مدارات قراءة في معاني الزيارة «التاريخية» لأوباما إلى السعودية
خضر سعاده خرّوبي
رغم أنّ الهدف المعلن لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى السعودية وهو التعزية بوفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز، إلا أنّ حجم الوفد المرافق لأوباما الذي اعتبر الأكبر في تاريخ علاقات البلدين، أعطى الزيارة ما يتجاوز الطابع البروتوكولي مع الإشارة إلى أنه ضمّ شخصيات «ديمقراطية» و«جمهورية».
والمفارقة الأهم التي تحملها الزيارة هي أنها تأتي في سياق قضايا خلافية موروثة بين واشنطن والمملكة منذ العهد السابق وما زالت تتفاعل حتى اليوم، كالملف النووي الإيراني، والحرب على الإرهاب، وغيرها من قضايا أثارت هواجس العائلة المالكة في السعودية من تخلي الحليف الاستراتيجي عنها، كتلك المتعلقة بالاكتشافات النفطية الهائلة في أميركا والجو الذي أشاعته تحليلات عن هكذا سيناريو. ويقرأ الخليجيون عموماً، في التجربة المصرية الماثلة دروساً مؤلمة في هذا الصدد.
وما أسرّه الملك سلمان للرئيس الأميركي الذي لم يُخفِ عزمه على المضي قدماً في الانفتاح على إيران في الأشهر المقبلة، يؤكد مدى القلق الذي يذهب إليه المسؤولون السعوديون عندما يتعلق الأمر بنوايا طهران وواشنطن. وفي مواقف سابقة، لطالما انتقد مسؤولون سعوديون «الإشارات المربكة» التي تبديها الخارجية الأميركية في شأن المسألة النووية في المنطقة معتبرين أنها «غير مقبولة».
ومع تواتر أنباء عن رسائل عدة وجهها أوباما لمرشد الثورة الإيرانية، و«الاجتماعات النووية» في سلطنة عمان، بالإضافة إلى لقاءات جنيف الأخيرة، تتعزّز هواجس السعوديين من الطرفين وتزداد، بموازاة مناخ تفاوضي يبدو مؤاتياً لاتفاق بينهما تعارضه الرياض، في وقت لا يظهر فيه ما يوازي موقفها حدة في هذا الشأن سوى ما تعبِّر عنه «إسرائيل» والكونغرس الأميركي بزعامة الجمهوريين. ووفقاً لخبراء، فإنّ العلاقات الأميركية ـ السعودية تبدو منذ سنوات وكأنها تسير بقيادة طيار آلي. ففي حين لم يكن يحدث الكثير، كانت هناك على الدوام دلائل على وجود مشكلات.
ويلاحظ ديفيد أوتاواي مؤلف كتاب «رسول الملك: الأمير بندر بن سلطان والعلاقات الأميركية المتشابكة مع السعودية»، أنّ الدولتين «تتحدثان عن حوار استراتيجي، وهو مصطلح دبلوماسي يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومتان تعتقدان أنهما صديقتان أم عدوتان»! وتستعاد أحداث 11 أيلول وما مثلته من «نقطة تحول» وصولاً إلى ما ما نتج من احتلال العراق وما تراه الرياض تحولاً تاريخياً في المنافسة السياسية بين السنّة والشيعة في المنطقة، للتعقيب بالقول إنّ «العلاقة الخاصة» التي تجمعها مع الولايات المتحدة أصبحت أكثر «طبيعية» من كونها «خاصة».
ولا يمكن كذلك، في أي حال من الأحوال إبقاء التطورات المتعلقة بالاكتشافات النفطية والغازية داخل الولايات المتحدة الأميركية في منأى عن هواجس دول الخليج في شأن العلاقة مع واشنطن، ويُعتبر «الأداء» السعودي في سوق النفط رسالة احتجاجية متعدّدة الوجهات في المدى الجغرافي بدءاً من روسيا إلى فنزويلا، وصولاً إلى طهران وحتى واشنطن.
صحيح أنّ استقالة المملكة من دور «المنتج المتأرجح» آلم بشدة خصوم السعودية الإقليميين والدوليين، ولكنه يطاول أيضاً حلفاءها لما يضعه من عراقيل أمام خيار المزيد من الاستثمار في النفط الصخري الذي ينظر إليه الخليجيون على أنه المتهم الأساسي في «استدارة» الأميركيين عنهم استعداداً لـ «القرن الباسيفيكي».
وتشكل الاختلافات في القراءة والرؤية تجاه الاستراتيجية المناسبة لمحاربة الإرهاب في المنطقة أحد عناصر التباين الأميركي ـ السعودي. وعلى ما يبدو فإنّ الرئيس أوباما، وفي اتساق تام مع النهج الأميركي البراغماتي، الراسخ التقاليد، راح يوائم بين قناعاته الشخصية الواعية بحدود استخدام القوة دولياً، وبين ما تسمح به موازين القوى على الساحة الإقليمية والدولية.
فعلى رغم أنّ «التحالف الدولي» المعلن لمكافحة الإرهاب استبعد كلاً من دمشق وطهران المتضررتين منه، إلا أنهما وفي ظلّ وجود حلفاء إقليميين لن تتردّدا في خوض حرب شاملة دفاعاً عن وحدتهما ووجودهما، وتبدو واشنطن التي تقود هذا التحالف غير قادرة على استثماره ضدّ أعدائها، وهي بالتالي مضطرة للخوض في مسار انفتاحي معهم وفي طليعتهم الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تفعيل مسار الحرب ضدّ التنظيمات الإرهابية كـ «داعش»، في وقت تصرّ دول الخليج على أنّ التنظيم هو صنيعة الحكومة السوري.
يعترف أوباما للسعوديين بأنّ ثمار استراتيجيته لمكافحة الإرهاب، المنتقدة خليجياً، لن تكون آنية، في حين لا تتوافر معطيات يمكن القياس أو الاستناد اليها توحي بتغيير مرتقب في مقاربة الرئيس الأميركي لها، مع ضرورة القول إنه حريص في الوقت عينه ألا يخسر حلفاءه النفطيين.
وتؤخذ في الاعتبار غالباً دراسات عديدة، بعضها «إسرائيلية»، وتشير إلى وجود جانب حقيقي لما يقال عن إعادة تقييم الولايات المتحدة لاستراتيجيتها وللدور الوظيفي لحلفائها الإقليميين الرئيسيين في المنطقة كـ»إسرائيل» ودول عربية «معتدلة»، فيما هناك من يشدّد على أنّ توجه أوباما إلى المملكة إنما هو لاستثمار الفرصة التي لا تزال سانحة لترميم الثقة بين بلاده وبين السعودية التي كانت في نظر غالبية الأميركيين حتى وقت قريب «مجرد خزان وقود».
من الأهمية بمكان، القول إنّ الخطوات الأولى للملك السعودي الجديد، الذي يستبعده مراقبون من خانة «الصقور»، توحي بجديد واختلاف، مع توقعات بألا يحيد عن نهج الاستمرارية والاستقرار الحاكم لسياسة بلاده، وذلك ربطاً بسير العهد الجديد خلال فترة وجيزة بعد «الزيارة التاريخية» في تغييرات شملت مناصب سياسية وأمنية رفيعة المستوى وصفت بالأوسع في تاريخ المملكة، وتأكيداً على ما تتناوله الصحف عن تجديد الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، في ضوء ما تحبذه إدارة أوباما في فترتها الثانية من خيارات تيسير أو تعسير في ملفات المنطقة والعالم. أما بالنسبة إلى السعودية، فلا شك أنّ مشهد البوارج متعدّدة الجنسية في منطقة الخليج يبرز حاجتها إلى المظلة الأمنية الغربية حتى إشعار آخر.