نعم.. كلنا مقاومة ضدّ «إسرائيل»
د. سلوى خليل الأمين
المقاومة ضدّ «إسرائيل» هي هدف وطني قومي، كتبت على كلّ عربي، وليس فقط على مجاهدي المقاومة في حزب الله، كما كتبت على الذين من قبلهم من الشرفاء الوطنيين الأنقياء، فمنذ أن وضعوا عيسى بن مريم على الصليب، ومنذ تمّ ذبح الإمام الحسين بن علي في كربلاء، ومنذ علق المناضلون على أعواد المشانق، وأشراف هذه الأمة على الزناد فوارس ميدان، قدرهم الشهادة من أجل بقاء الوطن حراً سيداً ومستقلاً، فالحرب لم تهدأ منذ بدء التاريخ، ولم يخبو أوراها، فطالما «إسرائيل» شوكة حادة في خاصرة الأمة، لا بدّ من التصدّي، ولا بدّ من التضحيات، ولا بدّ من الشهادة التي تمّ اختيارها قدراً مكتوباً على فوهات البنادق، التي لا تنحني أمام غطرسة عدو همجي مستشرس وشرير، رسم حدود دولته من الفرات إلى النيل، وما زال يتسلل عبر كلّ الممرات العسكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية من أجل اختراق صمود كلّ من أخذ على عاتقه مقاومتهم، من أجل استرجاع الوطن السليب فلسطين. لهذا لا بدّ من التذكير الدائم أنها ليست المرة الأولى والوحيدة التي يسقط فيها الشهداء غدراً في ساحة الميدان، إكراماً لفلسطين وسورية ولبنان، وكرامة العرب أجمعين، من مجاهدي حزب الله، رجال الله في الميدان، الذين رسموا الحياة طريق حق ونضال وعزة وافتخار، من أجل كرامة شعب فلسطين وشعوب العرب أجمعين.
هذا هو قدر الشرفاء من أبناء لبنان وأحرار العرب، الذين ارتضوا الشهادة درباً للحقيقة، الحقيقة التي لبستم لبوسها أسطورة ظلم ضبابية، جعلتموها، زوراً وبهتاناً، راية شيطانية تعبر كلّ العصور، لهذا سرحتم في ديار الله الواسعة شياطين غفلة، تدمّرون وتقتلون وتغتصبون وتحنون الرؤوس من أجل غاياتكم الدنيئة، الهادفة إلى الاستيلاء على أرض العرب أجمعين، ومن بعدها السيطرة على العالم كله، عبرالأساليب الملتوية التي التصقت بالصهيونية العالمية صفات إجرامية، غذتها في عقولهم بروتوكولات شريرة، أوصت كلّ فرد من بني صهيون بهدر كرامات الشعوب، وأعراضها، وسيادة أوطانها، توصلاً إلى مصادرة كلّ رأي حرّ مهما كان انتماؤه أو عقيدته، وذلك عبر تكثيف الحروب الآيلة إلى اكتساب غنائم من الأرض العربية تتسع ليهود العالم كله، الذين تعمل الحركة الصهيونية العالمية على تجمعيهم في فلسطين، وعبرها خارج الحدود، حسب ما تستطيع أيمانهم امتلاكه في مشرقنا العربي من مساحات، بالقوة المنظمة والممنهجة، لهذا كانت حروب العدو «الإسرائيلي» مع العرب إرهابية بامتياز، تستبيح البشر والحجر، وحتى قوانين الأمم المتحدة التي ترعى سيادة الدول المنتسبة إليها، وذلك عبر فيتوات أميركية مساندة، لا تأبه لإدانة المعتدي الصهيوني، بل كلّ ما تفعله إمداد جيشهم بكلّ المعدات العسكرية والتكنولوجيات المتطورة، وفرض الحظر على بيعها إلى الجيوش العربية ومنها الجيش اللبناني، الذي لا يملك ما يلزم من سلاح متطور من أجل الدفاع عن لبنان في وجه الغطرسة «الإسرائيلية» والعداونية المستمرة، لهذا كان لا بدّ من وجود المقاومة، هذه المقاومة التي نبتت على أرض الجنوب اللبناني، الذي طالما عانى من الاجتياحات «الإسرائيلية»، وطالما عانى سكانه من عمليات القتل المجاني ودهس الناس في سياراتهم من قبل دبابات الميركافا، وحادثة بلدة جويا لا تزال تستوطن ذاكرة الجنوبيين، وطالما عانى من تدمير حارات بأكملها على رؤوس سكانها المدنيين، إضافة إلى تدمير البنى التحتية من إمدادات الماء والكهرباء والهاتف، والاعتداء على المؤسسات التعليمية والتجارية والصناعية، وحرق المكتبات العامة والخاصة، وقطع الأشجار وجرف بساتين الزيتون والبرتقال، واجتياح الحقول الزراعية وأهمّها حقول التبغ والقمح التي تنتج لقمة المزارع الجنوبي الصامد في أرضه، ناهيك عن قصف بيوت «قوة حفظ السلام الدولية» الموجودين في بلدة قانا، بالقنابل الحارقة الذكية في أثناء اجتياحهم للبنان في نيسان العام 1996 أثناء عملية عناقيد الغضب، هذا إنْ دلّ على شيء، فإنما يدلّ على مدى استهتار العدو الصهيوني بقوة السلام تلك، التي وجدت أصلاً كي تكون قوة فصل وسلام وأمن، لكن حتى هذه القوة الدولية لم تأمن شرّهم وقصف نيرانهم العشوائية، ولم تستطيع الخوذ الزرقاء حماية الأطفال والنساء والشيوخ، فلاقوا حتفهم تحت راية الأمم المتحدة التي أهدتهم الموت المجاني.
هذه الدولة «الإسرائيلية» التي طالما رمت القرارات الدولية خلف ظهرها، والتي طالما أتحفت دول الطوق العربي باجتياحاتها العدوانية وحروبها الهمجية، حين لا حسيب أو معترض أو رقيب، لا تزال لتاريخه تقوم بممارسة عدوانيتها وتحرشاتها الغادرة، خصوصاً بمجاهدي المقاومة الذين لقنوها درساً قاسيا في حرب تموز 2006، فبات جيش العدو لا يجرؤ على اجتياح الجنوب اللبناني، ساعة يحلو له الأمر، كما كان يحدث سابقاً، لعلم قادة «إسرائيل» أنّ سلاح المقاومة القوي، الذي هو في تطوّر وازدياد دائمين، كما صرّح القائد السيد حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة، لهم بالمرصاد، هذا السلاح الذي بات يشكل لهم الرعب القاتل والدائم، الذي يمنعهم من تكرار اجتياحاتهم العدوانية، التي طالما نالت من أمن الجنوب اللبناني واستقرار سكانه، لهذا كان لا بدّ لهم، وهم في ظلّ هذا التخبّط السياسي والعسكري، وخصوصاً على أبواب الانتخابات، من اللجوء إلى عملية غادرة راح ضحيتها عدد من مجاهدي المقاومة، الذين استشهدوا في بلدة القنيطرة السورية أثناء تأديتهم لواجبهم الجهادي.
في ظلّ ما حدث، نسأل: لماذا لم نشهد حداداً رسمياً على مواطنين لبنانيين قتلتهم «إسرائيل» غدراً، وهم في حالة دفاع عن الوطن عبر حمايته من عصابات الدواعش المتصهينين؟ لماذا لم تتمّ الدعوة إلى تظاهرة جماعية في لبنان شبيهة بتظاهرة المتفرنسين اللبنانيين، الذين هزّتهم نكبة مجلة «شارلي إيبدو»، فأصبحوا كلهم je suis Charlie بمن فيهم وزراء في الحكومة الحالية يمثلون كلّ الشعب اللبناني؟ هل لـ«إسرائيل» الحق في محاسبة هؤلاء المجاهدين الذين اتخذوا الجهاد ضدّ العصابات الإرهابية التكفيرية في سورية، هدفاً نضالياً من صون السيادة اللبنانية؟ ألم يقرأوا دستور المعاهدات الدولية الموجودة في الأمم المتحدة والتي تتبنّى حق المرء في الدفاع عن أرضه وسيادة وطنه ضدّ كلّ خطر محدق؟ لماذا لم نسمع تصريحاً مواسياً ومعترضاً للرئيس الفلسطيني الذي مشى في تظاهرة باريس مع مغتصب وطنه الصهيوني نتنياهو؟ هل فلسطين تخصّ مقاومي لبنان وفوارس سورية وإيران فقط، حين حكام الدول العربية لا يعنيهم سوى بناء الأبراج وناطحات السحاب ورفاهية شعوبهم واستقطاب شبابنا وشاباتنا للعمل لديهم؟ تكثر التساؤلات، لكن ما يبقى ظاهراً على الملأ هو القول: كلنا مقاومة ضدّ «إسرائيل»، كلنا شهداء من أجل فلسطين… نعم:
je suis moukawamah contre Israel