عن الثورة اليمنية… الماضية إلى النصر
علي القحوم
تردّدت كثيراً في الكتابة عن الثورة اليمنية وكلما كنت قد كتبت بعض الأسطر والكلمات ارتجف قلمي واهتز لذلك الحدث العظيم… وقلت متسائلاً لنفسي أتريد حقاً أن تكتب عن ذلك الإنجاز الشعبي العظيم؟ وعن التاريخ الذي سطره أبناء شعبنا اليمني في تلك الثورة ورسموا بدمائهم تاريخ اليمن الجديد…؟ وفي تلك اللحظات كانت تخالجني وساوس وتخوّفات هل تستطيع فعلاً أن تكتب عن هذه الثورة… وكيف كانت وكيف كان الدور الشعبي الكبير فيها؟ فأتوقف ويجف قلمي ويهتز وينحني إجلالاً وتعظيماً لشعب عظيم وقيادة حكيمة تستحضر عندها كلّ معاني الإنسانية والحكمة والوقار، لتكون في حضرة واحد من صنّاع التاريخ الحديث لهذه الأمة المستهدفة في وجودها والتآمر عليها، وتحضر أيضاً بعد ذلك لديك ملامح ذلك القائد التاريخي الذي يسكنه الإيمان فتلفتك الوداعة التي ينبض بها ذلك الوجه النابض بالبساطة والطيبة والشجاعة والحكمة والقول السديد…
هنا تتصادم الكلمات والأحرف في مخيّلتي لتجبرني أن أعبّر عن ذلك الحدث العظيم والزلزال الكبير الذي هزّ المنطقة وقلب الموازين وجعل الصديق والعدو يحلل ما جرى في اليمن، كلّ على طريقته وتوجهه… لكن كلما تابعت تلك القراءات وجدت أنها ناقصة وبعضها تضليل وكذب وافتراء وتغطية على إرادة الشعب، كلّ الشعب، وأنّ ما حصل شيء عابر لا يستحق القراءة والتركيز… ليصبّ بعد ذلك الاستكبار جامّ غضبه إلى الداخل اليمني بتوجيه كلّ أبواق الفتنة والتضليل إلى الداخل اليمني… ليتمّ بعد ذلك التحريض والافتراء واختلاق الأحداث لما يصبّ في مصلحة من تضرّر من الثورة الشعبية وأفقدها الهيمنة والوصاية… وأيضا التركيز على تضليل المشاهد اليمني والعربي على أنّ ما حصل في اليمن ليس ثورة شعبية بل تصفية حسابات لصراعات دولية بين أطراف متصارعة في المنطقة… وكذلك صبّ الكمّ الهائل من الحملات الإعلامية المضللة للتقليل من شأن ذلك الإنجاز التاريخي العظيم ومحاولات فك الارتباط بقائد الثورة الشعبية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي عن شعبه العظيم… لا سيما بعد انتصار الثورة الشعبية.
في المقابل تمّ العمل على اتجاهين – الاتجاه الأول التضليل على ما جرى في اليمن بشكل مزيّف لقلب الحقيقة والابتعاد قدر المستطاع بأن لا يرسخ مفهوم الثورة الشعبية وانتصار الإرادة اليمنية لأنّ هذا سيشكل لهم خطراً في معظم البلدان وربما بلدانهم… ولذلك يعملون جاهدين على تضليل الرأي العام بخزعبلات وترّهات واختلاق أحداث من شأنها تشويه الثورة الشعبية وأهدافها المحقة والعادلة…
الاتجاه الثاني يعملون وبشكل مفضوح على تشويه حركة «أنصار الله» والدور الوطني للجان الشعبية والتعمّد أيضاً في تشويه قادة الثورة وتضليل الشارع اليمني في سباق واضح على من يسيطر على الشارع اليمني والقاعدة الشعبية… لأنهم يرون أنّ «أنصار الله» يحظون بتأييد شعبي منقطع النظير، ولهذا تتسع القاعدة الجماهيرية لهم بشكل كبير في مختلف المحافظات اليمنية… والمقلق أيضاً في الوقت نفسه تعاظم الحب والوفاء والولاء لقائد الثورة الشعبية السيد عبد الملك الحوثي…
هذا ما يزعجهم ليتحرّكوا في تنفيذ بعض المؤامرات منها تحريك الورقة الأمنية والضغط على الشعب اليمني بافتعال أزمات اقتصادية والضغط على الجانب الرسمي والقوى السياسية أن تقف إعلامياً وسياسياً مع ما يريده الخارج، يقابل هذا ضخّ إعلامي كبير للترويج والتهيئة لتنفيذ هذه المؤامرات…
وأمام هذا كله كثر الحديث عما جرى في اليمن من ثورة شعبية فهناك من قرأها في سياق السيطرة على المدن والمحافظات… وانّ هناك أجندة خارجية أرادت أن تصفي حساباتها في اليمن مع بعض الدول…
كما أنّ هناك ما هو أخطر، حيث بعض دول الجوار رأت أنّ ما جرى في اليمن هو استهداف لأمنها القومي، وانه بات مهدّداً… ولهذا باشرت دول الجوار في التآمر على البلد، كلّ البلد، ودفعت بثقلها إلى محاولة لإغراق اليمن في مستنقع الصراعات البَيْنية من خلال إحياء النزاعات المناطقية والطائفية والمذهبية والدق على أوتارها… فيما الواقع أنّ اليمن ليس بلداً طائفياً، ولا توجد فيه طوائف، صحيح أنّ هناك مذاهب متعدّدة لكن هناك تعايشا ولا مشكلة في ذلك… ولهذا فشلت تلك الأنظمة العميلة لأميركا في أن تجرّ اليمن إلى صراعات من شأنها التشظي والتفتت، كما عملت على ذلك في سورية والعراق في محاولة لتنفيذ السيناريو نفسه… لكن بفضل الوعي الشعبي سقطت تلك الرهانات وفشلت مؤامراتهم…
وبعد هذا قاموا بتحريك الورقة الأمنية في محاولة لإرباك المشهد وتصوير الوضع بأنه غير مستقرّ… وهذا كان عبر العناصر الاستخبارية الأميركية المسمّاة «قاعدة» وأخواتها من «داعش»… وكان هناك ضخّ إعلاميّ كبير وتضليل رهيب أمام ما حصل في المناطق والمحافظات… وكذلك كانت هناك تغطية سياسية وإعلامية تقوم بها بعض القوى السياسية المحلية…
في المقابل فشلت هذه المؤامرات وهذه التحركات، وبعد تنصل الجانب الرسمي من القيام بواجبه أمام هذه التحديات، تحرك الشعب اليمني لإزالة هذه المخاطر، وتمّ دحر العناصر الإجرامية وأفشل المشروع… طبعا ليست المشكلة في الجيش، وأنه لم يتحرك أو أنه ليس بمقدوره القيام بواجبه، لا… المشكلة هي في من يمتلك القرار السياسي الذي يتاجر بدماء اليمنيين باتفاقات يبرمها مع دول الاستكبار التي تزعم أنها تحارب ما يسمّونه الإرهاب… حيث يتقاضون من خلال هذه الاتفاقات الملايين من الدولارات… ولهذا لا همّ لهم ماذا يجري وماذا يحصل، بل يفتحون الأبواب على مصراعيها أمام المستعمر الأميركي ليصول ويجول… فتنتهك السيادة ويقتل المواطن اليمني عبر طائرات بلا طيار ويهيمن الأميركان على القرار السياسي.
الشعب اليمني لم يقبل بذلك، فتحرك في ثورة شعبية طالبت بإسقاط الجرعة الاقتصادية وإسقاط الحكومة وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني… وخرج الشعب كلّ الشعب في الشوارع ليهتف ضدّ الفساد والمفسدين والعملاء، وكان العالم يرقب ذلك التحرك خطوة بخطوة… وما ميّز هذا التحرك الشعبي النموذجي أنهم كانوا يلتزمون بما يقوله قائد الثورة الشعبية في اليمن السيد عبد الملك الحوثي الذي قاد الثورة الشعبية ومراحلها حتى انتصرت… فالشعب اليمني يبادله الثقة والوفاء والاستجابة، وهو كان يحمل هموم الشعب ويتحرك بالخيارات المفتوحة لينقذ بلدنا وشعبنا من جلاوزة النظام الظالم الذي حكم البلد طيلة 33 عاماً بالحديد والنار… وهذا ما قضّ مضاجع الأميركان والسعوديين وغيرهم وعملائهم في اليمن…
في الوقت نفسه كان هناك حراك خارجي كبير للحيلولة دون نجاح الثورة الشعبية في اليمن، لأنّ نجاحها سيقلب عليهم الطاولة وتختلط الأوراق… ويُعاد رسم المنطقة من جديد وفق ما يرتضيه الأحرار والشرفاء في البلاد العربية، ولهذا تحركوا وبشكل علني… وبالتالي من كان يتابع الوضع عن كثب سيجد القلق الكبير والتخبّط في المواقف الدولية تجاه ما يجري في اليمن عموماً في ظلّ هذه التحركات سواء الداخلية أو الخارجية، وكان للسيد الحوثي موقف مغاير لكل تلك التحركات التي يُراد منها إعاقة الثورة وزرع الأشواك أمامها… ليعلن استمرارية الحراك الشعبي والمضيّ في الثورة حتى إسقاط تلك الطغمة الإجرامية ومعها إسقاط الهيمنة والوصاية الخارجية، لا سيما بعدما وقعت المجازر بحق المتظاهرين… ويعلن أيضا عن الخيارات المفتوحة لإكمال المشوار حتى نهاية الطريق، فشكلت اللجان الشعبية لحماية الثورة وانخرط أنصار الله معهم في حماية الثورة والثوار وحصل ما لم يكن في الحسبان… حيث تهاوت عروش الظالمين والطغاة في ساعات معدودة وسقطت الرهانات المعدة داخلياً وخارجياً… وانتصر الشعب وانتصرت الإرادة الشعبية اليمنية ليشرق فجر 21 أيلول ويعلن الانتصار…
لقد كانت علامة فارقة في تاريخ أبناء الشعب اليمني وتحوّلت إلى يوم حافل بالمنجزات والمعجزات أيضاً… وأشرقت شمس الحرية وتنفس اليمنيون الصعداء واستنشقا نسيم الحرية والخلاص…
بعد انتصار الثورة الشعبية وقّعت القوى السياسية والجانب الرسمي وأنصار الله اتفاق السلم والشراكة الوطنية، وكان الكثير يرى أنّ أنصار الله سيستحوذون على الحكومة أو الدولة… لكن فوجئ الجميع بأنّ أنصار الله لم يشاركوا في الحكومة إطلاقاً وظلوا يطالبون بتنفيذ اتفاق السلم والشراكة الوطنية… طبعا هناك ملفات عدة وعتبات لم نطرقها منها، ملف القضية الجنوبية التي يتحرك الخارج من خلالها لتمييعها والاستغلال لها في ما يصبّ في مصلحته… هنا رسم السيد الحوثي الخطوط حول القضية الجنوبية، أيّ بمعنى أنه أفهم من يتلاعب بالمظلومية الجنوبية ويستغلها أننا لن نقبل بأن تُستغلّ… ولذلك طالب السيد الحوثي القادة الجنوبيين بأن يعودوا إلى الداخل اليمني ليكون الحلّ يمنياً – يمنياً حلاً عادلاً.. وبهذا تقطع الطريق على الخارج الطريق، ويفهم أنه لا يستطيع فرض أيّ شيء على الداخل اليمني، لأنّ أي عمل من هذا النوع سيدفع الشعب إلى التحرك مجدداً لإفشاله…
وحينما تنصّل الجانب الرسمي، بعد انتصار الثورة، من دوره وسحب القوى الأمنية، مساهماً بذلك في ما يريده الخارج، بأن تدخل البلاد في فوضى عارمة وان تبقى الأوضاع مختلة… لكن أبناء الشعب اليمني وقائد الثورة الشعبية لم يسمحوا بذلك، بل تحرّكت اللجان الشعبية مع القوى الأمنية والعسكرية لحفظ الأمن والاستقرار… وتحركت في المقابل اللجان الثورية في الوزارات والمؤسسات الحكومية لتجفيف منابع الفساد ومحاربته بعد أن فتح المجال من قبل المعنيين بان تنهب مقدرات الشعب ويزداد الفساد… لكن اللجان الثورية تحركت واستبقت ذلك وسدّت الكثير من منابع الفساد، وما الضجيج الإعلامي على دور تلك اللجان إلا دليل واضح على انزعاج المفسدين والعملاء… وهنا يتحرك الشعب اليمني لإكمال مشوار ثورته في تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين والعملاء والحدّ من الاختراقات في مؤسّستي الجيش والأمن…
عموماً المرحلة المقبلة كفيلة بان تكون حاسمة في شقين… الأول تطهير كلّ شبر من أرض اليمن من عناصر الاستخبارات الأميركية والصهيونية المسماة «قاعدة»… والشق الثاني تطهير مؤسسات الدولة من الفاسدين والعملاء، وبهذا تكتمل ثورة الشعب اليمني وتُبنى الدولة العادلة التي يتطلع إليها كلّ مواطن يمني، والتي تكفل لكلّ المواطنين الحقوق والحريات… وتبنى مؤسستي الأمن والجيش على اطر وطنية تحمي البلاد والعباد، وتكون ملكاً للشعب لا لفئة ولا لحزب ولا أداة للخارج يقمع بها من يريد، ويصبح بلدنا أمناً ومستقراً وحراً ومستقلاً…
alialsied gmail.com