عايش الكليب… أحبّ التراث فحوّل منزله إلى معرض تراثيّ جميل
على مرّ العصور، تركت الحضارات المتعاقبة وراءها ما يدلّ على قيامها، وتوزّعت التركات بين الثقافة والعلوم والتراث. ولعلّ التراث اليوم من أكثر الأمور التي يمكن من خلالها رصد طبيعة الحياة في تلك العصور، ومعرفة كيفية المعيشة وسبل التطوّر، وما قدمته الشعوب من رصيد حضاري أغنى الوجود الإنساني.
وتعتبر منطقة الجزيرة السورية من أكثر المناطق التي تعاقبت عليها الحضارات الإنسانية، إذ تركت وراءها مؤشّرات على سرعة التطوّر والتكيّف التي رافقت تطوّر المنطقة وتحوّلها نحو الحداثة. إلا أن جميع المعطيات تشير إلى أن السكان السابقين كانوا يعتمدون بشكل رئيس على الزراعة.
عايش الكليب، الباحث في الموروث الشعبي والذي حوّل منزله في مدينة الحسكة السورية إلى متحف يحاكي عدّة عقود منصرمة، قال في حوار مع «سانا الثقافية»: أغرتني كثرة الأدوات التي خلفها أجدادنا في المنطقة لتكون نواة حقيقية لإعادة إحياء التراث الشعبي في منطقة الجزيرة. إذ بدأت في نُزل ريفيّ مستقل مصنوع من اللِّبن، ضمّ عدداً غير قليل من الأدوات المستخدمة في الحياة اليومية. وبعد تنامي هذا المتحف، دُعيت لإقامة معرض تراث شعبي في المركز الثقافي العربي في الحسكة عام 2005.
ويضيف الكليب: نُقلت مقتنيات المتحف إلى المعرض الذي استمر مفتوحاً لمدة 20 يوماً بحضور عدد من المهتمين في هذا الشأن. واحتوى المعرض «مصبّات» القهوة العربية بعمرها الزمنيّ وأشكالها المنوّعة وأحجامها المختلفة، ابتداء من «النفيلة» إلى الفنجان. وأيضاً «الجرجر» الذي يعتبر بمثابة «الحصادة» الحديثة اليوم، إذ شاركت هذه الآلة الإنسان ألمه ومتعته في تحصيل رزقه في الزراعة، إضافة إلى أدوات المطبخ القديمة مثل الصواني والقدور النحاسية وبعض الاعمال اليدوية كالسلال و«الزروب» التي كانت توضع في بيوت الشعر.
ومن المقتنيات التي يعرضها الباحث الكليب الزيّ الشعبي الريفي لأهالي المحافظة سواء أكانت نسائية أو رجالية، وزينة المرأة قديماً مثل «الحجول» و«الدندوش» و«النيرة» والخاتم والأساور وأنواع من الخرز الملون. وتعدّت المعروضات لتصل إلى بعض المنسوجات اليدوية كالسجاد والبسط ذات الاشكال الهندسية والألوان الجذابة المزينة بالرسومات والخطوط المركبة. إضافة إلى عرض أدوات النسيج والحياكة والتي تستخدم في صناعة المنسوجات مثل «المبرم» و«الدوك» و«الصيصاية»، وعرض مجموعة من الأدوات الزراعة اليدوية مثل «الكاروك» و«المسحاة» والمنجل و«الرحى» التي تستخدم لطحن القمح.
وعن القيمة التراثية للمعروضات ومدى قدمها الزمنيّ، أشار الكليب إلى أنه لم يتمكن أحد من العارفين وكبار السنّ من إرجاع صناعة هذه الأدوات واستخدامها إلى زمن بعينه، إلا أن جميع الباحثين يؤكّدون أنها انتشرت منذ أن عمل الانسان في الزراعة. وهذا ما يبيّنه وجود بعض الأدوات في كل المنازل. ومن هنا قرنها الباحثون بوجود الإنسان في المنطقة وعمله في الزراعة. مؤكداً أهمية هذا المعرض في التعريف بالتراث الشعبي لكونه يمثل ثقافة الفئات الشعبية الذي يجب الحفاظ عليه والاستمرار بالعمل الجاد لتوثيقه عن دراية. داعياً جميع المهتمين وبدافع أخلاقي وإنساني للتشبث بتراث وطننا العريق والمتنوع والحفاظ عليه.
ووجد الكليب دعماً واسعاً من الاصدقاء ومحبّي التراث وعشّاقه لجهة إقامة المعرض الذي يشكّل نواة لإقامة متحف متخصّص بعرض التراث المادي الذي يميّز محافظة الحسكة. مشيراً إلى أن عدداً من الفنانين والباحثين قاموا بالتجربة ذاتها، واحتوت منازلهم على عشرات القطع التراثية متنوعة الاستخدام ومنهم الفنان حسن العساف والفنان التشكيلي حسن الحمدان اللذين أسّسا في منزلهما كذلك متاحف للتراث الشعبي المادي.
يذكر أن الباحث عايش حسين الكليب من مواليد عام 1974، مهتم بإحياء التراث والبحث في فنون المأثورات الشفاهية في الجزيرة السورية إلى جانب الجمع والاقتناء والتوثيق. يحمل إجازة في التربية، ويعمل مخرجاً مسرحياً في دائرة المسارح والموسيقى، والأنشطة الفنية في تربية الحسكة، كما يعمل مصمّماً ومدرّباً لفرقة الفنون الشعبية، وأسّس فرقة تعمل على إحياء التراث وشارك في عددٍ من المعارض التي أقيمت داخل المحافظة وخارجها.