رواية «جواري العشق» لرشا سمير تضع تاريخاً ناعماً لحريّة المرأة
تضع رواية «جواري العشق» للكاتبة رشا سمير تاريخًا ناعمًا لحرية المرأة، وفي الوقت نفسه تُحرِّر تاريخها من صورته النمطية التي سرعان ما تتحول إلى «كرباجٍ» لجلد الذات، وذلك من خلال أربع نساء، في أربعة أجيال مختلفة، خلال أربعة أزمنة متباينة، وتحمل كلٌّ منهن جينات مَن سبقتها وتسير على طريقها بحثًا عن الحرية.
تبدأ الكاتبة رحلة البحث عن الحرية منذ عصر المماليك الجراكسة، تحديدًا في الفترة بين 1382 و1517، وتأخذنا في رحلة شائقة من بلاد الكرج – أو جورجيا – إلى قلعة الجبل في القاهرة.
كان قدرها أن تلتقي شهاب الدين. قدر بحثت عنه وقدر بحث عنها. لم يكن الحُب همومها أكبر همها ولا كان العشق حُلمها الوحيد. لكنها كانت مجرد امرأة تبحث عن حُريتها. من تركستان أتت وفي أحضان الرجال رست سفينتها. وفي سمرقند تعلمت الشعر وقراءة الأدب والرقص، والأهم من هذا وذاك، أتقنت فن معاملة الرجال! كانوا يرونها مجرد وجه جميل وجسد ممشوق. وكانت ترى نفسها سُلطانة بين حروف أشعارها، ونسي الجميع أنها تملك العقل والموهبة لتكسر قيودها. من قلعة الجبل هبط بحصانه الأبيض، فارساً يحمل سيف العدالة في جانبه ويحمل قلباً يبحث عن الحُب. في أسواق الفسطاط، وبين أروقة القصور، وداخل حمام الاستادار، تبدأ القصة وتنتهي. تسقط ورقة وتنبت زهرة… تعلو أصوات وتخبو أشخاص. وتروي قمر قصتها في صمت. إنها رحلة جارية في البحث عن الحرية، فهل تجدها؟
كانت تعلم أن وصولها لأحضان السُلطان هو الوصول إلى الحُرية، لكنها أصرت أن تكون أشعارها هي قارب النجاة. إنها رحلة جارية قررت أن تكتب طموحها وتخفيه في صندوق بعيد عن العيون. ثم تذهب هي ويبقي الصندوق. انتهت الحكاية ولكن… بقي الحُلم، وبقيت وصيتها لأجيال تأتي بعدها تروي الحكاية. فمن رحمها ولدت مهشيد، المرأة التي يصل إليها الحُلم ويطرق بابها، فتفتح له وتحتضنه.
إمرأة قوية، حلُمت بأن تُصبح طبيبة. رأت الألم في عيون من حولها حين نهش الألم أقدارهم. تلتحق بكلية الطب وتصنع لنفسها حُلماً كبيراً وهدفاً واحداً هو النجاح. إلى أن تلتقيه. يجمعهما الأدب والشعر والطموح والحُب. يأخذها فوق حصانه الأبيض، فإذا بها من دون أن تشعر تُفلت طموحها وجموحها من بين يديها، فإذا به تنخرط في دُنياه وتترك دنياها. فإذا بها تذوب في طموحه وتنسى وصايا الصندوق. تنسى حريتها حين يربطها بقيود عقائده. فتدخل بقدميها دُنيا لم تكن تتوقع أنها موجودة. دُنيا سلبتها الإرادة وسجنتها مع مجموعة من النساء لا يعرفن سوى السمع والطاعة.
ومن الحُب إلى السجن. ومن الحُلم تصحو على كابوس. ومن قمر إلى مهشيد يخبو صوت الحُرية.
هل تعود؟ أو يبقى السؤال: هل تستطيع أن تعود؟
إنها اليوم في مكان آخر. ووسط بشر لم تحلم أن تلتقيهم.
هل كانت الحُرية هناك حيث أتت؟ أم هي الحُرية هُنا حيث ساقتها أقدارها؟
حين يرزقها الله بابنتها الوحيدة أيسل، تحاول أن تنقل إليها التجربة وتزرع بين ضلوعها الحُلم من جديد، فتُسلمها الصندوق. ولكن وسط جموح أيسل ودنياها الصاخبة، ترفض التجربة، وتُنحي الصندوق جانباً، وتقرر أن لكل إنسان صندوقه الخاص متى أصبحت له تجاربه الخاصة، فتلفظ صندوقاً من الأوهام ورثته أجيال قبلها، وتبني لنفسها دُنيا خاصة وحُلماً مختلفاً.
لم تكن الحرية لأيسل سوى تحدٍّ سافر لكل الأعراف، ومثلما حطم إبراهيم الأصنام بماعوله، تمسك أيسل ماعولها الخاص وتحطم جميع الأفكار البالية، وتقرر أن تخرج على المألوف، فتنزلق في عالم آخر من تداعيات الحُرية التي لا يحكمها قيود. الحُرية بمفهوم جيل قرر التحدي وقاده عناده إلى سجن أكبر وقيود أثقل وعدم فهم للمعنى الحقيقي للحرية.
صدرت الرواية لدى «مكتبة الدار العربية للكتاب»، الشقيقة الصغرى لـ«الدار المصرية اللبنانية».