عين الحلوة ومشروع اتحاد السلفيات الثلاث

يوسف المصري

زيارة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والمشرف العام على الساحة في لبنان عزام الأحمد لبنان، انتهت كالعادة بتفهم قلق السلطات اللبنانية بشأن وجود إرهابيين في مخيم عين الحلوة وبعدم قدرة السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله على فعل شيء لإنهاء هذا الوضع الشاذ. لا أحد في لبنان يشكك بنوايا رام الله بإبقاء الاستقرار في مخيمات لبنان قائماً، وأيضاً إنشاء أوثق تعاون مع القوى الفلسطينية داخلها ومع الدولة اللبنانية. ولكن الطريق إلى جهنم تكون أحياناً مملوءة بالنوايا الحسنة. بمعنى آخر فإنّ النوايا الطيبة من رام الله لا تكفي، والمطلوب إظهار قدرة عملية لمعالجة الوضع ومنع انزلاق مخيم عين الحلوة إلى تجربة مخيم نهر البارد، الأمر الذي لا يريده أحد على الساحتين اللبنانية والفلسطينية.

وبحسب مصدر فلسطيني ليس بعيداً من حركة فتح، فإنّ ما يحول دون إرساء مبادرة عملية لجعل عين الحلوة خالية من الإرهابيين المطلوبين للدولة اللبنانية والذين ثبت أنهم يستعملون المخيم كغرفة عمليات يديرون منها خلايا انتحارية وإرهابية موجودة في غير منطقة لبنانية، هي الأسباب التالية:

السبب الأول، هو ضعف حركة فتح في المخيم والناتج من الانقسام الحاد داخلها بين محورين الأول يمثله فتح – محمود عباس. والثاني يمثله فتح محمد دحلان بقيادة ميدانية من اللينو. ولو أن فتح بحسب كل التقديرات الأمنية المطلة على وضع المخيم، كانت بوضع أفضل سياسياً وعسكرياً داخله، لكان بالإمكان إزاحة السحابة القاتمة في العلاقة السائدة اليوم بين الدولة والمخيم بسهولة أكبر. والواقع أنه قبل إقناع عزام الأحمد ببذل جهد لجمع طيف القوى الفلسطينية في المخيم حول مطلب الدولة اللبنانية بتسليم الإرهابيين المختبئين بداخله، فإن المطلوب إقناعه شخصياً بتقبل اللينو داخل تنظيم فتح وإعادة اللحمة لفتح عين الحلوة. ويعتبر الأحمد على خلاف أكثر من سياسي مع اللينو، إذ يقول البعض إنه خلافه معه تتداخل فيه الكيدية الشخصية بالخلاف السياسي.

السبب الثاني، هو ضبابية موقف تنظيم «عصبة الأنصار». صحيح أن الأخير منذ سنوات عدة يمارس انعطافه على مستوى مواقفه السياسية، فهو كف عن تكفير الآخر وبات يعتبر الصراع مع «إسرائيل» له أولوية على أي صراعات أخرى. كما إنه لم يعد يناصب القرار 1701 العداء، انطلاقاً من فتوى مستحدثة لديه تقول إن «العصبة» تجاهد ضد الاحتلال في أية أرض إسلامية، ولذلك قاتلت في العراق وأفغانستان، ولكن وجود القبعات الزرق في الجنوب لا يعتبر احتلالاً لأنهم جاؤوا بطلب من الدولة اللبنانية، ولكن الصحيح أيضاً أنه مستمر في ممارسة دور مستتر قوامه طرح نفسه عملياتياً كنقطة توازن عسكري وسياسي بين قوتي الطيفين الإسلامي والوطني في المخيم. وهو بهذا الدور يمنع الصدام بينهما، ولكنه في الوقت نفسه يمنح الجماعات التكفيرية الخمس المقيمة في حيي التعمير والطوارئ متنفساً للعيش بين ثناياه. فـ«العصبة» طوال المرحلة الفائتة كانت تؤمّن الحماية لهذه الجماعات لقاء ضبطها. وكانت السلطات اللبنانية تحتاج إلى هذا الدور على رغم معرفتها بإفادة الجماعات التكفيرية منه. على أنه في الآونة الأخيرة طرأ تغير على مستوى وضع الجماعات التكفيرية في المخيم، خصوصاً منذ لجوء الشيخ أحمد الأسير إليه، ومن ثم تبعه شادي المولوي ويقال أيضاً أسامة منصور. وهؤلاء يحاولون بناء حالة داخل المخيم لها امتداد خارجه باتجاه صيدا وبيروت والشمال والبقاعين. وأخطر ما في مشروع هذه الرموز السلفية التكفيرية الملتجئة الآن في عين الحلوة أنه يريد إنشاء تحالف سلفي جهادي فوق الساحة اللبنانية يضم السلفية الجهادية السورية والسلفية الجهادية الفلسطينية والسلفية الجهادية اللبنانية. وهذا المشروع الذي يدار من عين الحلوة عبر رموز التكفيريين الهاربين إليه، أخذ الواقع فيه إلى حالة أبعد من تلك التي كانت قائمة فيه قبل مجيئهم. إذ إن «عصبة الأنصار» لم تعد عنصر توازن وسقفاً منسقاً مع الدولة ضاغطاً على تحركات الجماعات التكفيرية فيه، بل أصبحت غطاء ينمو تحت سقفها مشروع خطر من شأنه تدمير المخيم وإصابة كل الأمن اللبناني بأضرار كبيرة. وعليه لم يعد مفهوماً لا من قبل «العصبة» ولا من قبل التنظيمات الفلسطينية الأخرى استمرارها في سياسة إنكار وجود إرهابيين مطلوبين للدولة اللبنانية في المخيم، والادعاء بالتالي أن أحداً منهم لم يدخله. وبدل ذلك، بات المطلوب اليوم قطع الطريق على خطر نمو مشروع السلفيات الثلاث العاملة للاتحاد انطلاقاً من المخيم قبل أن تنبت له أظافر وأنياب، إذ حينها تصبح «العصبة» ذاتها كما حماس والـ «فتحان» أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما: إما مبايعة اتحاد السلفيات الثلاث وإما شن حرب وجود ضده.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى