أيّاً تكن اللعبة التي تعتقد الرياض أنها تلعبها… عليها البدء بالتفكير جدّياً في التحدث إلى موسكو
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
«كان الملك عبد الله بن عبد العزيز ـ بالتأكيد ـ شخصية استثنائية. فقد كان أكثر ملوك السعودية ليبرالية وتقدّمية منذ الملك فيصل الذي حكم في أوائل السبعينات من القرن الماضي. وحظيت بفرصة لقائه مرّة، كان شخصاً عازماً بشدّة على نقل بلاده إلى الأمام. فالسعودية مجتمع محافظ، وظلّ يؤكد لي هذا، غير أنه كان واضحاً جداً في الاتجاه الذي أراده. إلا أن المقاومة من قبل الفصائل المحافظة عرقلت بعض جهوده، ما جعل النساء على نحو خاص يشعرن بالإحباط لعدم إحراز تقدّم نحو مزيد من الاستقلال لهن… المرّة الأخيرة التي حدث فيها انخفاض هائل في أسعار النفط بهذا الشكل، انهار الاتحاد السوفياتي، ومع ذلك فإن الملك سلمان رجل كفؤ للغاية. لا أتوقع حدوث تحوّل كبير، لكن سلمان يمثل تغييراً كبيراً، وسيتعين علينا أن نرى كيف سيكون الملك الجديد».
هذا بعضٌ مما قاله الكاتب والإعلامي الأميركي فريد زكريا لشبكة «CNN» الأميركية غداة رحيل العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز ومبايعة شقيقه سلمان خادماً للحرمين الشريفين منذ أسبوع.
يومذاك، ضجّت الصحف ووسائل الإعلام الأميركية في تملّقها أمام المملكة الذهبية، حتّى الرئيس الأميركي باراك أوباما، «زعّل» زوجته ميشيل وقطع رحلته إلى الهند، وأتيا على جناح السرعة إلى الرياض لتقديم التعازي بالعاهل الراحل، حتّى ميشيل أوباما ذاتها، نسيت أن ترتدي الأسود وشالاً يغطي ولو قليلاً من شعرها، فبقيت بفستانها الأزرق الفضفاض وطليقة الشعر ما عرّضها للانتقادات حتّى في الداخل الأميركي.
في التقرير التالي، ترجمة لما كتبه بيبي إسكوبار عن المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية والنفط، في تحليل شيّق كُتب عشية وفاة الملك عبد الله. وأيضاً مرورٌ كالعادة على نظرة «إسرائيل» إلى رحيل عبد الله بن عبد العزيز، وما يهمّها من العاهل الجديد وفريق عمله. ويتضمّن التقرير أيضاً بعضاً من خفايا إقصاء بندر بن سلطان من واجهة الحكم في مملكة الرمال، هذا قبل الإعلان رسمياً عن إقصائه.
البداية مع بيبي إسكوبار، الذي يخلص في مقاله إلى أنّ الفوضى لم تبدأ بعد كي نستطيع وصفها. لكن المؤكد، أنّه أيّاً تكن اللعبة التي تعتقد الرياض أنها تلعبها، عليها البدء بالتفكير جدّياً في التحدث إلى موسكو.
السعودية وروسيا
يجد آل سعود أنفسهم في ورطةٍ كبيرة. فحرب أسعار النفط المحفوفة بالمخاطر قد تأتي بنتائج عكسية ومن الممكن أن تتحول مسألة خلافة الملك عبد الله إلى حمام دم. فعلى الحامي الأميركي أن يتعايش مع فكرة التغيير.
ولنبدأ بالنفط وحفنة من المعلومات الشيقة حوله. فمن المعروف أن الإمدادات الأميركية قد ارتفعت إلى مليوني برميل من النفط يومياً، إضافةً إلى إنتاج كافٍ من إيران، ومن كركوك في العراق، في الوقت الذي أصبحت فيه ليبيا وسورية خارج المنافسة الإنتاجية ما سيعوّض الإنتاج الإضافي من النفط الأميركي الذي يُضخّ في الأسواق. وفي الأساس، فإن الاقتصاد العالمي لا يفتش ـ أقلّه في اللحظة الراهنة ـ على المزيد من النفط بسبب الركود الأوروبي والتباطؤ النسبي على مستوى الصين.
ومنذ عام 2011، أغرقت السعودية الأسواق لتعويض النقص في الصادرات الإيرانية التي سببتها العقوبات الأميركية الاقتصادية ضدّها. وعلاوةً على ذلك، فإن الرياض، منعت «أوبك» من خفض حصص إنتاج بلادها. وقد آمن آل سعود بقدرتهم على لعب دور المنتظِر بسبب استحالة الخروج من السوق وكلفتها العالية. فالسعوديون يؤمنون بقدرتهم على استعادة السيطرة على حصصهم في السوق وفي وقت قريب.
وفي موازاة ذلك، فإنه من الواضح أنّ آل سعود يستمتعون بـ«معاقبة» إيران وروسيا بسبب دعمهما بشار الأسد في دمشق. كما أنهم مرعوبون لمجرد التفكير بإمكانية قيام صفقة نووية بين إيران والولايات المتحدة، علماً أن تلك الـ«إذا» الكبرى قد تؤتي بانفراجات مهمة في المدى البعيد.
لكن طهران ـ على رغم ذلك ـ أبقت على تعنّتها وتحدّيها. في الوقت الذي لم تُعر فيه روسيا أيّ اهتمام بما يحدث من حولها، فانخفاض الروبل يعني أن إيرادات الدولة ثابتة لن تتغير، إذاً: لا عجز في الموازنة. أما بالنسبة إلى الشرق الآسيوي وعطشه للنفط ـ بما في ذلك الصين أكبر المستوردين من السعودية ـ فهو يستمتع بالطفرة ويستفيد منها في الوقت الراهن. ويؤكد محلّلون بارزون أن أسعار النفط ستبقى منخفضة جداً في الوقت الراهن. بينما تراهن نومورا على أن سعر برميل النفط سيعود إلى 80 دولاراً مع نهاية عام 2015.
معاقبة روسيا أو إقامة تمثال نصفيّ لها
في هذه المقابلة، يعترف الرئيس الأميركي باراك أوباما ـ علانية ـ بأنه يشجع على حصول اضطرابات في «أسعار النفط»، لأنه يتوقع أن يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «صعوبة هائلة في إدارتها». لذا، يستقر الجدال على حتمية حصول تواطؤ أميركي ـ سعودي لإيذاء روسيا، بعدما سمح وزير الخارجية الأميركي جون كيري وأيّد رفع الملك عبد الله في جدة إنتاج النفط والشروع في استراتيجية خفض الأسعار.
ولا يهم، ما إذا كان كيري قد باع الغاز الصخري الأميركي نتيجةً لجهله أو لعدم كفاءته، أو ربما للسببين معاً… فما يهمّ، ما إذا كان آل سعود قد أُمروا بالتراجع، وإذا كان كذلك، فعليهم التراجع بسرعة البرق ف«إمبراطورية الفوضى» تهيمن على دول الخليج الفارسي التي تعجز حتى عن التنفس من دون الضوء الأخضر الأميركي. وما يثير القلق بشكل كبير، أنّ الوضع الحالي في واشنطن لا يبدو أنه يسير في مسار إيجابي مع المصالح الوطنية والصناعية الأميركية. فإذا كان العجز العملاق في الميزان التجاري والذي يرتكز على تزوير العملة، أصبح غير كافٍ، إذاً، تتعرّض صناعة النفط حالياً في الولايات المتحدة إلى تدمير بوساطة مضرب أسعار النفط. أيّ محلّل عاقل سيفسّر هذا الواقع على أنه يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة الوطنية.
وفي كلّ الأحوال، حلّت اتفاقية الرياض على مسمع آل سعود برداً وسلاماً. فهي لطالما اتّبعت سياسة رسمية تسعى إلى خفض التنمية في جميع البدائل الممكنة للنفط، بما فيها الغاز الصخري للولايات المتحدة الأميركية. إذاً لمَ لا تُخفّض أسعار النفط، ويُحتفظ بها هناك لفترة طويلة كافية لرفع أسعار الغاز الصخري إلى حدود تفوق الخيال؟ لكن مشكلة كبيرة ستواجه المعنيين هنا. فالعائلة الملكية السعودية لن تحصل ـ ببساطة ـ على كفاياتها من عائدات النفط لدعم الموازنة السنوية عند أقلّ من 90 دولاراً للبرميل الواحد. لذلك، وبقدر ما سيكون الضرر الذي يلحق بإيران وروسيا جذاباً ومدغدغاً للآمال، بقدر ما ستتألّم جيوبهم الذهبية نتيجة لذلك.
تشير التوقعات طويلة الأمد إلى نوبات ارتفاع في أسعار النفط. فقد يُستبدل في حالات كثيرة، لكن ليس في محرّك الاحتراق الداخلي. فمهما كان ما تقوم به «أوبك»، فهي تحتفظ بحقها طلب النفط مقابل بدائل النفط. خلاصة القول: نعم، هذه هي التسعيرات الكاسرة المفترسة.
ومرةً أخرى، قد يكون هناك بدائل هائلة، حاسمة ومعقدة. وقد تكون السعودية إلى جانب دول الخليج الفارسي هي من أغرقت السوق ـ إنما غولدمان ساكس، جي بي مورغان وسيتي غروب الذين يقبعون في الظل، يأتون بأفعال دنيئة عبر اعتماد وسائل الاستدانة قصيرة الأجل.
إن أسعار النفط تبقى مسألة مبهمة يمتلك عنها أصحاب بنوك النفط بعض الأفكار حول من سيشتري ومن سيبيع النفط أو مشتقاته في المستقبل في ما يسمى «النفط الورقي». وإذا ما تناولنا عقود النفط المستقبلية في اثنتين من كبريات أسواق لندن ونيويورك اللتين تحتكران هذ العقود، لن تكون «أوبك» قاردة بعد الآن على السيطرة على أسعار النفط. بينما ستتمكن «وول ستريت» من ذلك. إنها حقاً لمعضلة كبيرة، تكمن خلفها أسرار كثيرة. قد يتوهم القيّمون على قصر آل سعود أنهم يستطيعون الإمساك بزمام الأمور. غير أنهم في الواقع لا يفعلون.
هذا الزواج المختلّ
وكأن كلّ هذا لم يكن فوضوياً بالقدر المطلوب، فقد خرجت مسألة الخلافة في البيت السعودي إلى العلن، مع مرض الملك عبد الله، 91 سنة، والذي أُدخل إلى المستشفى في الرياض ليلة رأس السنة بسبب التهاب رئوي. يبدو أن الإصابة بسرطان الرئة هو سرٌ لطالما بقي مختبئاً في أروقة القصر السعودي، لكن من المرجّح ألاّ يصمد طويلاً. فقد يكون الملك عبد الله «مصلحاً متقدماً»، لكن هل يساعدنا هذا بالتنبؤ عمّا نريد معرفته عن المملكة العربية السعودية؟ وهل نحن نقصد بذلك «حرية التعبير»؟ لا بدّ أننا نمزح.
إذاً، من هو الذي سيخلف الملك عبد الله؟ أول المرشحين للتربع على عرش الخلافة هو الأمير سلمان، وزير الدفاع، 79 سنة. حكم الرياض طوال 48 سنة. إنه هو الصقر الذي أشرف على جمع التبرّعات «الخاصة» للمجاهدين الأفغان إبان الثمانينات، جنباً إلى جنب مع دعاة الوهابية المتشدّدين. أما الأمير فيصل، إبن سلمان، فهو حاكم المدينة المنورة، وغنيّ عن البيان أن أسرة سلمان تسيطر تقريباً على كافة وسائل الإعلام السعودية.
وكي يتجرّع سلمان هذه الكأس المقدّسة، عليه أن يثبت أهليته لها. وقد نجا بالفعل اثنان من أولياء عهد عبد الله: نايف وسلمان. لكن آفاق سلمان تبدو قاتمة فقد أُخضع لعملية جراحية في النخاع الشوكي، كما تعرّض لخطر السكتة الدماغية، وقد يكون يعاني الآن من الخرف.
وممّا لا يبشر بالخير، أنه بُعيد ترقية سلمان إلى نائب وزير الدفاع لم يلبث أن تورّط ـ مع بندر ـ في اللعبة «الجهادية» الفظيعة في سورية. وفي جميع الأحوال، فللأمير سلمان وليّ للعهد وهو الأمير مقرن، رئيس الوزراء الثاني، الحاكم السابق للمدينة المنورة، ورئيس الاستخبارات السعودية. ومقرن مقرّبٌ جداً من الأمير عبد الله، ويبدو أنه الإبن الوحيد المتبقي لإبن سعود، ويوصف بـ«القادر»، والقادر هنا تعبير مجازي. وستبدأ المشكلة الحقيقية حين يُتوّج الأمير مقرن ولياً للعهد. إذ سيتم اختيار خليفته من أحفاد إبن سعود حيث ستتعالى صيحات الأقارب. لكن الجيل الثالث من الأمراء جيلٌ سيءٌ جدّاً، ومن أبرزهم ـ متعب ـ 62 سنة، وهو إبن الملك عبد الله وتماماً كأمراء الحرب، تخضع زمرة من الحرس الوطني لأمرة متعب. وكنت قد عرفت من بعض مصادري الخاصة في الرياض إشاعات تفيد بأن عبد الله ومقرن كانا قد عقدا صفقة: يتوّج عبد الله مقرن ملكاً على البلاد في مقابل تنصيب متعب ولياً للعهد. إنها أحد الأسرار العميقة المحيطة بدهاليز القصر السعودي، والتي ينطبق عليها الشعار الهوليوودي الشهير: «لا أحد يعرف شيئاً».
ينتشر أبناء عبد الله في كلّ مكان حاكم مكة نائب حاكم الرياض نائب وزير الخارجية رئيس جمعية الهلال الأحمر السعودي. كذلك الأمر بالنسبة إلى أبناء سلمان. لكن هناك أيضاً محمد بن نايف ـ نجل الراحل وليّ العهد الأمير نايف ـ الذي عُيّن وزيراً للداخلية عام 2012، ومسؤولاً عن الأمن الداخلي، وهي مسألة حساسة جداً. إنه المنافس الأبرز لمتعب بين الجيل الثالث من الأمراء.
إذاً، فلْننسَ كل ما له علاقة بـ«وحدة» هذه العائلة، فحين يتعلق الأمر بالنهب والاستفادة، تصبح أولويات البلاد مجرّد مسرح يمرح على خشباته الممثلون من العائلة المالكة. ومع ذلك، فإن من يرث هذه المسروقات سيُضطرّ إلى مواجهة الهاوية، من مثل الاعتداد الشديد بالنفس ارتفاع معدلات البطالة عدم المساواة الرهيب الانقسام الطائفي الفظيع الجهادية بكافة أشكالها ـ وليس أقلّها «الخليفة ابراهيم» على رأس تنظيم «داعش» في العراق والشام، والذي يهدّد بالزحف إلى مكة والمدينة جنون العظمة غير المحدود تجاه إيران مجلس شورى من علماء لم تعهد لهم ظلمات القرون الوسطى مثيلاً الجلد، بتر الأعضاء، الذبح الاعتماد الكلي على النفط وعلاقة متهاوية مع أسيادهم في الولايات المتحدة.
لكن، متى يُستدعى الفرسان؟
ويحدث أن الحقيقة ـ ويا للسخرية ـ أن «أسياد الكون» القابعين في محور واشنطن نيويورك، يناقشون تحديداً تآكل هذه العلاقة وكما في القصر الملكي حيث لا إمكانية لمناقشة أحد إلّا «الدمى»، بدءاً من بوش وتوابعه وصولاً إلى كيري في غالبية الأحيان. وقد يؤكد هذا التحليل الذي بين أيدينا أن الوعود التي قطعها كيري للسعودية حول «التعاون» للإطاحة بالاقتصاد الروسي… مجرد كلام على ورق.
تشير قرقعة «سادة الكون» على هذه المعمورة، إلى أن وكالة الاستخبارات الأميركية، ستتحرك عاجلاً أم آجلاً ضدّ العائلة المالكة في السعودية. ولن يكون في وسع المملكة ـ والحال هذه ـ للبقاء على قيد الحياة، سوى مدّ جسور الصداقات مع موسكو. ما يكشف، مرة أخرى، أن الاستمرار في السير بمسار إيذاء الاقتصاد الروسي، يشكل حالة انتحار حقيقية للمملكة السعودية.
وكما أن أيّ مراقب خارجي للوضع السعودي الداخلي يجد أنه يواجه واقعاً ضبابياً لا يستطع فكّ رموزه، فهناك البعض الآخر من المحلّلين الذين يؤكدون أنهم مدركون تماماً ما يفعلون. لكن ليس بالضرورة أن يكونوا كذلك. فالعائلة الملكية يبدو أنها تعتقد أنها كلما عملت على إرضاء المحافظين الجدد في الولايات المتحدة كلما استطاعوا تحسين واقعهم في واشنطن. لكن هذا لن يحدث بكل بساطة. إذ يبقي المحافظون الجدد على هوسهم بإمكانية مساعدة السعودية باكستان في تطوير ترسانتها النووية ومن المتوقع ـ وهذا خبر مفتوح على التوقعات والتكهنات ـ أن يكون بعضٌ منها قد دخل الأراضي السعودية لـ«أغراضٍ دفاعية» تحسّباً لأيّ «تهديد» إيراني محتمل.
«الفوضى»؟ لم تبدأ بعد كي نستطيع وصفها. لكن هناك أمر واحد مؤكد فأيّاً تكن اللعبة التي تعتقد الرياض أنها تلعبها، عليها البدء بالتفكير جدياً في التحدث إلى موسكو. لكن أرجوكم، لا ترسلوا بندر بوش مجدداً على رأس البعثة الروسية.
السعودية بانتظار «إسرائيل»
كتب سمدار بيري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية في الخامس والعشرين من الجاري:
لقد انبعثت مبادرة السلام العربية التي تقترح «سلاماً عربياً كاملاً مقابل انسحاب «إسرائيلي» كامل قبل 13 سنة في ظروف غريبة. والآن بالذات، مع تغيير الحكم في القصر الملكي في الرياض والانتخابات المقتربة عندنا، نوصي بالمراجعة في ما إذا كان ما يمكن عمله بالخطوة التي لم تنطلق أبداً: فقد بذل السياسيون منذ 13 سنة جهوداً كبرى للفرار من مبادرة السلام العربية بذريعة أنهم «لم يتشاوروا معنا».
وإليكم المفاجأة: مع انصراف واضع المبادرة وجد رئيسان، روبي ريفلين وسلفه شمعون بيريز من الصواب التمجيد بشخصية الملك عبد الله السعودي. فقد وصفه ريفلين كـ«شخصية قدوة وزعيم متزن ومسؤول في منطقتنا». أما بيريز فيشدّد على أننا «فقدنا زعيماً حكيماً ومجرّباً»، ويذكر في الوقت نفسه أيضاً «خسارة السلام».
في شباط 2002 نال كاتب الرأي الأميركي توماس فريدمان تشريفاً ملكياً حين دعي إلى وليمة لدى الملك عبد الله في الرياض، حين كان ولي العهد والملك الفعلي. وكتب فريدمان يقول إن الحديث دار حول فرص السلام في الشرق الاوسط. واقترح فريدمان على عبد الله وضع «إسرائيل» في الاختبار. ففاجأه محادثه قائلاً: «وكأني بك نبشت في جواريري. فقد وضعت خطة سلام ثورية سأعرضها في قمة الجامعة العربية في لبنان».
وقد استمع فريدمان إلى التفاصيل وثارت حماسته. وفي الغداة أدار مفاوضات في مكتب ولي العهد كي يسمحوا له بالكشف عما سمعه «بغير الاقتباس»، وألقى قنبلة: «السعودية تقود خطوة لم يشهد لها مثيل، تقوم على أساس معادلة ملزمة إسرائيل تلتزم بالانسحاب و57 دولة عربية وإسلامية تضمن السلام والتطبيع الكامل».
في القدس قرأوا وذهلوا. فخطوات السلام التي تأتي من الطرف العربي، مثلما في حالة مصر، الأردن واتفاقات أوسلو، تعتبر عندنا بمثابة المؤامرة الشريرة. وبعد نحو شهر، عندما اجتمع زعماء العالم العربي، تقرّرت لرئيس الوزراء شارون مقابلة تعقيب في قناة «الجزيرة». ووصل الفريق إلى مكتبه، وأطلع المستشارون شارون على ما جرى أمام الكواليس ووراءها في بيروت. وقد صدرت المبادرة، وصوّت الحكّام بالاجماع، لكن وزير الخارجية السعودية أضاف تفاصيل مقلقة: «هذه رزمة ليس لإسرائيل الحق في الجدال فيها. إما أن يوافقوا أو أن نعيد الخطة إلى الجارور». والمعنى: حق العودة للاجئين من دون الاشارة إذا كانوا سيعودون فقط إلى المناطق أم إلى «إسرائيل» أيضاً ، تقسيم القدس وانسحاب كامل من الضفة، من هضبة الجولان ومن مناطق موضع خلاف في لبنان.
شارون الغاضب ألغى المقابلة. المبادرة السعودية التي نالت مصادقة أخرى في القمة العربية في الرياض في 2007 ركلت. كان صعباً أن ينتزع من السياسيين «الإسرائيليين» ردّ فعل ـ نعم أو لا ـ لخطوة يمكنها أن تخرج «إسرائيل» من العزلة المحلية والاقليمية، وتفتح أسواقاً وتجلب مستثمرين أجانب وسيّاحاً مقابل إزالة المستوطنات. وصاغ واضعو «مبادرة جنيف»، تعديلات وترميمات، ووقّع عشرات الجنرالات في الاحتياط على عرائض تأييد، فيما واصلت القدس الصمت. ومن الجهة الاخرى، انضمّ الاردن وتجنّدت مصر لإقناع أصحاب القرار والرأي العام عندنا في أنه «يوجد ما يمكن الحديث فيه». وفي 2011 تشكلت حركة «إسرائيل تبادر» لدفع الخطوة السعودية إلى الامام. ليس هكذا يصنع السلام، وبّخوهم.
ومع اليد على القلب: كم من الناس كلفوا أنفسهم عندنا عناء قراءة الصيغة الكاملة النصّ ليس طويلاً، لا بل هناك موجز أيضاً لمبادرة السلام السعودية؟ في النص المعدل، كما هو هام التشديد، كتب صراحة أنّ كل خطوة ستتم كما يتفق عليه بين الطرفين. بمعنى أن الاطراف المعنية، لا سيما الفلسطينيون وأسيادهم، الاردن، مصر والسعودية ـ سيجلسون حول الطاولة إلى أن يتوصلوا إلى صيغة متفق عليها. حتى اليوم لم نضعهم قيد الاختبار. فأصحاب القرار يواصلون الفرار. أفراد فقط فكروا بالامكانية الكامنة.
الملك في السعودية مات ولكن المبادرة حية. من يعرف ما يجري خلف الكواليس يعرف أنّ الشريك ينتظر رنين الهاتف.
خلفيات إقالة بندر
اعتبر موقع «ديبكا» العبري نقلاً عن مصادر أميركية وسعودية، أنّ إقصاء الأمير بندر بن سلطان، مستشار الأمن القومي في السعودية ومدير الاستخبارات، والمُعارض الأساسي للتقارب الإيراني ـ الأميركي، والسياسة الاميركية في شأن الازمة السورية، يشكّل خسارة لرئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو.
ولفت «ديبكا» إلى أنه سابقاً، تم التداول بمعلومات تشير إلى أن الأمير بندر أقام علاقات سرية مع الاستخبارات «الإسرائيلية»، وكان يدير التفاهمات بين «إسرائيل» والسعودية في شأن الخطوات التي يمكن اتخاذها ضدّ إيران. ومن المتوقع بعد إبعاده، أن يتوقف التنسيق بين الاستخبارات في السعودية و«إسرائيل».
واختفى بندر عن الساحة السياسية منذ منتصف شهر كانون الثاني، مع أنه كان من المقرّر أن يتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية لتنسيق زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية والمرتقبة في الأسبوع الأخير من آذار المقبل. لكن بندر لم يصل إلى واشنطن، ولا أحد في الرياض مستعدّ للإجابة عن الأسئلة حول مكان وجوده.
كما رأى الموقع «الإسرائيلي» أنّ بندر تخطّى الأميركيين من خلال توفير الأسلحة والمال لـ«المتمرّدين» السوريين الذين ينتمون إلى الميليشيات الإسلامية. وكان القوة الدافعة وراء تشكيل «ائتلاف الجبهة الإسلامية» الذي هزم الشهر الماضي «الجيش السوري الحرّ» المدعوم من واشنطن.
ووفق مصادر خليجية، فإن بندر يدفع ثمن فشل السعودية في سورية. فقد وعد الملك الراحل عبد الله بأنه سيهتم بموضوع إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. لم يفشل فقط في تحقيق هذه المهمة، بل أثار مشكلة بين الإدارة الاميركية والعرش السعودي حول مسألة الأزمة السورية.
واعتبر موقع «ديبكا» أنّ الدليل الرئيس لإسقاط بندر، غيابه عن الاجتماع السرّي الذي عقد مؤخراً بين رؤساء الاستخبارات في الشرق الأوسط للتنسيق مع واشنطن في شأن مواقفهم من الحرب في سورية.
وحضر الاجتماع خصمه الاساس في الموضوع السوري، الأمير محمد بن نايف، وزير الداخلية السعودي، المفضل في البيت الأبيض والصديق المقرّب لوزير الخارجية جون كيري ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان.