لقاء موسكو… اختراق قابل للتطوير؟!
د. تركي صقر
نصبت واشنطن وأتباعها وأدواتها كمائن عديدة للحيلولة دون نجاح موسكو في عقد لقاء للمعارضات السورية والحكومة، رغم ادعائها دعم الجهود الروسية، وانتظرت فشل الكرملين بفارغ الصبر. ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي الألاعيب الأميركية، وانعقد لقاء موسكو ونجحت الديبلوماسية الروسية في ما فشل الآخرون، وكانت هذه الدبلوماسية بمنتهى الحكمة والواقعية والتواضع لأنها لم تضخم الآمال المعقودة على اللقاء ووضعته تحت عنوان اللقاء التشاوري.
وجاءت نتائج اللقاء مشجعة حيث فتحت ثغرة في جدار الستاتيكو السميك أمام الحلّ السياسي للأزمة المستعصية في سورية، بل فتحت طريق الألف ميل بخطوة سجلها الجانب الروسي، غير آبه بكلّ الألغام والفخاخ التي زرعوها في طريقه.
نقول نجحت موسكو في ما فشل الآخرون، إذ لا يخفى أنّ إدارة أوباما كانت طوال السنوات الماضية، وكما وصفها أقرب المقربين، بطة عرجاء في الداخل والخارج وفاشلة بامتياز، وخصوصاً في سياستها الخارجية فلا هي عملت على إراحة العالم من شرور تدخلها المباشر وتأجيجها لأزماته كما وعدت، ولا نجحت في حلّ أي أزمة من أزماته، بل فاقمت هذه الأزمات وخلفت وراءها دماراً في الدول والبلدان التي مرت عليها، حتى يمكن كتابة أنّ واشنطن مرت من هنا على خرائط بلدان عديدة كالصومال وليبيا وأفغانستان والعراق والبحرين والساحات السورية واللبنانية والفلسطينية وحتى الساحة الأوكرانية. فالإدارة الأميركية تعمل على إطالة أمد الأزمات وليس حلها وهي لا تزال توزع شرورها يميناً وشمالاً من خلال « داعش «وغير» داعش» من التنظيمات الإرهابية التي أضحت بمثابة جيوشها الجديدة.
وبالنسبة إلى الأزمة في سورية، فقد بات واضحاً أنّ إدارة أوباما لا تريد الحلّ إلا إذا جاء كما ترغب وتشتهي وإلا لن تدخر أسلوباً أو وسيلة، مهما كانت قذرة، من أجل تعطيله. هكذا تعاملت مع الجهود الروسية التي أفضت إلى انعقاد ملتقى موسكو واتبعت مواقف مزدوجة كما هي عادتها في حالات عجزها واحتراق أوراقها على الأرض. فمن جهة، أطلق وزير خارجيتها جون كيري تصريحات بتأييد المسعى الروسي، ومن جهة أخرى راحت الأصابع الأميركية تخرِّب هذا المسعى وتضع الألغام في طريقه، فعمدت في الخفاء إلى إعطاء الأوامر إلى أدواتها من الذين وجهت إليهم الدعوات بالمقاطعة، مع أنّ بعضهم كان قد أعلن موافقته على المشاركة، وأرفقت ذلك بحملة تشكيك وتشويش واسعة من ناحية، وحملة تعتيم إعلامي من ناحية ثانية، لكي يبدو الملتقى هزيلاً ولا يحظى باهتمام أحد وبالتالي لا قيمة له ولا للجهود المبذولة من أجله.
ولعلّ التناقض الصارخ في الموقف الأميركي تجلى أكثر ما تجلى في ما تقوم به واشنطن من فتح معسكرات تدريب للإرهابيين في السعودية والأردن وتركيا لما تسميهم المعارضة المعتدلة، في الوقت الذي تدعي فيه أنها تدعم الجهود الروسية للحلّ، فضلاً عن تجاهلها لاستمرار تسليح التنظيمات الإرهابية وتمويلها من قبل السعودية وقطر وغضّ النظر عن الدعم المتواصل من تركيا لـ«داعش» و«النصرة»، ضاربة عرض الحائط بقراري مجلس الأمن الدولي 1270 و1278 المتخذين تحت الفصل السابع لتجفيف منابع الإرهاب وإلزام دول كالسعودية وقطر وتركيا بوقف دعمها للأنشطة الإرهابية وخاصة في العراق وسورية، ما يؤكد أنّ عمل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» بقيادة واشنطن ليس أكثر من جعجعة بلا طحين ولا يتعدى الأعمال الاستعراضية الدعائية.
وحسب آخر تصريح للناطق باسم البنتاغون، لم تسترجع ضربات التحالف خلال أكثر من أربعة أشهر سوى 1 في المئة مما تسيطر عليه «داعش»… هذه حصيلة هزيلة لتحالف من عشرات الدول الأقوى في العالم، الأمر الذي يكشف عدم مصداقية وجدية الإدارة الأميركية في محاربة الإرهاب.
لقد أنهى ملتقى موسكو، مهما كانت نتائجه متواضعة، انفراد القوى المعادية للشعب السوري بفرض وقائع سياسية عجزت عن تحقيقها عسكرياً وهو تسليم من واشنطن وجوقتها بالدور الروسي ولو إلى حين.
تكتسب النقاط العشرة التي تبلورت في نهاية مشاورات موسكو أهمية خاصة، لجهة تأسيسها قاعدة ستكون مرتكزاً لأية لقاءات قادمة، ولجهة رسمها إطاراً من القواسم والمشتركات بين مختلف أطياف المعارضات السورية للخروج من الأزمة. وفي مطلق الأحوال شكل ملتقى موسكو التشاوري خرقاً قابلاً للتطوير والتكرار، كما مثل أول محاولة جادة وصادقة على أيدٍ أمينة لفتح الطريق أمام حلّ بطعم سوري قابل للحياة.
tu.saqr gmail.com