أما كفاكم عربدة؟
شهناز صبحي فاكوش
سقط معطف الحمل الوديع… تمزّقت القفازات الناعمة… برزت الأنياب تقطر من دم الأبرياء، بانت شقوق الأيدي متورّمة من ثقل السلاح المنوّع الذي استخدمته، والإرهاب الذي مارسته قتلاً وتنكيلاً، تدميراً وتخريباً…
ما بُني على الإرهاب استمراره لا بدّ يكون على ذات المسار… قياساً على ما بُني على باطل فهو باطل مهما طال عليه الزمان…
أميركا التي نشأت على جماجم أهل الأرض الأصليين، صنعت شعباً جلبته من أربع جهات الأرض، ترغيباً… أو سَبْياً واستعباداً، محاولة صنع نسيج اجتماعي، تتخفى خلفه في الظلمات والنور، على أنها الدولة الأكثر ديمقراطية، لا تفرّق بين رعاياها مهما اختلف منبتهم.
وصلت كونداليزا رايس إلى وزارة الخارجية، ثم باراك أوباما إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، وكلاهما من أصول أفريقية، وقبلاً بوش الأب والابن من أصل أوروبي ألماني. لكن ماذا فعل هؤلاء وسابقوهم؟ الجميع ذئاب بجلد حمل، إلا ما شاء ربي.
تضع أميركا الهالة الملائكية فوق رأسها وترفع تمثالاً للحرية، والحرية مفقودة في حقيقة الأمر من حياة القاطنين على أرضها…
التمييز العنصري في كلّ شارع وزاوية، والدلالة الأحداث الأخيرة التي أدّت إلى مقتل شاب من أصل إفريقي، فكرٌ عنصري يسود المجتمع، ولا تحكمه القوانين.
الإرهاب الذي بنت عليه دولتها بعربدتها السياسية والعسكرية… أصبح فلسفة ونهجاً، دمّرت البرجين لتكون بوابتها التي تلج منها إلى أيّ مكان تشاء… تختال كالطاووس، مسخرة الرعاع والغوغائيين.
إدارتها حبلى بالمؤامرات… لفقت قضية السلاح النووي في العراق، فخرّبت ودمّرت وشرّدت.. لم تبق ولم تذر. فلسطين التي تطالب بحقها المشروع دولة حرة مستقلة كما نشأت منذ الأزل، تناصبها العداء بعد زرع بني صهيون فيها، رغم ادّعائها السعي إلى السلام، وما زالت في حجرها المدللة المحظور مساسها.
الحدث العاصف جاء من المدعية في المحكمة الجنائية الدولية. بطلب التحقيق مع الكيان الصهيوني، على ارتكابه جرائم بحق الشعب الفلسطيني، الذي ما عاد خفيّاً على أحد. إجرام تأسّس على عقدة الاعتداء وإبادة العرب. وشرب دمهم المسفوح.
ما عاد يمكن النكران بعد انتشار وسائل الإعلام التي تفضح كلّ ما كان يخفى قبلاً.
تنبري أميركا الراعي الطاعم الكاسي… تهذي أنّ فلسطين ليست بدولة، فلا يحق بالتالي للجنائية الدولية التحقيق مع الكيان الصهيوني، منتقدة الإعلان واصفةً إياه بـ«المفارقة المأساوية».
بينما يتوارى خلف الصمت، الغرب الذي يتهيّب اليوم من الإرهاب، وهو يتحضّر لمواجهة قوىً مثخنة بالجهل، كان يظنّ أنه مستفيد من جهلها لضرب أيّ مكانٍ يشاء. انقلبت عليه في نكوص ارتكاسي، وأرواح محمومة، متعطشة للدماء أكثر.
نتنياهو يعتبر قرار الجنائية الدولية أمراً مثيراً للغضب والسخرية معاً… متحدثاً عن الصواريخ التي أرعبت مدنييهم وأنزلتهم الملاجئ لأيام، وأنه لن يسمح بأي تحقيق. ليبرمان يصرّح غاضباً بأنهم لن يتعاونوا مع أي جهة للتحقيق.
يتحدث آخرون أنّ التحقيق لا يشمل سنوات الاحتلال، مع أنّ جرائم الحرب لا تنتهي بالتقادم، ولا تسقط بمرورها في منعطف الزمن.
العدالة الدولية والإنسانية، تقتضي مواجهة العربدة الأميركية والصهيونية، بمحاكمة وإدانة مجرمي الحرب، ومرتكبي جرائم الإبادة والغطرسة، في الكيان المغتصب.
يحاولون التدليس في اختلاس الحقيقة، أنه لا يمكن تدخل المحكمة الجنائية، إنْ لم تكن الدولة منضمّة إلى المعاهدة الدولية. وأنّ الجرائم السابقة للانضمام لا ينظر فيها. نطمئنهم… من اختصاصها التحقيقات كافة، حتى لو لم تكن الدولة منضمّة، مهما حاولوا تزوير الواقع وحرف الحقائق، فهذا لن ينفع مجرمي حرب الكيان الصهيوني.
الغزاة البرابرة، من أرغموا أهل الأرض يوماً على التشظي مع أبنائهم بلا هوادة، ليلاقوا الأهوال والمصاعب، مجابهين نتوءات الحياة،
لا بد اليوم من تعرية كنه المؤامرة، التي جاءت مع موجات الظلام، وأنتجت «داعش» و«النصرة» وعشوائيات الضلالة والتكفير، من رحم ضبابية الوهابية القذرة، وفضح الجريمة السياسية، التي تسعى إلى جعل الأمة فتات أسماء، وكومة من ظلال باهت.
لأول مرة تقدم السلطة الفلسطينية على ما يستحق التوقف في مواجهة الكيان الصهيوني… فهل من صحوة للعرب بعد الكبوة بل الكبوات، هل حقاً استفاد العرب من الصمود السوري لفتح منافذ النور على آفاق المستقبل، بدل الحرد والصمت.
هل يفتح الآتي من الأيام بوابات التحوّلات لتضيء ثريات السماء، التي ضنّت بأنوارها زمن ممارسة البلادة العربية. وتعود أمواج المرمر الوردي لتلتطم بفلك خيال أدباء الأمة، فتغترف من القيم الأصيلة ما يمحو آثار ما يحدث الآن أو يخفف.
هل تنتهي أسطورة القوي الذي لا يملك إرثاً حضارياً، لاختلاق حضارة وليدة هجينة؟ هل يتوقف تسلل فكرة اختطاف المصدر لترسيخ الواقعية في سياق المفهوم النظري؟ مستنهضاً عوامل الإفناء؟ لإحياء أرواحنا الكليلة ورفد مشوار البناء على نقاط ارتكاز المؤتلق من جذوة التاريخ، والمستمرّ لبناء المستقبل.