العدوان الصهيوني الأخير… ماذا يعني وما هي مآلاته؟
محمد شريف الجيوسي
يكشف العدوان الصهيوني الأخير على محور المقاومة على تخوم الجولان السوري المحتلّ، عن معان عديدة، فعلى صعيد «إسرائيل» يدلّ على أنّ قادتها فقدوا أعصابهم وعقولهم، وأنهم غلّبوا مصالحهم الفردية وحساباتهم الانتخابية الضيّقة على مصالح كيانهم، وبأنهم في سبيل فوزهم الانتخابي يقامرون بكلّ شيء، حتى بالوضع الاستراتيجي لحليفهم الأميركي، الغارق حتى «شوشته» بالأزمات والمفارقات والمقارفات، وبتابعه الأوروبي الغربي.
ويبدو أنّ التصبّر السوري على الاعتداءات «الإسرائيلية» المتكرّرة، أغرى الصهاينة على تجاوز الحدود القصوى، فأصيبوا بعمى سياسي وأمني وعسكري مصيري، فارتكبوا حماقة الاعتداء هذا، بعد ساعات على إعلان سيد المقاومة السيد حسن نصر الله عن امتلاك القوة الكافية للوصول الى ما بعد بعد الجليل.
فبدلاً من ان ترعوي «إسرائيل» وتدرك ما تعنيه مفردات السيد نصرالله الذي لم يكن الا صادقاً، وهم يعلمون ذلك، تورّطوا أكثر في غيّهم ومقامرتهم بمصيرهم ومصير كيانهم، الذي يعاني تفككاً غير مسبوق في قمة هرمه السياسي الآيل إلى السقوط.
ويكشف هذا العدوان أيضاً، أنّ سورية والمقاومة اللبنانية ليستا نائمتين على آذانهما حيث تعدّان لما ينبغي أن يُعدّ له بصمت ومن دون مزاودات، على نقيض ما يحاول المزاودون القول من أنّ الجبهة السورية مع العدو الصهيوني هادئة، تلك هي العقيدة السياسية والعسكرية السورية، تعمل بصمت، وليس مطلوباً من سورية او المقاومة تقديم كشف حساب لأعدائهما المتربّصين، ولا تقديم أي معلومات للعدو الصهيوني ولعواصم داعميه وغيرها.
كما يكشف العدوان الصهيوني، أنّ الدولة الوطنية السورية والمقاومة اللبنانية هما المستهدفتان من الغرب، وليست الجماعات الإرهابية سواء كانت وفق التصنيف «الناتوي» معتدلة أو متطرفة، بل إنّ هذه الجماعات تحظى بدعم التحالف المزعوم لمحاربة الإرهاب بقيادة أميركا، رغم كلّ الضجيج، واتهام البعض لسورية، ويكفي للتيقن من ذلك، أن تعالج «إسرائيل» جرحى الجماعات الإرهابية في مستشفياتها وإعادتهم بعد ذلك إلى سورية، كما يكفي أن تشنّ غارة على سورية كلما شعرت أنّ هذه الجماعات أصبحت في وضع صعب.
ويكفي أيضاً، أنّ هذه الجماعات التي تقاتل الدولة الوطنية السورية، لم تحاول ولو ذراً للرماد في العيون، التسلل الى الجزء المحتلّ من الجولان، أو ما بعده، لتنفيذ عملية نوعية واحدة ضدّ الكيان الصهيوني، ومن ثمة التنصل من القيام بذلك.
لقد اتبعت دمشق عقيدة الحرب خلف الأسوار، وهي عقيدة عسكرية تعوّض الطرف الأقلّ تفوّقاً في السلاح والعتاد والدعم الدولي العملياتي، في مواجهة عدو أكثر تزوّداً بالسلاح والعتاد وبجسر إمدادات عسكرية وقت الحرب، وفي آن، فإنّ دمشق أخذت بعقيدة عسكرية جديدة منذ عام 2006، وهي ليست في صدد إعلان تفاصيل ذلك على الملأ، وهو ما لم يتغيّر قبل وبعد ذلك في سياق عقيدتها العسكرية.
ليست الحرب الا بنتائجها النهائية، طالما أنك لم تعقد مع العدو معاهدة سلام، وترفض التطبيع معه، لكن العدو الصهيوني، لا يعتبر حربه معك قد انتهت حتى مع عقده المعاهدات، وهو ما أثبتته معاهدات «كامب ديفيد» و«أوسلو» و«وادي عربة»، فخروقات «إسرائيل» لها أكثر مما يُحصى… ولم تقتصر خروقاتها على المعاهدات، بل خرقت قرارات أيضاً الأمم المتحدة ذات الصلة.
لكن خرق «إسرائيل» الأخير لقرار وقف إطلاق النار على جبهة الجولان، وتنفيذها عملية عسكرية جديدة خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي، ودعمها للجماعات الإرهابية خلافاً لقرار آخر له رغم ما هو عليه القرار من ذرّ للرماد واستهدافها للمقاومة اللبنانية، التي لا تحكمها القواعد السياسية للدول وعقائدها العسكرية، سيدخل هذا الخرق الكيان الصهيوني في متاهة مختلفة عن المغامرات و«الولدنات» السابقة، التي حاولت فيها «إسرائيل» جرّ سورية الى صدام محدود، ليست سورية في وارده من حيث محدوديته، ولاعتبارات تتصل أيضاً بحلفائها واعتبارات الزمان والمكان والسلاح وقضايا أخرى.
يعلم الصهاينة، العلمانيون منهم وفق حسابات 1 + 1، والمتدينون وفق قراءات غيبيّة، أنّ كيانهم في حالة غروب، وآيل إلى السقوط تدريجياً، ويعلمون أنّ حماقاتهم تقرّب هذا السقوط، لكنهم وبخاصة المتطرفون التكفيريون اليهود يعملون على مخالفة ما يعلمون، علّ أقدارهم تختلف بحسبهم، هم بذلك كمن يقبل على الانتحار طوعاً.
بكلمات، عدوان «إسرائيل» الأخير، سيقرّب نهايتها خطوات مهمة، أما مَنْ زجها من قادتها الرُّعناء إلى ارتكاب هذه الحماقة فسيتحوّل الى مزبلة التاريخ.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk