ردّ المقاومة على عدوان القنيطرة سيغيّر كامل المشهد الجيوسياسي
العميد د. أمين محمد حطيط
يكون هدراً للوقت أن يسأل أحد عمّا إذا كانت المقاومة ستردّ على عدوان «إسرائيل» الصارخ، باستهداف محور المقاومة على أرض سورية محررة والنيل من قادة ومقاومين سبعة ارتفعوا شهداء بعد أن أصابتهم صواريخ موجهة من مروحية صهيونية خرقت خط وقف إطلاق النار في الجولان وانتهكت اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 والموقع برعاية الأمم المتحدة، صواريخ أكدت في ما نجم عنها وحدة محور المقاومة، وأظهرت فعلياً أن الإعلان الذي عبرت عنه الصورة الثلاثية التي جمعت في شباط 2010 رئيسي إيران وسورية والأمين العام لحزب الله، هو إعلان للعمل باستراتيجية وحدة الجبهة مع تعدد محاور القتال فيها. فالسؤال إذن ليس هل تردّ، بل كيف يكون الرد؟ وهل من تداعيات ستترتب عليه؟ وإلى أين تتجه المنطقة بعده؟
فالردّ محتم، ولا يمكن لمحور المقاومة أن يسكت على عدوان أرادت منه «إسرائيل» توجيه رسائل استراتيجية وعملانية وسياسية مهمة، وأن تهدم معادلات وتقيم خريطة جيوسياسية جديدة في المنطقة تتجاوز كل المنجزات والمكاسب التي حققها محور المقاومة خلال العقدين الماضيين. لذلك من البديهي أن تكون للرد المحتم طبيعة استراتيجية قبل كل شيء. ثم إن محور المقاومة ملزم بالإجابة على الرسائل «الإسرائيلية» بردّ يحمل لها إجابات تعاكس ما تبتغيه، أي يجب أن يعطل الأهداف «الإسرائيلية» من العدوان، وأخيراً يجب أن تعاقب «إسرائيل» على فعلتها حتى تدرك بأن جريمتها لا تمرّ هكذا لردعها عن ارتكاب مثيل لها مستقبلاً ولتكريس معادلة توازن الردع بكل تأكيد، ولهذا نرى أن الردّ الذي ستواجهه «إسرائيل» سيكون رداً مركّباً ذا أبعاد ثلاثة: بعد استراتيجي، وبعد تعطيلي لأهداف العدوان، وبعد عقابي رادع.
ففي البعد الأول، أي الاستراتيجي فإننا نذكّر بما كان الرئيس الأسد قد أعلنه قبل سنتين تقريباً، لجهة تغيير الوضع على جبهة الجولان والتحضير لفتحها أمام المقاومة الشعبية، والتوقف عند تأكيد السيد حسن نصر الله أخيراً أن المقاومة الشعبية السورية باتت حقيقة قائمة في الجولان وأن المقاومة الإسلامية تقدّم لها ما أمكن من خبرات، أما الآن فإننا نعتقد أن تلك المقاومة ستنطلق مستندة إلى محور المقاومة كله بعد توسيعه بعودة من غادر والتحاق فصائل جديدة به، ستنطلق في مهمة مقدّسة هي تحرير الأرض بعد تغيير الواقع على خط إطلاق النار في الجولان الذي أسقطت «إسرائيل» بعدوانها ما كان ينظمه من بنود اتفاق فض الاشتباك، وبات على «إسرائيل» أن تواجه جبهة مقاومة واحدة طولها أكثر من 150 كلم تبدأ من الناقورة غرباً وتصل إلى الحمة الأردنية شرقاً مروراً بالجولان.
أما في البعد الثاني، أي تعطيل أهداف العدو، فإننا نتوقع أن يقوم محور المقاومة بدراسة أهداف العدوان بتروٍّ وعمق وتأنٍّ وبمنهجية علمية ثم ينطلق عاملاً على تعطيلها بشكل أكيد.
فقد شاءت «إسرائيل» بعدوانها أن تقطع الطريق على محور المقاومة في سعيه إلى توسيع مفاعيل معادلة توازن الردع وتمديد خط مواجهة المقاومة الفعلية من لبنان إلى الجولان، وهنا يكون الرد بتأكيد الاستمرار في العمل في الجولان وتطوير المقاومة الشعبية السورية فيه، مدعومة بخبرات وقدرات المقاومة الإسلامية التي ينظمها ويقودها حزب الله. ويجب أن تدرك «إسرائيل» أن جبهة الجولان فتحت أمام المقاومة ولن تغلق قبل تحرير الأرض.
وقد شاءت «إسرائيل» أن تؤكد جديتها في إقامة الحزام الأمني في الجولان لتولي شأنه المباشر لإرهابيي «جبهة النصرة» الذين يعملون في خدمتها كما عمل في خدمتها يوماً في لبنان ما أسمي جيش حداد أو جيش لحد، وهنا سيكون الرد متضمناً تأكيداً من سورية وبدعم من محور المقاومة أن الحزام الأمني لن يكون له نصيب في الوجود، ولن يكون له إمكان الاستمرار إن حصل، وستستمر قوات الجيش السوري ومعها القوات الحليفة والرديفة في عملها والسيطرة على الموقف على خط وقف إطلاق النار وفض الاشتباك مرحلياً، حتى تحين ساعة التحرير لتندفع عندها عبره وتحقق الأمل المرتقب.
وقد تكون إسرائيل رغبت في إحداث صخب أو ضجيج ما في المنطقة يدفع بالمفاوضات الدولية المرتقبة إلى أن تفضي إلى اتفاق حول الملف النووي الإيراني يرسي حلاً يصفه «الإسرائيليون» بأن سيكون بالغ السوء عليهم وأن مصلحتهم تكمن في منعه، وهم عجزوا عن ذلك سياسياً بعد أن أعلن أوباما أنه ماضٍ قدماً في المفاوضات وأنه سيستعمل الفيتو ضد أي قرار من الكونغرس لفرض عقوبات على إيران من أجل إجهاض المفاوضات. وسيكون الردّ أيضاً بالمضي قدماً في المفاوضات وتوقيع الاتفاق بما يكرّس الحقوق النووية الإيرانية.
إن «إسرائيل» التي تشعر بالضيق والحرج إقليمياً ودولياً، وتدرك أن استعمالها للإرهابيين لإسقاط سورية، بات أمرأ عقيماً لن يحقق شيئاً مما توخت، ترى أن الدخول المباشر على خط المواجهة، وفرض أمر واقع على جبهة الجولان قد يحققان لها شيئاً مما عجزت عن تحقيقه عبر مرتزقتها من الإرهابيين، لذلك سيكون الردّ بالمضي قدماً في عمل الجيش السوري الحاصد للإنجازات في الميدان والمعطل للأهداف «الإسرائيلية» تلك.
أما على صعيد البعد العقابي الردعي والذي سيتمثل بالرد العسكري الأمني المباشر، وهو ما يكاد ينحصر فيه حديث أو تفكير معظم المتابعين عند ذكرهم للردّ المنتظر، فإننا نرى أن تحديده يكون بمنهجية تخالف ما سبق، إذ ليس مقبولاً أن نقول متى وأين وكيف سيكون الرد وما هي النتائج المحتملة أو التداعيات المترتبة عليه، لأن الخوض في مثل هذه المسائل يعتبر مناقضاً للقواعد العسكرية المبنية على وجوب التكتم وضرورة تحقيق عنصر المفاجأة لضمان أعلى نسبة من نسب النجاح. وأن العناصر التنفيذية للردّ هذا تحددت بنتيجة تقدير موقف يتم وفقاً للأصول وعلى الوجهين العملاني والاستراتيجي، وهذا ما تتقنه المقاومة ومحورها، وكما أن الردود الاستراتيجية والتعطيلية تكون فعلاً جماعياً مشتركاً يقوم به محور المقاومة فإن الرد العقابي سيكون كذلك، مع توزيع الأدوار بين المكونات.
وهنا نرى من الخفة والتسرع، أن يبادر أحد إلى تحديد شيء من جزئيات تنفيذ الرد العقابي قبل حصوله، من قبيل التوقيت والمكان والنطاق والوسيلة المستعملة والمدى، وإن جلّ ما يمكن تحديده أو إعلانه هو القول ببعض الضوابط في الردّ من دون أن تكون هذه الضوابط من قبيل ما يغلّ اليدين أو يصل إلى التضييق الذي يمنع التنفيذ، لذا نقول بضوابط العمل ولا نقول بموانع الرد وفي هذا الإطار نتحدث عن ضوابط أربعة:
الأول، يتعلق بحجم الرد الذي ينبغي أن يحقق الردع المطلوب وينزل العقاب المؤلم. والثاني، يتعلق بالقدرات حيث لا يكلف أي مكون من مكونات محور المقاومة بما لا يستطيع القيام به. والثالث، ألا يشكل الرد جسراً لعبور «إسرائيل» للخروج من مأزقها وإلحاق الضرر بالمكونات الشعبية لمحور المقاومة. وأخيراً، ألا يكون الرد جسراً يعبر عليه نتنياهو لتحقيق مصالحه الانتخابية أو أهدافه الجيوسياسية، وبعيداً من هذه الضوابط فكل شيء ممكن من دون الخوض فيه علناً حتى لا يجهض العمل بإعلانه مسبقاً، إذ يكون من الحمق إن لم نقل أكثر، أن يسرب أو يوحي أحد بأي احتمال حول أي شيء مما ذكر، لأن ذلك قد يشكل خدمة للعدو ويعقّد عمل محور المقاومة ويخفض فرص النجاح في الرد، ولنتذكر أن بقاء العدو متخبط في دائرة القلق والانتظار هو جزء من الرد العقابي أيضاً.
أستاذ في كليات الحقوق اللبنانية