جعجع يسقط بالأحمر العريض…
هتاف دهام
لن تطأ قدما رئيس حزب «القوات» اللبنانية سمير جعجع القصر الجمهوري. لن يكون في يوم من الأيام فخامة الرئيس. فحلم جعجع بالرئاسة كما قال أحد النواب كحلم إبليس بالجنة. ما كان يحلم به في السجن لن يتحقق. لن يجلس رئيس «القوات» على الكرسي الرئاسي أو وراء مكتب وزارة الدفاع، كما قال لأحد العناصر الأمنية في فترة سجنه عندما نظر إليه ذلك العنصر نظرة ازدراء لسجله الحافل بالإجرام.
يدرك جعجع أن لا مكان له في بعبدا. فالزنزانة التي افتتحها يوم الاثنين الماضي في معراب والتي تشبه تلك التي عاش فيها أحد عشر عاماً، هي المكان الأنسب له.
يدرك جعجع أنّ ما جرى في الجلسة العامة المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية ليس إلا معركة رقمية سقط فيها. لم يحصل جعجع على أكثرمن 50 صوتاً كما وُعدت النائب ستريدا جعجع خلال جولتها على القيادات السياسية.
الراية البيضاء
سقط جعجع أمام راية الورقة البيضاء فنال 48 صوتاُ مقابل 52 صوتاً للورقة البيضاء، و16 صوتاً ممن يعدّون أنفسهم وسطيين لهنري حلو، فيما أُلغيت 7 أوراق من العملية الحسابية، لكنها تحمل 7 أصوات أرادت إيقاظ مشاعر وضمائر نواب 14 آذار وتحديداُ تيار المستقبل لجهة ما جنوه على أنفسهم، وقد حملت هذه الأوراق أسماء الذين أدين جعجع من أعلى سلطة قضائية بجرائم اغتيالهم وهم: الياس الزايك، طارق دوري شمعون صوتان ، داني شمعون، رشيد كرامي، جيهان طوني فرنجية. وحملت ورقة ثامنة صوتاً للرئيس أمين الجميل.
تشظّي« 14 آذار »
ما حصل في الجلسة لم يكن مفاجئاً، بل كان أشبه بسيناريو معروف سلفاً من قبل أن تعقد الجلسة. إلا أنّ أهميتها تكمن في أنّ تصويت فريق» 14 آذار» أكد للقاصي والداني أن هذا الفريق غير مقتنع بترشيح جعجع، والخروقات التي حصلت أثبتت مرة جديدة أنّ جبهة «14 آذار» غير موحدة وتشظّت حول خيار جعجع.
مارس قسم من النواب رأيه بصراحة، فيما مارس القسم الآخر رأيه بخبث ودبلوماسية في الدورة الأولى لعدم اقتناعهم بالـ»الحكيم»، فمنهم من لديهم مرشحهم مثل الرئيس أمين الجميّل الذي يُعتبر مرشحاً في الدورة الثانية أكثر من أي وقت مضى كما قال الوزير سجعان قزي الذي اكد «أنّ ترشيح الرئيس الجميّل قائم وأنّ الانتخابات جولات ودورات والمهم ليس عدد الدورات بل عدد الأصوات.
لقد أكدت هذه الجلسة أنّ فريق 8 آذار موحد، وهو من سيحدد الرئيس لاحقاً، فمرشحهم في الدورة الأولى كان الورقة البيضاء قبل نضوج المعطى الجدي.
كما أشارت الجلسلة إلى رسائل الإدانة لجعجع التي عبّرت عنها الأوراق التي حملت أسماء االذين اغتالهم جعجع الزايك، شمعون، فرنجية وكرامي والمغلف الفارغ و»الشهيد الحيّ» أمين الجميّل كما وصفته مصادر كتائبية أكدت لـ«البناء» أنّ فريق 8 آذار هو من وضع اسم الجميّل على إحدى الأوراق، ليذكّر رئيس «القوات» بجرائمه التي نجح في بعضها، وفشل في البعض الآخر منها.
سعادة يصوّت للجميّل
الا أنّ ترجيحات الكتائب ليست دقيقة، فلما كان 52 نائباً من فريق 8 آذار صوتوا بورقة بيضاء، و16 نائباً للمرشح هنري حلو وهم نواب جبهة النضال الوطني السبعة بغياب إيلي عون إضافة الى الرئيسين تمام سلام ونجيب ميقاتي والنواب محمد الصفدي وفريد الياس الخازن الذي استأذن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لكونه تجمعه بحلو علاقة صداقة وميشال المر ونايلة تويني، نقولا فتوش، وروبيرغانم الذي كان متمسكاً بترشحه حتى مساء الثلاثاء، و7 أصوات ملغاة، فيبقى 49 صوتاً لـ «14 آذار»، يرجح أن يكون أحدها للرئيس أمين الجميّل، يعتقد ان يكون النائب سامر سعادة، لا سيما أنّ مصادر مطلعة على موقف الكتائب أشارت إلى أنّ المكتب السياسي انقسم على نفسه نتيجة تبني ترشيح جعجع، ورأى البعض في ذلك انتحاراً سياسياً للكتائب وللرئيس الجميّل نفسه.
رحمة لـ الزايك
صوّت نواب من فريقي 8 و14 آذار بـ7 أصوات اعتبرها رئيس المجلس ملغاة، إلا أنّ النواب الذين اقترعوا لتلك الأسماء التزموا الصمت، ولا ندري لماذا، وإنْ كانت بعض المعلومات أشارت إلى النائبين فادي الأعور وعاصم قانصوه، وإلى أنّ النائب محمد كبارة هو صاحب المغلف الفارغ، وأنّ النائب أحمد كرامي صوّت لرشيد كرامي،فيما قالت مصادر أخرى أن كرامي قد يكون الصوت 16 لهنري حلو. وفيما اتجهت الأنظار إلى بعض أعضاء كتلة لبنان الحرّ الموحد، أكد النائب اسطفان الدويهي أنّ خيار كتلته ليس سراً وأُعلن مراراً انسجاماً مع الروحية السياسية، وأنّ تصويته كان انطلاقاً مما يخدم المصلحة الوطنية العليا في لبنان، بغضّ النظر عن لون الورقة. ورجحت مصادر نيابية أن يكون النائب اميل رحمة هو من وضع اسم الياس الزايك في صندوق الانتخاب، فلا أحد يخطر على باله الزايك إلا النائب رحمة نظراً إلى التاريخ الذي كان يجمعهما سوياً.
أسود يفتخر بتصويته لجيهان
وحده النائب عن التغيير والإصلاح زياد أسود خرج من القاعة مفتخراُ بتصويته لصالح اسم الشهيدة المغدورة جيهان طوني فرنجية قائلا: «ترشيح رئيس حزب «القوات» هو عار ولا يليق بموقع الرئاسة الأولى»، مشدّداً على أنه «لا يمكن فصل التاريخ عن المستقبل»، ويجب وضع حدّ للمهزلة التي تحصل على مستوى هذا الاستحقاق الرئاسي». لم يلتزم أسود بقرار رئيس تكتل التغيير والإصلاح الذي أكد على نواب التكتل الالتزام بورقة بيضاء، إلا أن أسود قال للجنرال: «أنا ألتزم بالورقة البيضاء من جهة واحدة».
ترقّب ستريدا
مع بداية فرز الأصوات، كانت النائب ستريدا جعجع في حال ترقب وقلق شديدين والى جانبها النائب ايلي كيروز يعدّ الأصوات ويسجلها.
روحة مع رجعة
وعند ذلك همّ نواب 8 آذار بالخروج، وكان أول الخارجين من القاعة رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان، ثمّ النائب اميل رحمة، فأعضاء كتلة الوفاء للمقاومة باستثناء النائبين علي فياض وحسين الموسوي اللذين بقيا حتى انتهاء الجلسة، فنواب تكتل التغيير والإصلاح، فخاطبهم بري قائلاً: «روحة مع رجعة، فردّ النائب عاطف مجدلاني: «مبيّن روحة بلا رجعة»، ليعلن بري بعد ذلك النتيجة، وانتهاء دورة الاقتراع الأولى لعدم اكتمال النصاب، وان الجلسة الثانية ستكون ظهر الأربعاء المقبل حيث يصبح مجموع الأصوات في الدورة الثانية لفوز المرشح 65 صوتاً.
بيضة القبان
ولما كانت جلسة الأمس هي بروفا، طوت معها ملف الدكتور جعجع نهائياً، وأكدت خلالها الكتلة الوسطية أنها بيضة القبان، فإنّ دعوة بري الدستورية شكلت مفاجأة لغياب التوافق حول مرشح التسوية الذي لا تبدو ظروفه مهيّأة حتى الساعة.
وفي السياق، رجحت مصادر نيابية في 8 آذار لـ«البناء» ألا يكتمل النصاب في الجلسة المقبلة إذا لم يجر التفاهم على مرشح. وأكدت أن المفاوضات حول مرشح توافقي ستبدأ من اليوم حتى موعد الانعقاد الحكمي للمجلس، بهدف تمرير الاستحقاق قبل 25 آيار وعدم الوصول إلى الفراغ، وإذا تعثر التفاهم بين المكوّنات السياسية، فإن الملف الرئاسي سيُحال إلى جهات دولية وإقليمية.
ولما اعتبرت المصادر النيابية في فريق 8 آذار أنّ انسحاب نواب هذا الفريق واقعي وطبيعي، فرئيس الجمهورية بحاجة إلى توافق، والتوافق اليوم غير قائم. أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان لـ«البناء» أنّ فريق 8 آذار لم ينسحب، فالجلسة انتهت بعد أن صوّت كلّ منا لمرشحه، لافتاً إلى ضرورة أن يحصل توافق حول اسم رئيس الجمهورية بين اللبنانيين، لكي تنضج فكرة الرئاسة، لأننا بحاجة إلى رئيس يتكلم مع كلّ اللبنانيين.
كما أيّد حردان التظاهرات التي قام بها أهالي طرابلس والمواقف التي صدرت عنهم، مؤكداً أنّ استنكارهم طبيعي، لا سيما أنهم يحترمون القيم التي من المفترض أن ُتبنى عليها الترشيحات لأي مرشح، فالقاتل لا يمكن أن يكون رئيساً للجمهورية».
أما رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون فرأى «انسحبنا من القاعة بعد انتهاء الدورة الأولى في انتظار الإجماع حول المرشح».
في مقابل ذلك قال جعجع في أوّل تعليقٍ له بعد جلسة الانتخاب: « إنّ ما حصل انتصار كبير للديمقراطية حاول البعض تشويهه من خلال تصرفات غير مسؤولة». وأضاف: «لن نذهب إلى تسوية ويجب أن يترشح من يريد».
غياب شبيه جعجع
وكانت جلسة الانتخاب التأمت ظهر أمس في حضور 124 نائباً وغياب كلّ من النواب سعد الحريري وعقاب صقر وايلي عون الذي يعاني من أزمة صحية وخالد الضاهر الموجود في الخارج، والذي لو كان في لبنان لكان صوّت لصالح جعجع، فالاثنان وجهان لعملة واحدة يشبهان بعضهما البعض لجهة الإجرام، ومجزرة حلبا خير دليل على ذلك.
صور السفير الفرنسي
وفي مقاعد الصحافيين التي امتلأت بالإعلاميين المحليين والعرب والأجانب، برز حضور وفد من البرلمان الفرنسي يتقدمهم السفير الفرنسي باتريس باولي الذي كان يلقي التحية على عدد من نواب التغيير والإصلاح لا سيما العماد عون ونواب كتلة الوفاء للمقاومة. كان باولي ينتظر وصول النائب ستريدا جعجع ، فلحظة وصول النائب نايلة تويني سأله أحد أعضاء الوفد c est la femme de geagea؟ هل هذه زوجة جعجع؟ قال له: Non، ليسارع عند وصولها إلى لفت انتباه الوفد: maintenant c est la femme de geagea، الآن هذه هي زوجة جعجع
حركة السفير الفرنسي كانت لافتة وأضفت روحاً عند الصحافيين، لم يهدأ وهو يلتقط الصور ويلقي التحيات بين الحين والآخر. لم يقتصر الأمر على ذلك، فما إن خرج النائب جنبلاط عند انتهاء الجلسة، وهمّ بالصعود الى سيارته حتى سارع السفير الفرنسي إلى «وشوشة» جنبلاط للحظات غادر بعدها الأخير.
«ما عاش مين شافكم»
وكانت الجلسة استهلّت بقول الرئيس بري للنواب: »ما عاش مين شافكم مجتمعين، بعد أن قرع مطرقته إيذاناً بالجلوس. سبق ذلك سلامات ومصافحات حارة، تحمل الكثير من النفاق السياسي، فغياب الكثير من النواب عن الجلسات جعلهم نجوماً. محادثات كثيرة تمّت قبيل دخول بري، لا سيما بين نواب جبهة النضال الوطني وتكتل التغيير والإصلاح، الذين حرص النائب وليد جنبلاط الأول على إلقاء التحية عليهم فرداً فرداً، وتبادل القبلات مع النائب جيلبرت زوين.
كما سُجلت مصافحة بين الرئيس فؤاد السنيورة وكلّ مَن كان في طريقه من نواب من» 14 آذار» ووسطيّين، فمصافحة بين النائبين جورج عدوان وسليمان فرنجية.
ستريدا والأحمر
إلا أنّ حضور النائب ستريدا جعجع بالثوب الأحمر على خلاف عادتها بارتداء باعتماد اللونين الأبيض الأسود، من دون أن تعي أن دم الشهداء الأحمر الذين قتلهم جعجع سيحضر في الجلسة. ألقت التحية على غالبية النواب غير آبهة أقله في العلن إنْ كان هذا وذاك من النواب سيقترع لزوجها، أم سيصوّت ضدّه، حضورها المتألق نزل كالصاعقة على النواب، لا سيما أنها لا تدخل القاعة كعادتها إلا بعد أن يدخلها جميع النواب. ألقت التحية على رئيس تكتل التغيير والاصلاح الذي تجلس خلفه النائبة جيلبرت زوين، وعلى النواب آلان عون، ابراهيم كنعان، وسيمون أبي رميا، لتنتقل إلى ضفة، «14 آذار» وتلقي التحية على الرئيس فؤاد السنيورة، والنواب عمار حوري، فريد مكاري، أحمد فتفت وعماد الحوت.
«البناء» في القاعة
اختار النائب إميل رحمة إحضار عدد يوم أمس من صحيفة «البناء» معه الى القاعة… لا سيما أنّ رئيس تحريرها ناصر قنديل أعاد في افتتاحيته «نقاط على الحروف» التذكير بأنّ «البناء» هي أول مَن كشف عن مداولات في صفوف فريق 8 آذار لترشيح النائب رحمة، وانتقلت الصحيفة من يد إلى أخرى حيث تصفّحها نواب حزب الله، لا سيما علي المقداد وبلال فرحات، فيما كان رحمة يطلع النائب علي فياض على محتواها.
الجميّل يقبّل رأس عون
لم تخل الجلسة من فكاهة النائب سيرج طورسركيسيان الذي بدأها عند دخوله بمزاح مع «فخامة» النائب هنري حلو، ومن تقبيل النائب سامي الجميّل لرأس النائب آلان عون، ومن محاولة النائب هاغوب بقرادونيان خنق النائب أحمد فتفت، ومن جلوس النائب روبير فاضل إلى جانب النائب حسن فضل الله، وخلفهما النائب فادي الهبر ليتبادل الثلاثة الحديث فيما لم تفارق الابتسامة وجوههم.
قهوة المرعبي
كما شهدت الجلسة إحضار النائب معين المرعبي قهوته معه، ولهو النائب نديم الجميل بالـ iPad
وقبل توزيع أوراق الاقتراع على النواب ليكتبوا عليها اسم مرشحهم، علت أصوات من مقاعد الصحافيين: «دولة الرئيس: «أنا مرشحة ليتبيّن أنها نادين موسى. وتقف تريسي شمعون التي سلّمت على النائبين أسعد حردان وسليمان فرنجية لتبلغ الرئيس بري أنها مرشحة أيضاً. ورفعت يدها مراراً لتحصل على إذن بالتحدث ولم توفق. ويردّ عليها رئيس المجلس: «شرفي خلص شرفي».
وبعد ذلك طلب سيرج طور سركيسيان عن طريق المزاح من الرئيس بري إعطاء شمعون، بشارة ابي يونس، موسى وحلو، بعض الوقت للتعريف عن أنفسهم أو توزيع سيَرهم الذاتية C.v على النواب.
تريسي شمعون
وفي السياق، أكدت تريسي داني شمعون لـ«البناء» «أنّ على جعجع الانسحاب من المعركة الرئاسية، ونيله العفو العام لا يمحو الجرائم التي ارتكبها، وانتخابه يولد حرباً جديدة في لبنان». وإذ أعلنت رفضها وعائلتها لترشحه، أكدت أنّ ترشحها هو رمزي لكنه يؤكد أننا لن ننسى ماضي جعجع وتاريخه الأسود. وشدّدت على أنّ خيارات عمّها دوري شمعون الذي وصف «من انتخب طارق وداني شمعون «حمير»،لا تمثلها، فمبادئها تملي عليها أن تكون مسؤولة عن خيارات ولدها وإخواتها.