البنك الدولي: انخفاض أسعار النفط يعزز النمو في لبنان ويخفض الأكلاف
توقّع تقرير البنك الدولي الصادر أخيراً في الموجز الاقتصادي الفصلي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن ينعكس انخفاض أسعار النفط ومشتقاته إيجاباً على لبنان وبخفض فاتورة العديد من الأكلاف فيه خصوصاً الفاتورة الكهربائية. كما سيعود بالنفع على المستهلكين ويعزز النمو.
وتطرّق التقرير إلى انحسار التوترات السياسية في المنطقة بعض الشيء، لا سيّما مع تمديد المحادثات النووية بين إيران ومجموعة خمسة زائداً واحداً، وتوصل الحكومة العراقية وإقليم كردستان إلى اتفاق على حل نزاع بشأن الموازنة وتوزيع عائدات تصدير النفط، لافتاً في الوقت نفسه إلى الصعوبات التي لا يزال كلّ من لبنان، واليمن، وليبيا يواجهونها في الحفاظ على حكومات فاعلة تؤدي وظائفها.
إلا أنّ أكثر التطورات أهمية بحسب التقرير، هو انهيار أسعار النفط في الأسواق الدولية بكل ما تعنيه الكلمة، حيث وصلت إلى مستوى أقلّ من 50 دولاراً للبرميل لخام برنت في أوائل كانون الثاني، وانخفضت 50 في المئة عن ذروتها في منتصف حزيران 2014.
ولفت التقرير إلى أنّ البلدان المستوردة «ستشهد تحسُّناً في موازين معاملاتها الجارية من خلال انخفاض فواتير الواردات، وفي موازين ماليتها العامة بفضل انخفاض تكاليف دعم الوقود التي يصل بعضها إلى 10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي ، بينما «قد تتضرر اقتصادات البلدان المُصدِّرة للنفط، إذ يُدر النفط أكثر من نصف إيرادات موزانتها وعائدات صادراتها».
وافترض أن يبلغ سعر النفط في المتوسط 65 دولاراً للبرميل للبرميل من الخام أو 78 دولاراً من مستوى أعلى وأرتكز في ذلك إلى التحليل والمقارنة .
وأشار التقرير إلى أنّه من المتوقع أن يكون الأثر الكلي على اقتصاد لبنان إيجابياً. فمن جانب المالية العامة، ستتحقَّق وفراً كبيراً يأتي معظمه من انخفاض مدفوعات الحكومة لشركات الكهرباء. ومن المحتمل أن يشهد ميزان المدفوعات أثراً صافياً مؤاتياً لأن تراجع واردات الطاقة سيطغى أثره على نقصان تحويلات المغتربين. ويحيط الغموض بالأثر على القطاع الحقيقي، إذ إن انخفاض أسعار المنتجات البترولية سيعزز الاستهلاك الخاص من ناحية، لكن تراجع تحويلات المغتربين اللبنانيين في البلدان المنتجة للنفط قد يُضعِف هذا الاستهلاك من ناحية أخرى.
وبفضل انخفاض أسعار النفط، سيتحسَّن وضع المالية العامة للبنان الذي يتسم بأوجه ضعف هيكلية. ومن المُتوقَّع أن يزداد العجز الكلي لموازنة الحكومة المركزية إلى 10.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2014 صعوداً من 9.4 في المئة من الإجمالي عام 2013. ومن المنتظر أيضاَ أن تُسجِّل البلاد عجزاً أولياً في المالية العامة في 2014 وذلك للسنة الثالثة على التوالي ليصل إلى 1.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وتشير التوقعات بحسب التقرير إلى أن الدين العام الإجمالي سيصل إلى 149 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في نهاية 2014. وسيكون الأثر الأولي لانخفاض أسعار النفط من خلال المدفوعات لشركة كهرباء لبنان. وفي الماضي، لم تُستخدم المدفوعات الحكومية لشركة كهرباء لبنان لأغراض الاستثمار. وقد تراجعت طاقة توليد الكهرباء بينما ازداد الطلب. وتبلغ طاقة توليد الكهرباء حالياً 2019 ميغاوات بالمقارنة بالطلب وقت الذروة البالغ 3195 ميغاوات، وهو ما يؤدي إلى انقطاعات يومية للتيار يجري في العادة التعويض عنها بإمدادات من موردين من القطاع الخاص. وكبَّد هؤلاء المُورِّدون المستهلكين تكلفة إضافية كبيرة تعادل ثلاثة أمثال مستوى رسوم شركة كهرباء لبنان، وهو ما أثنى السلطات عن رفع رسوم الكهرباء التي كانت ثابتة منذ عام 1996 حينما كان سعر النفط 25 دولاراً للبرميل . ونتيجة لذلك، لا تُغطِّي الشركة سوى جزء ضئيل من تكاليفها، الأمر الذي خلق عجزاً مزمناً تجرى تغطيته من خلال مدفوعات مباشرة من الحكومة بلغت في المتوسط 3.9 في المئة من إجمالي الناتج المحلي خلال السنوات العشر الماضية. وترتبط هذه المدفوعات بأسعار النفط، ويبلغ معامل الربط 0.4 منذ عام 2005. وفي السنوات القليلة الماضية، كانت أسعار النفط مرتفعة بشكل غير معتاد، وهو ما أدَّى إلى زيادة المدفوعات الحكومية لشركة كهرباء لبنان التي بلغت في المتوسط 4.7 في المئة من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2011. وسيكون لانخفاض أسعار النفط أثر إيجابي على وضع المالية العامة من خلال تقليص المدفوعات إلى الشركة، وإن كان بعد تأخير يتراوح من ستة أشهر إلى تسعة بالنظر إلى هيكل التعاقدات الجارية مع مُورِّدي زيت الوقود وزيت الغاز.
ميزان المعاملات الجارية
على رغم التأثُّر الشديد للبنان بالبلدان المصدرة للنفط من خلال تحويلات المغتربين والاستثمارات، نظراً لوضعه كمستورد صاف كبير للنفط، فمن المتوقع أن يتحسَّن ميزان مدفوعات هذا البلد. وتشير التنبؤات إلى أن عجز ميزان المعاملات الجارية سيحوم حول ثمانية في المئة من إجمالي الناتج المحلي عام 2014، وهي نفس نسبته في العامين السابقين. والعامل الرئيسي في هذا الوضع هو عجز كبير في الميزان التجاري بلغ في المتوسط 34 في المئة من إجمالي الناتج المحلي منذ عام 2010. ولأن لبنان مستورد صاف للنفط فإن وارداته من الطاقة عامل رئيسي من عوامل العجز التجاري الذي بلغ في المتوسط 8.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي خلال الفترة نفسها. وفضلاً عن ذلك، فإنه لتلبية احتياجات ميزان المدفوعات، سيظل لبنان معتمداً على التدفقات المالية الداخلة، التي يأتي جزء كبير منها عن طريق تحويلات المغتربين، وتعادل نحو 6.5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي متوسط السنوات 2010-2013 . وتتأثّر تحويلات المغتربين أيضاً بسعر النفط، لأن جزءاً كبيراً من هذه التحويلات يأتي من الجالية اللبنانية الكبيرة في منطقة مجلس التعاون الخليجي. وهذه المنطقة أيضاً مصدر مهم لدخل الكثير من مؤسسات الأعمال اللبنانية.
وفي وجه عام، من المتوقع أن يكون لانخفاض أسعار النفط أثران يعوضان بعضهما بعضاً على ميزان المدفوعات في لبنان. الأول إيجابي ينشأ عن انخفاض واردات الطاقة، والثاني سلبي يرجع إلى انخفاض متحصِّلات الدخل، وتتوقَّف المحصلة النهائية على المرونة النسبية لواردات الطاقة ومتحصلات الدخل بالنسبة لسعر النفط. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن المرونة النسبية لواردات الطاقة ومتحصلات الدخل بالنسبة إلى أسعار النفط تبلغ 0.25 و0.12 على الترتيب للفترة كانون الثاني 2010- تموز 2013. ونظراً لأن واردات الطاقة أيضاً أكبر من متحصِّلات الدخل، فإن هذا ينبئ بأن انخفاض أسعار النفط سيكون له بوجه عام أثر إيجابي في ميزان المدفوعات.
النمو والتضخم
أما الأثر المتوقع في النمو يكتنفه الغموض وسيتوقَّف على طول مدة انخفاض أسعار النفط وتوقعاتها. وسيعود هبوط أسعار النفط بالنفع على المستهلكين، ويُعزِّز النمو، بافتراض ثبات العوامل الأخرى، لكن من ناحية أخرى قد تتعرض تحويلات المغتربين من البلدان المنتجة للنفط لضغوط إذا استمر انخفاض أسعار النفط فترة طويلة. وستتراجع معدلات التضخم الأساسي مع انخفاض أسعار النفط.