سورية: الانتخابات الرئاسية معركة الاستقلال الوطني الثاني
حميدي العبدالله
معركة الانتخابات الرئاسية في سورية تختلف هذه المرة عن سائر الانتخابات الرئاسية التي شهدتها سورية، سواء في العهد الليبرالي في خمسينات القرن الماضي، أو في العهود السابقة التي أعقبت هذا العقد.
في خمسينات القرن الماضي كانت انتخابات الرئاسة عبارة عن معركة تخوضها دول متعددة عبر واجهات سورية، ويفوز فيها الرئيس الذي يمثل توازن القوى الإقليمي والدولي السائد لحظة الانتخابات الرئاسية، وكان دور الشعب السوري دور الشاهد الزور.
في العقود الممتدّة منذ الستينات حتى الانتخابات الرئاسية المقرّرة في 3 حزيران المقبل كانت الانتخابات الرئاسية محسومة سلفاً لأنها ليست انتخابات تعددية أولاً، وكانت الانتخابات ثانياً استفتاء لا أكثر ولا أقلّ، وكانت تعبّر دستورياً وسياسياً عن هذه السمة، رغم من أنّ الكلمة الأولى والأخيرة في هذه الاستفتاءات كانت للوضع الداخلي السوري، وما من تأثير للمعادلات الدولية والإقليمية في نتائجها.
الانتخابات الرئاسية في 3 حزيران تختلف عن الانتخابات التي شهدتها سورية في عقد الخمسينات، والعقود التي تلته. تختلف عن انتخابات الخمسينات في أنها تمثل معركة في وجه الذين يريدون من جديد الهيمنة على القرار السيادي الوطني، بحيث يتمكنون، كما كان يحدث في الانتخابات الرئاسية في عقد الخمسينات، من العودة إلى وضع تصبح فيه الكلمة الفصل في انتخابات رئيس الجمهورية العربية السورية للدول المهيمنة عالمياً والدول المرتبطة بها إقليمياً وليس للشعب السوري.
منذ آذار 2011 سعت الدول الاستعمارية ودول الهيمنة ودول المنطقة التي تدور في فلكها إلى سلب السوريين حقهم في انتخاب رئيسهم، وتسمية رئيس وبطانة حاكمة معه في واشنطن ولندن وباريس، وسعوا إلى إسقاط الدولة الوطنية، وتفكيك مؤسساتها، وضرب جيشها الوطني للوصول إلى هذه الغاية، فالمخطط كان يستهدف:
أولاً: إسقاط الدولة، وإعادة سورية إلى عصر التبعية على غرار ما حصل في بعض البلدان العربية، خاصة ليبيا.
ثانياً: إذا تعذر ذلك، العمل بجهد مستطاع على تعطيل الانتخابات الرئاسية وإحداث فراغ دستوري يسهل على دول الهيمنة تحقيق ما عجزت عن تحقيقه عسكرياً وفي الميدان، ولذلك عارضت بقوة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، علماً أن ذريعة الوضع الأمني المضطرب في سورية هي أدنى مستوى وأقل حدة من دول أخرى لم يمنعها وضعها المضطرب أمنياً واحتلال الجيوش الأجنبية لها من إجراء الانتخابات، ولم يُشكّك في نـزاهتها وصحة التمثيل الناجم عنها. حدث ذلك في ليبيا وفي أفغانستان، ويحدث الآن في العراق ومصر، وحدث في العراق طيلة فترة الاحتلال الأميركي.
اليوم، يأتي يُحدّد موعد للانتخابات الرئاسية في 3 حزيران مع الإصرار على إتمام هذا الحدث الدستوري وتوفير شروط إجرائه في وضع أفضل من مناطق كثيرة مثل أفغانستان وغيرها، ما يشكل معركة لصون استقلال سورية الوطني أكثر مما هو انتخاب رئيس للجمهورية بإرادة غالبية أبناء الشعب السوري.
بهذا المعنى، فإن معركة الانتخابات الرئاسية اليوم هي معركة الاستقلال الوطني الثاني، ومثلما كانت معركة الجلاء في 17 نيسان عام 1946 التي سبقها قصف جيوش الاحتلال الفرنسي للبرلمان السوري معركة الاستقلال الوطني الأولى، فإن معركة الانتخابات الرئاسية التي حددها مجلس الشعب البرلمان الحالي الذي سقطت في محيطه قذائف عملاء الاستعمار الفرنسي الجدد، هي معركة الاستقلال الوطني الثاني، فالتصويت للرئيس بشار الأسد في هذه الانتخابات ليس تصويتاً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية العربية السورية فحسب، بل مساهمة عبر صناديق الاقتراع في صدّ هجوم يهدف إلى سلب سورية استقلالها الوطني مرة أخرى وإعادتها إلى حظيرة الهيمنة الاستعمارية.