قراءة المشهد الفلسطيني في عام 2014 3/3
رامز مصطفى
حكومة الوفاق الوطني
شُكّلت حكومة الوفاق برئاسة الدكتور رامي الحمد الله، بموجب اتفاق الشاطئ بين حماس وفتح أواخر نيسان. واللافت أنّ وزارة الأسرى قد شطبت، ما ينطوي على الأمر من استهداف سياسي لقضية الأسرى. سارع نتنياهو إلى رفض الاعتراف بها، داعياً وزراءه باستثناء وزير الأمن، إلى وقف التعامل مع حكومة السلطة، مطالباً المجتمع الدولي عدم الاعتراف بها. على خلفية رفضه للمصالحة بين الحركتين.
جملة تحديات واجهت حكومة الوفاق، أولها ملف موظفي الأجهزة الأمنية واعتمادهم، والمشكلة لا زالت معلقة. وثانيها إعادة إعمار غزة. وثالثها الحصار المتواصل منذ العام 2007. وأزمة الكهرباء والوقود ونقص الأدوية، ونقص التجهيزات اللازمة للمستشفيات. أما رابعها المعابر وإدارتها حيث لا تزال نقطة عالقة بسبب خلاف الحركتين، ومصر التي ترفض فتح المعابر بشكل دائم، على خلفية اتهام مصر لحماس أنها تشارك في تخريب أمنها القومي. وخامسها حالة الحصار التي يفرضها الاحتلال على الحكومة ومنع وزرائها من التنقل بين الضفة والقطاع. أما سادسها فهي السلطة ورئيسها وحركة فتح، والتعارض في الصلاحيات والأدوار.
الحكومة مرشحة للسقوط على خلفية ما تقدم من تحديات، فهي لا تزال عاجزة عن حلّ أيّ من المشكلات الاقتصادية أو الحياتية أو الخدماتية.
الانتهاكات «الإسرائيلية»
هي سياسة تقليدية عمرها من عمر الاحتلال، وشكلت العقبة الرئيسة في منع شعبنا من تحقيق تطلعاته في تقرير مصيره وإقامة دولته على كامل ترابه. ومثلت هذه الانتهاكات في العام 2014 الذروة، في محاولة مكشوفة من قبل نتنياهو، وبغطاء من قبل الإدارة الأميركية في فرض الوقائع الميدانية، بهدف استحالة قيام الدولة الفلسطينية الموعودة. والانتهاكات التي يمارسها الكيان ترتكز على كلّ ما من شأنه إلحاق الأذى بالفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم. سواء بالاعتقال والاغتيال، بالاعتداء ومصادرة وهدم المنازل، بالاستيطان والتهويد. وهذه الانتهاكات تمّ رصدها من قبل بعض مراكز الدراسات أو المؤسسات البحثية وحسب الآتي:
أولاً: القدس وتهويدها
قادة الكيان «الإسرائيلي» دأبوا ومنذ العام 1967 في اتباع سياسة ممنهجة في الاستيلاء على المدينة والمقدسات فيها. وهم يسعون إلى حسم الصراع بالمعنى الديمغرافي والثقافي والديني والتاريخي. ولأجل تحقيق ذلك أولوا القدس أهمية استثنائية بالغة من حيث توفير الإمكانيات المادية والغطاء السياسي والذرائع الدينية. فرُصدت المليارات من قبل رجال الأعمال الصهاينة، والمنظمات اليهودية في العالم. وتضع الحكومات في «إسرائيل» في أولويات برامج عملها مدينة القدس وتمنح بلدية القدس صلاحيات واسعة. وتميّز العام 2014 في ارتفاع مستوى الانتهاكات من خلال استمرار الحفريات تحت المسجد الأقصى وما ألحقته من خراب للآثار العربية الإسلامية وتدمير للمقابر. وبالتالي كثافة الاقتحامات التي أقدم عليها المستوطنين للمسجد، برعاية وحماية أجهزة الأمن «الإسرائيلية»، حيث بلغ عدد المستوطنين الذين أقدموا على استباحة المسجد حوالي 14952 مستوطن ووزير ونائب وعضو «كنيست»، وعنصر مخابرات وجندي، بحسب إحصائية مؤسسة الأقصى للوقف والتراث. وهذه الاقتحامات أدّت إلى التقسيم الزماني في سعي حثيث إلى تحقيق التقسيم المكاني. مضافاً إلى ذلك مصادرة مساحات واسعة من الأراضي والعديد من المنازل، ناهينا عن إجبار عدد كبير من المقدسيين على هدم منازلهم بحجة عدم توفر تصاريح بناء لديهم.
وفي سياق الصراع مع الاحتلال والمستوطنين، قدم المقدسيون 15 شهيداً، والشاب محمد أبو خضير الذي أحرق حياً من أبرزهم. وما تلا ذلك من هبّة شعبية تمثلت في المواجهات وعمليات الطعن والدعس، ومهاجمة الكنيس الصهيوني «تشيفا». وتم هدم 112 منشأة في القدس وضواحيها، منها 65 وحدة سكنية و47 منشأة غير سكنية من بركسات ومخازن ومحال تجارية وغيرها، وبلغ عدد معتقلي مدينة القدس 1600 أسير من بينهم 55 طفلاً، والعديد من النساء خاصة المرابطات منهن داخل المسجد الأقصى.
ثانياً: الاستيطان ومصادرة الأراضي
وثق مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق التابع لمنظمة التحرير في تقريره السنوي حصاد الانتهاكات «الإسرائيلية» خلال العام 2014. حيث قامت سلطات الاحتلال من خلال مؤسسات مختلفة بالموافقة على طرح عطاءات وإصدار تراخيص بناء لنحو 14043 وحدة، وزعت الوحدات السكنية الاستيطانية على مستوطنات الضفة ومدينة القدس وفق الجدول الآتي:
وارتفع عدد المستوطنين في الضفة ليصل إلى 389,285 مستوطن. ومصادرة 8000 دونم في الضفة والقدس، ومصادرة 13439 دونم بدواعي أمنية. وتمّ إحراق واقتلاع حوالي 7000 شجرة زيتون ومثمرة. ناهينا عما تقوم به عصابات «تدفيع الثمن» التي تعتدي على ممتلكات الفلسطينيين ودور العبادة لديهم. هذه العصابات التي ترعاها وتحميها من المساءلة القانونية مجموعة من الضباط إلى جانب عدد من الحاخامات.
ثالثاُ: الشهداء والجرحى
أقدم الاحتلال على قتل 2280 فلسطيني، بينهم 573 طفلاً و267 امرأة و 104 من المسنين، ومعظمهم ممن استهدفهم العدوان الأخير على قطاع غزة. فيما بلغ عدد شهداء الضفة الغربية والقدس 74 شهيداً أبرزهم الوزير زياد أبو عين. بينما جرح نحو 12300 بينهم 3500 طفلاً و2100 امرأة و430 مسنّ، فيما سيعاني أكثر من 1000 مواطن من إعاقات دائمة.
رابعاً: الحركة الأسيرة
بلغ عدد المعتقلين نحو 6000 أسير. من بينهم 1266 طفلاً و112 مواطنة ولا تزال قوات الاحتلال تحتجز 21 أسيرة و20 نائباً ووزيرين، و170 معتقلاً من قطاع غزة. وتخوض الحركة الأسيرة في السجون معركتها في مواجهة إجراءات الأجهزة الأمنية وإدارة السجون الغير إنسانية.
اعتراف البرلمانات الأوروبية
أسهمت سياسات «إسرائيل» بحق شعبنا. في بدء التحوّل في الرأي العام الدولي لصالح القضية الفلسطينية. خصوصاً بعد حروب ثلاثة تعرّضت لها غزة. وما تتعرّض له الضفة والقدس من عمليات استيطان وتهويد واعتقالات واغتيالات. الأمر الذي دفع دولا أوروبية إلى التمايز في مواقفها عن الموقف الأميركي، الذي لا يزال ينتهج سياسة الدفاع عن ممارسات الكيان ويحميه من المساءلة. هذا التمايز يجب أن نبقيه في سياق فهمنا لطبيعة العلاقات التي تجمعها بالإدارة الأميركية. حيث يمثل الاتحاد الأوروبي صدىً للسياسات الأميركية. وعليه فإنّ خطوة الاعتراف ليست من خارج التنسيق معها. هذه الاعترافات ورغم أنها غير ملزمة، إلاّ أنّ أهميتها جاءت نتيجة رأي عام آخذ في الاتساع في العديد من دول أوروبا، وعلينا أن نحسن تحشيده وتوظيفه لصالح قضيتنا الفلسطينية.
مشروع السلطة لإنهاء الاحتلال
تنازلات بالجملة تضمّنها مشروع إنهاء الاحتلال، والذي يمسّ بالثوابت الوطنية في عناوين اللاجئين وحق العودة والقدس التي حوّلها المشروع إلى عاصمة لدولتين، مما يعني إلغاء حدود المدينة وتحديداً القدس الشرقية. والاستيطان الذي تعاطى معه المشروع باستخفاف من خلال مطالبة مجلس الأمن الطرفين، بمعنى الفلسطيني و«الإسرائيلي»، بالامتناع عن اتخاذ أية إجراءات أحادية غير قانونية ومن ضمنها الأنشطة الاستيطانية والتي من شأنها تقويض إمكانية تطبيق حلّ الدولتين. واللافت في المشروع تضمين مقدمته مجموعة من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومن بينها القرار 181 والداعي إلى تقسيم فلسطين إلى دولتين «دولة يهودية» ودولة عربية. إنّ التأكيد على هذا القرار من شأنه فتح شهية نتنياهو على الاستمرار في مطالبته الاعتراف بـ«يهودية الدولة». والمفاجأة أنّ المشروع لم يُعرض على القيادة في رام الله، مما دفع فصائل المنظمة إلى مهاجمته ومطالبة أبو مازن بسحبه، إلاّ أنه أصرّ على تقديمه باسم «المشروع الفلسطيني والعربي»، ليسقط نتيجة التصويت بتحريض الإدارة الأميركية عليه. مما دفع السلطة إلى توقيع الانضمام إلى الجنائية الدولية، مما أغضب الأميركي و«الإسرائيلي» اللذان توعّدا بعقاب السلطة.
الخاتمة
إنّ استعادة القضية لحضورها من المتوجب دونما إبطاء السير حثيثاً نحو الخطوات التالية:
ـ إسقاط وهم الرهان على أميركا كوسيط نزيه، والانفتاح على قوى دولية ناهضة مثل روسيا والصين ودول «بريكس» وغيرها، وهي مؤيدة للحقوق الفلسطينية على الدوام.
ـ إسقاط وهم المفاوضات التي أثبتت التجارب عقمها وعبثيتها، والتي كانت في مجملها لصالح العدو «الإسرائيلي»، وقد وظفها في فرض وقائعه الميدانية في التهويد والاستيطان. والتوقف الفوري عن إعطاء الفرص والمهل للإدارة الأميركية في استئناف المفاوضات من جديد تحت أي مبرّر.
ـ وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال. والتذرّع بأنّ استمراره يصبّ في المصلحة الوطنية الفلسطينية، لأنّ الاحتلال هو من يفيد من هذا التنسيق وليس الفلسطينيين في مطلق الأحوال.
ـ وقف سياسة التفرّد التي ينتهجها رئيس السلطة ودعوته الإطار القيادي الموقت لمنظمة التحرير إلى الانعقاد بهدف صوغ رؤية سياسية وطنية من أجل مواجهة التحديات «الإسرائيلية» المتعاظمة في وجه القضية وعناوينها.
ـ التوقف عن الخلط بين صلاحيات المنظمة والسلطة التي تحوّلت إلى المرجعية لكلّ شيء، فيما المنظمة أصبحت حطاماً وشماعة يعلق عليها كلّ الفشل والتراجع السياسي والوطني.
ـ العمل الفوري على إنهاء الانقسام، وتطبيق متطلبات المصالحة بكلّ عناوينها، حتى يتمّ التفرغ لمتابعة الأزمات المتفاقمة في قطاع غزة وفي مقدمتها رفع الحصار والبدء في إعادة ما دمّرته الحرب «الإسرائيلية».
ـ إنّ إعادة الاعتبار للمشروع الوطني مهمة مستعجلة في ظلّ ما تواجه القضية من تحديات، ليس أقلها فرض الاعتراف بـ«يهودية الدولة»، وما سينتج عنه من طرد جماعي لأبناء شعبنا في مناطق الـ48 من فلسطين المغتصبة، وتهويد للأرض والمقدسات واللغة والتاريخ والثقافة، في ظلّ قانون «الدولة القومية للشعب اليهودي» الذي أقرّته حكومة نتنياهو، والذي مثل ذروة الهجوم الصهيوني على فلسطين التاريخ والحاضر والمستقبل.
ـ إنّ ما حفظته شرعة الأمم المتحدة من حق الشعوب في مقاومة محتلي أرضها، يمثل المسوّغ القانوني والأخلاقي أمامنا في إعادة التأكيد على خيار شعبنا في التمسك بنهج المقاومة وبكلّ الأشكال المتاحة وفي مقدمتها الكفاح المسلح، القادر وحده على فرض إرادة شعبنا الفلسطيني.
إنّ القضية الفلسطينية من دون ذلك، هي إلى مزيد من التبديد والتراجع. وبالتالي استمرار حالة تشظي الساحة الفلسطينية سيُكسب الاحتلال الوقت الكافي من أجل استكمال برنامجه وفرض وقائعه على الأرض. خصوصاً أنّ الظروف الإقليمية في ظلّ ما تشهده المنطقة غير مهيأة لأن تكون القضية الفلسطينية في أولويات الاهتمام العربي.