مؤتمر موسكو إلى أين…؟

جمال الكندي

يكثر الحديث في الأروقة السياسية وفي الصحافة العربية والغربية عن مؤتمر موسكو، وعن حجم مشاركة أطياف المعارضة السورية الداخلية والخارجية، ومخرجات هذا الاجتماع ومدى تأثيره في إيجاد تسوية سياسية بين الحكومة السورية ومعارضة الداخل والخارج.

وقد عجل التوافق الدولي الذي تحقق أخيراً بين أميركا وروسيا والدول الغربية في عقد هذا المؤتمر، وخصوصاً بعد أن أصبح العالم مهدّداً من قبل آفة الإرهاب الذي ارتدّ إلى الدول التي كانت حتى الأمس القريب تبارك نشره في سورية، وهي اليوم تكتوي بناره. وتأتي موافقة الولايات المتحدة على عقد هذا المؤتمر، في هذا الوقت الحساس، بمثابة اعتراف ضمني بفشل المؤامرة التي حيكت لسورية على مدار السنوات الأربع الماضية، بالإضافة إلى التسربيات التي تردّ من هنا وهناك والتي تؤكد أنّ الغرب بات مقتنعاً بأنّ الرئيس الأسد أصبح جزءاً من الحلّ في سورية، بعد أن قلب الطاولة على الحلف المعادي لسورية، والذي سعى بكلّ قوة إلى إسقاط النظام فيها.

إنّ المزاج العام قد تغيّر، والكلّ أصبح يدعو إلى الحلّ السياسي، فتأثير التنظيمات الإرهابية المسلحة، بشتى مسمّياتها، تخطى الجغرافية السورية وأصبح يهدّد دول الجوار، بل أكثر من ذلك وصل إلى العمق الأوروبي، وهذا ما أدركته القوى الدولية أخيراً، فكان لا بدّ من إيجاد الحلّ الذي ينزل الأميركي من أعلى الشجرة كما أنزله في مسألة الكيميائي الملقفة ضدّ الحكومة السورية، فكان الحلّ في مؤتمر موسكو، والذي، إذا صفت فيه النيات، سيكون لبنة لحلّ الأزمة في سورية.

إنّ الصمود السوري عسكرياً وشعبياً وسياسياً واقتصادياً رسم صورة لما ستؤول إليه نتائج مؤتمر موسكو، بعد الحديث السابق في مؤتمري جنيف 1 و2، عن عدم قبول الرئيس السوري في أي مرحلة قادمة ضمن خارطة سورية الجديدة والذي أصبح من الماضي. فما الذي تغيّر؟ يسأل المراقبون. الجواب بسيط ومعروف، وما تغيّر هو مبدأ القوة، فالقوي ميدانياً هو المتحكم بطاولة التفاوض، وهو الذي يفرض شروطه. وبعد أن تفشى الإرهاب «الداعشي» في المنطقة، أيقن بعض الساسة الغرب أنّ الجيش السوري وحده القادر على لجم هذا الوحش الذي صنعه الغرب بأموال أعراب المنطقة.

جاءت المبادرة الروسية لعقد هذا المؤتمر، فوضعت المعارضة السورية تحت الاختبار، وقد عبّر عن ذلك وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عندما قال: من لا يحضر من المعارضة سوف يخسر، وهذا الكلام له دلالات خطيرة على المعارضة، فهو تسليم من قبل أميركا بأنّ الحلّ يبدأ من موسكو وأنّ المنطقة لم تعد تحتمل تمدّد هذه الأزمة لفترة زمنية أطول، وذلك لأنّ تمدّدها يطيل عمر التنظيمات الإرهابية، والتي باتت تهدّد الغرب، ومفتاح القضاء عليها في يد الجيش السوري، والغرب يدرك ذلك فكان لا بدّ من إيجاد الحلّ ولو كان من دولة تصنف بأنها الداعم والحليف الرئيسي للحكومة السورية، وهذا ما تريد روسيا أن توصله إلى بعض أقطاب المعارضة الذين يعارضون مؤتمر موسكو ويريدون أن يفرضوا أجندتهم وشروطهم المعروفة.

إنّ المراقب لوضع المعارضة السورية، وأقصد هنا معارضة الخارج بشقيها السياسي والعسكري، يدرك ضعف هذه المعارضة، وما رفضها حضور مؤتمر موسكو وكثرة التصريحات المتناقضة بين ممثليها، إلا دليل على ضعفها، وهي التي تدعي أنها الممثل الوحيد للشعب السوري. وإنّ بروز قوى متطرفة، لا يقبلها الغرب في المسرح العسكري في سورية، يحرجها ويعطي أحقية وطنية سورية بمحاربتها، فالغرب يدعم «الجيش الحرّ» سياسياً وعسكرياً، ولكن على الأرض يتهاوى هذا الجيش أمام قوى أخرى متطرفة، كان الغرب في السابق يحاول إخفاءها، ويحرص على عدم تضخيم وجودها لكي لا يعطي شرعية للدولة السورية بمحاربتها. لكنّ بروز «داعش»، كقوة فاعلة في الجغرافية السورية والعراقية مع «جبهة النصرة» أحرج الغرب فاعترف بخطأ هذه الاستراتيجية التحالفية مع الإرهاب من أجل إسقاط النظام السوري، فجاء الحلّ من روسيا مرة ثانية لحفظ ماء الوجه الأميركي من خلال مؤتمر موسكو.

إنّ التغيّرات الأخيرة تجاه الأزمة السورية من قبل الغرب وسعي بعض الدول الأوروبية إلى فتح سفارتها في دمشق، قلب كلّ الموازين وأجبر أميركا وحلفاءها على قبول مؤتمر روسيا ولو على مضض، وهذا بسبب إرهاب «داعش» في المنطقة.

إنّ اجتماع موسكو واضح المعالم وعنوانه توحد جميع الفرقاء السوريين تحت العلم السوري، وأعني الفرقاء السياسيين من الحكومة السورية والمعارضة المؤمنة بوحدة التراب السوري، والتي لا تسير حسب الهوى الأميركي أو الخليجي، بل تدعو كل السوريين الوطنيين إلى إلقاء السلاح والدخول في حضن الدولة الشرعية، وحمل السلاح ضدّ الأرهاب الذي يريد إرجاع سورية الى العصور الحجرية.

إنّ تداعيات مؤتمر موسكو ستؤثر على الدول التي كانت على خط العداء لسورية، فهي لم تفهم لعبة السياسة وأنّ هناك حلفاء سورية قالوها مدوية: لن نسمح بسقوطها في يد أميركا ومن يدعمها، ولم يدركوا أيضاً، أنّ هذه الدول لا تُشترى بالمال، فالموقع الجغرافي لسورية عندهم أهم من كلّ ذلك.

إنّ ما نشهده في مؤتمر موسكو هو سورية جديدة تجمع المكونات السياسية السورية المختلفة تحت سقف واحد، فهذا المؤتمر يتميّز عن غيره كونه يجمع معارضة الداخل مع بعض رموز معارضة الخارج بالحكومة السورية والذي سينتج عنه، في حال نجاحه، حكومة تشاركية هدفها الإصلاح السياسي ومحاربة الإرهاب، وسوف تخضع لاستفتاء الشعب السوري، وهذا يطابق رؤية الرئيس الأسد في خطابه بداية 2013، وقوله إنّ كلّ مرحلة من مراحل التغيير سيقرّر مصيرها الشعب السوري مباشرةً عن طريق الاستفتاء العام ومشاركته في صنع هذا التغيّير. فهل سنشهد ذلك فعلاً بعد مؤتمر موسكو؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى