هل توقف الحكومة التفاوض مع «النصرة» بعد تفجير دمشق؟
محمد هاني حميّة
بعد إعدام «جبهة النصرة» الجندي المخطوف محمد حمية في التاسع عشر من أيلول الماضي أعلن رئيس الحكومة تمام سلام موقفاً حاسماً من عين التينة بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قائلاً: «لن نفاوض جبهة النصرة في ملف المخطوفين العسكريين فيما القتل قائم، بل المفاوضات تبدأ بوقف القتل». وأكد حينها أنّ «خيارنا المواجهة بقرار موحد خلف الجيش والقوى الأمنية ولن نتنازل للإرهابيين عن أيّ شيء».
بعد إعدام الجندي حمية استمرّت «جبهة النصرة» بتصعيدها ضدّ الجيش اللبناني وضدّ الحكومة اللبنانية وضدّ الشعب اللبناني وأجبرت الحكومة من جديد على الموافقة بتكليف وسطاء للتفاوض معها والذين تعهّدوا بإجبار «النصرة» على وقف قتل ايّ من العسكريين المخطوفين.
الجمعة 5 كانون الأول الماضي، أعلنت «جبهة النصرة» عن إعدام الجندي المخطوف علي البزال. كذلك لم ينفذ رئيس الحكومة تهديده بوقف التفاوض إذا استمرّ القتل!
لم تبقَ «النصرة» في دائرة قتل العسكريين المحتجزين لديها فحسب، بل وسعت نطاق جرائمها الإرهابية لتشمل جمهور المقاومة وزواراً مدنيين لبنانيين عزّلاً. فقد استهدفت «النصرة» أول من أمس حافلة تقلّ زواراً لبنانيين الى المقامات الدينية في سورية ما أسفر عن استشهاد ستة منهم وجرح أكثر من 15 آخرين في منطقة الكلاسة عند مدخل سوق الحميدية في العاصمة دمشق.
«جبهة النصرة» لم تكترث للحكومة ولا لرئيسها ولا للتفاوض لإنجاز صفقة التبادل، بل سارعت الى الإعلان عبر «تويتر» عن تبنّي العملية الانتحارية التي استهدفت الباص، وكشفت أنّ المنفذ هو الإرهابي «أبو العز الأنصاري».
بعد هذه العملية الإرهابية، اكتفى سلام بالتنديد بالاعتداء الذي وصفه «بالعمل الهمجيّ المدان»، فيما نسي أو ربما تناسى موقفه غداة إعدام الجندي حمية بأنّ الحكومة ستوقف التفاوض مع «النصرة» إذا استمرّ القتل، فها هي المفاوضات مستمرّة وتحت غطاء الحكومة نفسها بوسطاء يعملون خلف شعار الحيادية، فيما «النصرة» تهدّد وتقتل وتعدم وتفجر وتعلن ذلك على الملأ.
جريمة الكلاسة أيضاً برسم النائب وليد جنبلاط الذي نزع صفة الإرهاب عن الجبهة، مبرّراً للإرهاب جرائمه، وذلك في حديثه الشهير لقناة «أو تي في» في 15 م تشرين الأول الماضي بقوله: «إنّ داعش ظاهرة تملأ الفراغ، و«جبهة النصرة» والجيش الحرّ ليسا عدوين، أنا لا أعتبر جبهة النصرة إرهابية وهم مواطنون سوريون».
تساؤلات تطرح حول موقف الحكومة ورئيسها في التعامل مع ملف الإرهاب في لبنان عموماً وملف العسكريين المخطوفين خصوصاً. فلماذا الإصرار على التفاوض مع «جبهة النصرة» التي تصنف إرهابية وموضوعة على لوائح الإرهاب الأميركية والدولية، كفرع لتنظيم «القاعدة» في سورية، وفي لبنان، فيما ترفض الحكومة وحتى الآن التواصل مع الحكومة السورية وترفض الإعلان عن أيّ تنسيق معها ولو كان أمنياً فقط!
تفجير دمشق الإرهابي وإعلان «جبهة النصرة» تبنّيها له، يضعان الحكومة أمام امتحان صعب في أول اجتماع لها، فهي مطالبة من الشعب اللبناني بإعلان موقف واضح وصريح من الجبهة ومن التفاوض معها ومن موقع الضعف!
وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس وفي اتصال مع «البناء» لاستيضاحه عن موقف الحكومة ورئيسها من تصعيد «جبهة النصرة» في ظلّ استمرار تفاوض الحكومة معها في ملف العسكريين المخطوفين، رفض التعليق مكتفياً بإدانة التفجير ومعتبراً أنّ الإرهابيين يزعمون زوراً انهم ينصرون الله، وأنّ التفجير الذي حصل يجب أن يقوّي ويدعم الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، لأنّ الجريمة تستهدف كلّ الأحياء والحوار هو حوار الأحياء ضدّ أنصار الموت، معتبراً أنّ الأهمّ من الاستنكار هو الوعي لأننا لا نتوقع إلا الشرّ من هؤلاء الإرهابيين لأن لا منطق يحكمهم سوى منطق التوحش.
وعن موقف الرئيس سلام من هذا الأمر وهو الذي هدّد سابقاً بوقف التفاوض مع «النصرة» إذا استمرّت في عمليات القتل رفض درباس التعليق أيضاً قائلاً: «لست المرجع الصالح لأتحدث في هذا الموضوع ولا أعرف شيئاً ومن يعرف لا يتكلم والحكومة تعطي ملء الثقة للذين يتولون هذا الملف ونحن لا نطلع إلا على ما يريدون إطلاعنا عليه».