الجيش يدفع دماً ثمن تردد الحكومة بالتنسيق مع سورية
كتب المحرر السياسي:
في ما يبدو أنه مناخ دولي واضح المعالم لمرحلة ما بعد رحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز، وبينما يعلن الرئيس الإيراني أن الاتفاق النهائي حول الملف النووي صار في المراحل الأخيرة، يعلن الرئيس الأميركي وهو في طريقه إلى السعودية من الهند أن أولوية إدارته في اليمن هي حل سياسي يتولاه حكام الخليج يضع الأولوية للحرب على «القاعدة»، وبالتالي ليس عزل الحوثيين ولا النزاع معهم وعبرهم، للتصعيد مع إيران، بما يبدو دعوة غير مباشرة لحكام السعودية الجدد للإسراع ببدء الحوار مع إيران، ملاقاة لما قاله وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن قدرة الحوار السعودي الإيراني على حلحلة مشاكل المنطقة، وملاقاة لدعوات سلطنة عمان لاستضافة حوار إيراني سعودي ودعوتها لمبادرة خليجية تبدأ من اليمن لضمان الاستقرار في المنطقة.
في هذا المناخ نفسه تفتتح موسكو اليوم أولى جلسات التشاور بين الحكومة السورية ووفود معارضة، لاختبار فرص استيعاب من يفترض أنهم القوى العاقلة في ضفة المعارضة لوجود تفاهم دولي، على أن الرئيس السوري شريك حكمي في أي حل سياسي وأي حرب على الإرهاب، وأن هذه الحرب كأولوية دولية وإقليمية وسورية، تستدعي تسويات سياسية لم يعد بيد كل المعارضة إذا أجمعت الإسهام فيها عسكرياً بعدما تلاشت قواها لمصلحة «النصرة» و«داعش»، ولم تعد لها مساهمة بغير العنوان السياسي لتسهيل تلاقي الحكومات والجيوش الدولية والإقليمية المعنية بهذه الحرب، مع الحكومة والجيش السوريين اللذين يلعبان دوراً محورياً في هذه الحرب، وأن تلقى المعارضة العاقلة ثمن هذه المساهمة جوائز منحها حقائب وزارية في حكومة سورية، يمكن للذين يقاطعون الحكومة السورية التذرع بوجودها لفك مقاطعتهم والانتقال للتعاون معها.
في موسكو مع انطلاق التشاور السوري السوري، اهتمام بطلب وساطة تل أبيب، للتفاهم مع حزب الله على ما يسميه قادة «إسرائيل» بـ«الرد الذي لا يشعل حرباً».
موسكو تعلن عن الرسالة وتقرأ فيها تعبيراً عن ميزان الرعب الذي أنتجه حزب الله في المواجهة مع «إسرائيل»، خصوصاً بعد الإعلان «الإسرائيلي» بما يشبه الاعتذار عن عدم معرفة الحكومة والجيش في كيان الاحتلال بوجود جنرال إيراني بين الذين استهدفتهم الغارة في القنيطرة.
على ضفة مقابلة لم تهدأ الاستعدادات «الإسرائيلية»، تحسباً لرد المقاومة، ويبدو التصعيد الذي تقوم به جماعات «النصرة» و«داعش» في البقاع الشمالي تعبيراً عن بعض هذه الاستعدادات في ضوء ما بات مكشوفاً من تنسيق وترابط وتكامل بين هذه الجماعات و«إسرائيل».
الجيش اللبناني يواجه منذ أيام بقدراته المتواضعة حرب استنزاف حقيقية، ويحقق بالدم الحي إنجازات، وصموداً، يستحقان من الحكومة، كما تصف مصادر متابعة، قراراً شجاعاً بالتنسيق مع الحكومة السورية لحسم وضع القلمون وما يستدعيه من تعاون بين الجيشين اللبناني والسوري وحزب الله، وبالتالي تخطي الحسابات الضيقة التي لا تلبي المصلحة اللبنانية بقدر ما تهدف لإرضاء حسابات خارجية إقليمية.
يبدأ الأسبوع الطالع على وقع التهديدات الأمنية للمجموعات الإرهابية المستمرة في جرود عرسال بعد المعركة العنيفة التي جرت مع الجيش اللبناني في رأس بعلبك يوم الجمعة وأسفرت عن استشهاد ثمانية عسكريين شيّعوا في مواكب حاشدة في بلداتهم، وسط تأكيد مواصلة التصدّي للإرهابيين في الحرب المفتوحة مهما غلت التضحيات.
وواصل الجيش تعزيز إجراءاته الميدانية في جرود رأس بعلبك وتلتي الحمرا وأم خالد الموازيتين لجرود عرسال اللتين استعادهما بعد تمكنه من طرد الإرهابيين بعد اشتباكات شرسة معهم. كما عمل على إزالة العبوات التي زرعها هؤلاء في محيط التلة.
واستمر التوتر في المنطقة أمس حيث قصف الجيش بالأسلحة الثقيلة تحركات جديدة مشبوهة، مستهدفاً جرافة عسكرية كانت تستحدث سواتر وتحصينات للمسلحين في منطقة مدينة الملاهي في وادي حميّد في عرسال بعد ليل ساده الهدوء التام.
وفيما احتفظ الجيش بخمس جثث تمّ نقلها إلى مستشفى الهرمل الحكومي من بينها جثث لقادة ميدانيين في «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش»، إحداها عائدة للقيادي اللواء غياث جمعة الملقب بـ»أبو الوليد» من القصيْر السورية ، عثر في ثياب أحد القتلى على خريطة وخطة تشير إلى أنّ الهجوم كان يهدف إلى تطويق «تلة أم خالد» المحاذية وأسر المزيد من جنود الجيش اللبناني منها.
وفي السياق، أكدت مصادر عسكرية لـ«البناء» أنّ احتمال عودة الاشتباكات مرتفع، طالما أنّ المواجهة لم تؤدّ إلى اجتثاث الإرهابيين من عرسال ولا من جرودها»، لافتة إلى «أنّ هذا الأمر يتطلب قراراً سياسياً، قد يكون ذا بعد خارجي».
وأشارت المصادر إلى «أنّ الإرهابيين لم يحققوا شيئاً من عدوانهم، فهم لم يسيطروا على مواقع الجيش التي تفصل عرسال عن الحدود، وتحديداً في وادي حميد ووادي عطا، ولم يستطيعوا السيطرة على تلة الحمرا التي تعتبر مفتاح التحكم في المنطقة، ولا أن يفرضوا على الجيش التراجع، إضافة إلى «أنهم لم يتمكنوا من أسر أيّ من الجنود كما كانوا يخططون».
ولفتت مصادر عسكرية أخرى لـ«البناء» إلى «أنّ الجيش يقوم بكلّ ما يلزم، وأنّ الاشتباكات الأخيرة في رأس بعلبك، أظهرت الجاهزية العالية في منع تسلّل الإرهابيين وحماية مواقعه، على رغم الظروف المناخية الصعبة وطبيعة المنطقة الوعرة».
وإذ لفتت إلى «أنّ المعركة ضدّ الإرهاب شاملة وليست موضعية، وأنّ الخطر كبير»، شدّدت المصادر على «أنّ الجيش يحاول تفكيك الخلايا الإرهابية، إلا أنه لم يتمكن حتى الساعة من إقفال الحدود وإنهاء إمكانية الاعتداءات الإرهابية أو الاختراقات»، معتبرة «أنّ الوضع لن يتغيّر وسيبقى على حاله إلى حين انتهاء الأزمة السورية، أو عندما يتمكن حزب الله والجيش السوري من تطهير القلمون بالكامل من الإرهابيين».
ورجحت المصادر «أن يشهد البقاعان الأوسط والغربي اختراقات من المجموعات الإرهابية في المستقبل».
وسألت مصادر مطلعة عبر «البناء» كيف يتقبّل لبنان حرب استنزاف تفرض عليه وهو قادر فيما لو اتخذ القرار الصارم أن يضع حداً لها؟ ولماذا ينتظر،على رغم المخاطر، تسليح الجيش وتنفيذ خطة التطويع»؟
وفي إطار ملاحقة الإرهابيين، نفذت قوة من الجيش عملية دهم في بلدة المرج – البقاع الغربي، حيث تمّ توقيف 12 شخصاً من التابعية السورية، للاشتباه في قيامهم بتأليف مجموعة إرهابية. وضبطت في حوزتهم عدداً من الهواتف الخليوية والكمبيوترات إضافة إلى دراجة نارية عدد 2 وسيارتين من دون أوراق قانونية.
دعوات للتنسيق الفعلي
وأجمعت المواقف أمس على أهمية توحيد الصفوف إلى جانب الجيش والمقاومة، معتبرة «أنّ الواقع الخطير يتطلب تعزيز دعم الجيش من خلال الحوار بين جميع اللبنانيين بما يؤمّن التماسك والوحدة الوطنية، وبتوفير كافة الإمكانات اللوجستية والمادية». وأكدت أنّ المواجهة التي أرادها التكفيريون في رأس بعلبك هي عملية غدر جديدة بالجيش، تحوّلت إلى مواجهة حقيقية دفع فيها الإرهابيون الثمن، ويجب أن تتطوّر تلك المواجهة باتجاه تنسيق فعلي بين الجيش اللبناني والجيش السوري والمقاومة.
حزب الله: المعادلة الذهبية تعمّدت بالدمّ
على خط آخر، أقام حزب الله وعوائل شهداء العدوان الصهيوني على القنيطرة، احتفالات تأبينية لمناسبة مرور أسبوع على استشهاد المقاومين في قراهم وبلداتهم. وأكد ممثلو الحزب في الاحتفالات «أن دم الجيش ودم المقاومة أصبحا دماً واحداً في قضية واحدة بعد كل هذه الاعتداءات، وأصبحت المعادلة الذهبية معادلة معمّدة بالدم بعد أن امتزج دم الجيش والشعب والمقاومة معاً في سبيل الذود عن الوطن». وشدّدوا على أنّ «إسرائيل أعجز من أن ترسم معادلة جديدة، جراء عدوانها على مجموعة من المقاومين في منطقة القنيطرة».
من جهة أخرى، نفت العلاقات الإعلامية في حزب الله حصول أيّ هجوم للمسلحين على جرود بريتال، مؤكدة أنّ الوضع في المنطقة طبيعي».
وعلى وقع هذه التطورات تنعقد الجلسة الرابعة للحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في عين التينة مساء اليوم لمتابعة البحث في مواضيع تتعلق بالوضع الأمني وسبل تحصينه عسكرياً وسياسياً.
وفي الشأن السياسي جرت على هامش تقديم الوفد الرسمي اللبناني التعازي بالملك السعودي عبدالله، دردشة بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس سعد الحريري، ومصافحة بين الحريري ووزيري الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والروسي سيرغي لافروف.