الإرهاب في خدمة الصهيونية…
جمال العفلق
في حسابات الربح والخسارة بين العرب والكيان الصهيوني منذ بداية الصراع بينهما، لم تنجح «إسرائيل» عملياً، في عدوان إلا من خلال تجنيد العصابات الإرهابية التي تخدم طموحاتها وتطلعاتها في استنزاف مقدرات الدول وقتل الأبرياء، في مسعى دائم منها إلى إشغال الحكومات وتعطيل أي مشروع أو عمل يهدف إلى النهوض بالأمة.
استغلت العصابات الإرهابية الانتماء الديني والمذهبي بأبشع الصور، فكانت تقدم خدمة كبيرة للمتطرفين في الغرب بتصوير الدين على أنه دين قام على القتل ولا يبقى إلا بقتل الناس. فصورة الإسلام اليوم تعكسها تنظيمات إرهابية لا تمتّ إلى الدين بصلة ولا يمكن للعقل البشري قبول أفعالها. ولا يمكن إغفال دعم الرجعية العربية لهذه التنظيمات وتمويلها وتسهيل تجنيد الشباب فيها خدمة لمصالحها الخاصة أولاً، وفي نفس الوقت خدمة للهاجس الأكبر لدى الكيان الصهيوني وهو «أمن إسرائيل».
إنّ مهمة «جبهة النصرة في سورية هي تأمين منطقة تحمي الجنود الصهاينة في الجولان السوري المحتل، وتسعى «إسرائيل» من خلال «النصرة» إلى الالتفاف على المقاومة في جنوب لبنان لكشف ظهرها وقطع طرق الإمداد عليها، وفي نفس الوقت تصبح «الجبهة» مصدر خطر دائم على العاصمة السورية، بحيث تكون دمشق تحت تهديدها كلّما طلبت «إسرائيل» منها ذلك.
أما بالنسبة إلى «داعش» فلديه مهمة أخرى في السيطرة على منابع النفط في العراق وسورية وكذلك التحكم بمجرى نهر الفرات ومنع الزراعة في المنطقة، وخصوصا أنّ تلك المناطق تعتبر مصدر الغذاء ومصدر اقتصادي مهم لسورية.
الدور نفسه تقوم به هذه التنظيمات الإرهابية في لبنان، وهي موجودة اليوم على أرض سيناء بهدف انتزاع شبة الجزيرة من مصر بما يؤمن لها منطقة واسعة جغرافياً تضمن فيها «إسرائيل» أمنها وتستطيع التحكم بالشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، وذلك من خلال إخضاع المنطقة لهذه العصابات التي وجدت لنفسها مسوغاً لضرب الجيش المصري وإدخال مصر في حرب طويلة مع الإرهاب تختلف عن سابقتها بأنها أصبحت مواجهة عسكرية مباشرة، على عكس ما كان يتم سابقاً من خلال عمليات انتحارية تستهدف المنشآت الاقتصادية والمناطق السياحية لضرب الاقتصاد المصري.
لم تجد جامعة الدول العربية ما تقوله بعد العملية الإجرامية التي نفذتها «إسرائيل» على أرض القنيطرة، وفي المقابل سارعت هذه الجامعة إلى استنكار العملية النوعية التي نفذتها المقاومة في مزارع شبعا، بالإضافة إلى الذين يدّعون حرصهم على المنطقة وأمنها بمهاجمة «حزب الله» من دون الأخذ بعين الاعتبار أنّ الحزب ردّ على عدوان ولم يعتدِ.
لا ننكر أنّ حربنا طويلة مع الكيان الصهيوني، لكن لدينا حرباً أكثر شراسة مع ممثلي هذا الكيان من تنظيمات إرهابية وسياسيين وصحافيين وإعلاميين يسوقون لجرائم الصهيونية ويقلبون المفاهيم لدى جمهورهم بأنّ المقاومة عار وأنّ الخضوع هو الذي يعطي الحياة، وأنّ احترام المعاهدات والقوانين الدولية هو واجب علينا فقط، أما «إسرائيل» فلا يجب أن نطالبها باحترام تلك المعاهدات، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك بأن تمنى النصر للصهيونية حتى وإن كان المستهدف شريكه في الوطن.
فهل نحتاج بعد ذلك كله إلى إثباتات بأنّ الإرهاب الذي لبس اليوم رداء الربيع العربي لا يخدم إلا الصهيونية العالمية ويسهل عليها مهمتها في تقسيم الشرق الأوسط ؟ وهل هناك من يصدق أنّ «إسرائيل» التي تربي أجيالاً على أنّ قتل العرب هو واجب وضروري لبقائها تريد السلام للمنطقة؟
إنّ ما قاله أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير هو القول الفصل للتخلص من هذه الجماعات، فلا يمكن أن نقبل اليوم بقواعد اشتباك مفروضة علينا، وإنّ حقنا سيظلّ محفوظاً في الردّ ما دام هناك من يعتدي علينا.