي موجه للأمة، مساء غد الثلاثاء، يتضمّن قسطاً كبيراً من معالجة الاختراقات الأمنية وجهود القرصنة الالكترونية كما يعتقد وتجديد إعلانه عن خطة عمل سبق وطرحها عام 2011 تطالب الكونغرس بإصدار تشريعات جديدة من شأنها معالجة ثغرات الأمن الالكتروني وتفصيل العقوبات الخاصة بالمخالفين والقراصنة. الخطة والتشريعات المقترحة «تتناقض جملة وتفصيلاً» مع الحقوق المدنية شبه المقدسة لدى الاميركيين والمكرّسة دستورياً، مما ينذر بجولة صدام جديدة بين الحكومة والمنظمات الحقوقية التي شارفت على خسارة زخم المطالب الشعبية بتقييد حركة المؤسسات الأمنية.

تتضمّن خطة أوباما بندا يطمئن المتردّدين ينص على «حماية» المستهلك من تداعيات القرصنة وانتحال شخصيته، وفرض شروط معينة على القطاع الخاص تلزمه «إزالة المعلومات الشخصية» قبل تبادلها مع الأجهزة الأمنية. المنظمات الحقوقية أيضاً سارعت في جهودها للتصدّي ومعارضة الخطة لاعتقادها انها «تعزز إجراءات المراقبة الحكومية» على المواطنين، مطالبين إقرار إصلاحات تخص وكالة الأمن القومي أولاً وقبل النظر في تفاصيل تبادل المعلومات، وهي «مسألة تتفادى الادارة التطرق إليها» في العام الجديد.

تجدر الاشارة الى انّ «تبادل» المعلومات مع الأجهزة الأمنية «يطبق منذ زمن،» بدافع الحدّ من التهديدات الأمنية. توجس المنظمات الحقوقية له ما يبرّره، لا سيما انّ الرئيس اوباما «لم يفصّل الثغرات القانونية الراهنة التي ينبغي صدّها والتخلص منها» في مشروعه المقدم تحت عنوان «قانون التحايل وإساءة استخدام الكمبيوتر.»

في بعد النص القانوني الصرف، من شأن مشروع الرئيس أوباما إبطال مفعول واستبدال نصوص نحو 38 من القوانين السارية الناظمة للاختراق الالكتروني، وإنزال عقوبات أشدّ بالمشتبه بهم، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار «حاجة بعض الاخصائيين… شنّ هجمات مقصودة لرفض الخدمة» تستخدم ضدّ «نظم استبدادية وشبكات معينة.»

يذكر أنّ قراصنة ينشطون تحت مُسمّى «انونيموس» طالبوا الرئيس أوباما العام المنصرم اعتبار «الهجمات المقصودة لرفض الخدمة» عمل احتجاجي يحميه القانون «شبيه باحتجاجات دعونا نحتلّ» وول ستريت.

في سياق صراع الأجنحة والتيارات السياسية الأميركية، برز «لوبي» اقتناء السلاح الفردي كأحد أهمّ المدافعين عن الحق المنصوص عليه في المادة الثانية من التعديلات الدستورية، يروّج لانتشار السلاح الفردي الذي يتمّ الزعم انّ توفره الوفير «قد يحمي أميركا من هجوم مثيل» لهجوم باريس.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى