محاكمة الشيخ علي سلمان تُشعل الطائفية في المنطقة
ياسين مدني
أعلنت السلطات ومحامي الشيخ علي سلمان الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة، قبل عدة أيام، عن محاكمة الزعيم البحريني المعارض في 28 من الشهر الحالي أمام المحكمة الكبرى الجنائية بتهمة الترويج لقلب وتغيير النظام السياسي بالقوة والتهديد.
علامَ يدلُّ هذا الإعلان؟ وما المقصود من هذه المحاكمة؟ ما هي تداعيات محاكمة الشيخ سلمان الذي ألقي القبض عليه في 28 كانون الأول، أواخر العام الماضي، بعد أن قاد مظاهرة للاحتجاج على الانتخابات التي نظمت في تشرين الثاني وقاطعتها جمعية الوفاق الوطني؟ وهل يمكن القول إنّ الواقع البحريني يتجه، في المستقبل، نحو مزيد من الخطورة والفوضى والاضطرابات؟
يدلّ المشهد البحريني الحالي على أنّ ردود الفعل السلبية للنظام البحريني على ما يطالب به الشعب بطريقة سلمية، يصبُّ الزيت على نار الخلافات الحادة بين المجتمع والحكومة، ما يدفع المجتمع إلى الإلحاح، في شكل أكبر، على مطالبه المشروعة في مواجهة حكومة لا تعرف سوى الإصلاحات الشكلية واستخدام العنف والاعتقال المتزايد، بدلاً من تلبية حاجات شعبها.
إنّ استمرارية النهج السلطوي من ناحية النظام البحريني، رغم سلمية الاحتجاجات تدلّ على اعتقاد النظام أنّ السماح بحرية التعبير والتجمهر والاحتجاج وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وفي مقدمهم الزعماء، والتوقف عن التعذيب وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي ومنع الاعتداء على المتظاهرين سيؤدي، تدريجياً، إلى إسقاطه. لذلك يستند النظام إلى العنف والاعتقال والدعم السياسي والأمني للقوى الخارجية، ما يمكنه من تحمل الضغوط الداخلية، وهو يوجِد، بذلك، حالة من انعدام الثقة بين المعارضة والسلطة ويشجع الشعب البحريني على الاستمرار في المطالبة بالديمقراطية وإنهاء الحكم الاستبدادي.
عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية البحرينية عام 2011، دعا المحتجون منذ البداية إلى إجراء تحولات جوهرية في بنية النظام السياسي القائم، بما يضمن الحريات السياسية وتحقيق الديمقراطية وتداول السلطة التنفيذية بواسطة الانتخابات الحرة وحرية تشكيل الأحزاب ومراعاة العدالة الاجتماعية وإعلاء سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحرياته وإطلاق حرية الرأي والتعبير ووقف التجنيس السياسي. وقد اتخذت الحركة الاحتجاجية بعداً اقتصادياً، حينما طالب المحتجون برفع مستويات المعيشة وزيادة رواتب الموظفين وحلّ مشكلة البطالة. كما طالبوا باستقالة رئيس الوزراء في مملكة لم تعرف، منذ استقلالها، سوى رئيس وزراء واحد هو خليفة بن سلمان آل خليفة، عم الملك الحالي حمد بن عيسى آل خليفة.
وفي حين كانت الاحتجاجات تحمل طابعاً سلمياً مع التأكيد الدائم من جانب زعماء المعارضة، بمن فيهم الشيخ عيسى قاسم والشيخ علي سلمان، على السلمية في الحراك والاستمرار في المطالبة بالحقوق المشروعة بالطرق السلمية، إلا أنّ النظام تبنى النهج الأمني في الردّ على الاحتجاجات وقام بإصلاحات شكلية في تلبية مطالب شعبه المشروعة وهي، كما ذكرنا، الديمقراطية وتداول السلطة ومشاركة الشعب فيها ومزيد من الحريات، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأزمة بين المجتمع والنظام، عوضاً عن الحدّ منها أو القضاء عليها.
وأدّى الردّ العسكري وإعلان حالة الطوارئ وطلب المساعدة من النظام السعودي وتدخله العسكري المباشر، مؤيداً للنظام البحريني، إلى نتائج كارثية لم يكتفِ النظام بها بل استخدم في مواجهة هذا الحراك ما يمكن توصيفه بالسلاح الطائفي، من أجل تبرير التدخلات العسكرية واستخدام العنف ضدّ شعبه، بذريعة حفظ المصالح العليا للشعب البحريني والاندماج الوطني. وهكذا قامت الحكومة البحرينية باعتقال المعارضين من الأطفال والنساء والشباب والزعماء الذين تعرضوا لأشدّ طرق التعذيب والانتهاكات، في ظلّ تجاهل الإعلام العربي والعالمي، للحراك وكأنه لم يحدث.
وفي السياق، صدر عن المجتمع الدولي تقارير إدانة لممارسات نظام الحكم في البحرين ضدّ المواطنين الأبرياء، وخصوصاً تعذيب أطفال كانوا قد اعتقلوا خلال الاضطرابات الشعبية. وقالت منظمة العفو الدولية، على سبيل المثال في تقرير موجز صدر في 16 ديسمبر 2013، إنّ حبس الأطفال وإساءة معاملتهم وتعذيبهم، من الأمور المعتادة في البحرين. في حين أنّ البحرين من الدول الموقِّعة على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة. كما تواصلت تقارير حقوق الإنسان الصادرة عن المنظمات الدولية في انتقاد واستنكار انتهاكات حقوق الإنسان والتي تشمل قيام السلطات البحرينية بحبس مدافعين عن حقوق الإنسان، بسبب مشاركتهم في مظاهرات سلمية وانتقادهم المسؤولين، ونزع الجنسية، تعسفاً، عن نشطاء المعارضة وتكرّر استخدامها القوة المفرطة في قمع المظاهرات.
وبرغم تلك الصعوبات، لم يتوقف الحراك الشعبي وتواصلت مسيرته السلمية ولم يخرج في ظلّ قيادة زعمائه عن الطريق السلمي والديمقراطي ولم يسع يوماً إلى الإطاحة بالنظام بل جهد في إعلاء سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحرياته الديمقراطية ومراعاة العدالة الاجتماعية، بحيث يمكن القول إنّ الحراك الشعبي في البحرين هو الأكثر التزاماً بالأساليب السلمية.
من هنا، يمكن قراءة الواقع البحريني على أنه يتجه، في المستقبل، إلى مزيد من الخطورة والفوضى والاضطرابات الناجمة من ردود الفعل السلبية للنظام البحريني على ما يطالب به الشعب بطريقة سلمية. وعلى الجميع أن يدرك أنّ القضية لا تتعلق بالشيعة والسنة، وأنّ المسألة ليست طائفية، وأنّ شعب البحرين يؤمن بأنه جزء من أمة عربية مسلمة.
لكنّ المنهج الذي يتبعه النظام البحريني يحرم الشعب من حقوقه المشروعة التي نهض من أجلها، ما أدى إلى اعتقال الشيخ علي سلمان بعد أن طالب بمجلس منتخب كامل الصلاحيات التشريعية والرقابية.
وعلى النظام البحريني أن يعرف أنّ طريق الديمقراطية يمرّ عبر الحوار الوطني والمصالحة الشاملة والاعتراف بحقوق الشعب، بما فيه المعارضة التي يعدُّ تمثيلها في السلطة أحد أهم أعمدة الأنظمة الديمقراطية، وخصوصاً في ضوء وجود أقلية حاكمة وأغلبية محكومة فی البحرين وأنّ اعتقال الشيخ سلمان ومحاكمته أمام المحكمة الكبرى الجنائية، بذريعة الترويج لقلب وتغيير النظام السياسي بالقوة والتهديد، يهدّد بتصعيد الاحتجاجات السياسية ويُثبت شكلية الإصلاحات التي قام بها النظام ويُشعل الطائفية في منطقة تعاني من آلام متزايدة.
كاتب ومحلل سياسي إيراني