قواعد الاشتباك
شهناز صبحي فاكوش
قواعد الاشتباك… مصطلح استخدمه سيد المقاومة اللبنانية على أنه تَغَيَّرَ بعد الاعتداء الصهيوني الأخير على القنيطرة، فكان اختباراً سقطت فيه «إسرائيل» سقوطاً مريعاً أحلّ عليها الويلات، من القلق والفزع والرعب لدى جميع أوساطها…
تورّط «الإسرائيليون»… بل وضعوا أنفسهم في النير الضيّق، لم يتعلّموا من دروس سابقة، وفي كلّ مرة يحاولون فيها إظهار قوّتهم كانوا يقعون في المحظور.
الغطرسة الصهيونية في أنّ جيش الكيان لا يقهر، أو أنه الأقوى، تبدّدت وتهشّمت قدرته أمام رجال الله في الميدان.
منذ تشرين 73 انتهت أسطورة التفوّق الصهيوني، ورغم أنها استطاعت تحييد الجبهتين المصرية والأردنية، إلا أنها فشلت مع سورية ولبنان.
ظهرت المقاومة على الجبهة اللبنانية، خير ردّ بعد اجتياح العدو الصهيوني ووصوله إلى مشارف بيروت. وزفت ضمن باكورة أسماء شهدائها سناء محيدلي اللبنانية القومية السورية الاجتماعية، وألماظة خليل البعثية السورية.
تنامت المقاومة وازدهرت، حتى اتخذها حزب الله فلسفة وثقافة وعقيدة، أخذت سورية بمجامع المقاومة وتبنّتها ثقافة ومنهجاً. واثقة أنها لا بدّ تحتاج ظهيراً قوياً حتى تستطيع إنجاز عملياتها على الأرض. فكانت الظهير الحامي والسند المتين.
أنجزت المقاومة انتصاراً مؤزّراً عام 2000 وأهدته إلى حامي المقاومة القائد حافظ الأسد. ولما جاور الراحل ربّه الكريم، صرّح العدو أنه لو علم لما انسحب من جنوب لبنان.
كأنه انسحب اختياراً! هرب مدحوراً يجرّ أذيال هزيمته، تحت ضربات المقاومة. مما عطف التاريخ عملياً، نحو تسجيل انتصارات في مواجهة العدو الصهيوني، على المسار اللبناني ـ السوري، بتلازم قوة الظهير إلى جانب قوة المقاومة على الأرض.
منذ ذاك التاريخ تغيّر مفهوم قواعد الاشتباك، فهو ليس بالمصطلح الجديد. فما عادت حرب الجيوش النظامية مجدية، لأنّ الكيان أصله عصابات إرهابية تجمّعت وتخفّت باسم جيش، تدعمه عناصر أميركية وغربية. قاتلت معه على أنها يهودية ضدّ العرب.
قواعد الاشتباك تعني عمليات عسكرية بعيداً عن حياة المدنيّين، هذا في العرف العسكري. إلا أنّ عدوّنا غادِرٌ بطبعه. فمن وُجِدَ من الإرهاب لا يعيش إلا عليه.
أغار الصهاينة عام 2006 على لبنان، دمّروا الجنوب ضربوا المدنيّين. تجاوزوا خطوط النار وقواعد الاشتباك. ولكن النصر كان في النهاية حليف المقاومة ثانية.
رغم الدمار الكبير وتخلي العرب، وطلب بعضهم من العدو الاستمرار للقضاء على المقاومة. والتآمر عليها جهاراً نهاراً، والتصريح بالتخلي لصالح العدو الصهيوني. بلا أيّ رادعٍ أخلاقي، وتنكّرٍ للعروبة، انتصرنا…
صدر القرار 1701 من الأمم المتحدة، خرقته «إسرائيل» كثيراً وضربت مواقع سورية بحجة أنها تدرّب وتموّل المقاومة اللبنانية. وغارات على لبنان استطلاعاً.
دخل العدو الصهيوني بشكل واضح وسافر في الأزمة السورية، وأثبت أنه جزء من المؤامرة. وضخ أدواته وأعوانه في الساحة السورية، وبدأ يستقبل جرحاهم في مشافيه ويزورهم نتنياهو بكلّ الصفاقة.
عملاؤهم في الداخل السوري، ضمن الإرهابيين. يرفعون بمنتهى العهر أصواتهم بشكر العدو الصهيوني، لاعتدائه على مركز البحوث في دمشق. ويزورهم اللبواني على أنه جزء من المعارضة التي تستنجد بهم. والحقيقة هم خدّامها وزبانيتها.
أية معارضة هذه التي تبيع الوطن إلى أعدائه، ما الفرق بينهم وبين بلفور وهرتزل، أولئك أسّسوا الصهيونية، وزرعوا كيانها السرطاني على أرضنا. وهؤلاء هم الوجه الآخر لذات الصورة ولكن تجاه وطنهم سورية. وهنا الخيانة الشيطانية العظمى.
من هنا اقتضى أن تمتدّ المقاومة في عملياتها العسكرية ضدّ العدو الصهيوني أينما وجد على كامل الساحتين السورية واللبنانية، بدءاً من القصيْر إلى حيث يتواجدون.
المقاومة اللبنانية والسورية توأم في مواجهة العدو الصهيوني. وهذا ما يؤكده الخطاب السوري، وأكده مؤخراً السيد حسن نصر الله… أنّ جبهة الجولان وجنوب لبنان على امتداد واحد.
تهوّرت «إسرائيل» مرة أخرى مستهدفة عناصر من المقاومة في القنيطرة، وبدأت تحاول الاعتذار، ويذروها القلق من كيفية مكان وزمان الردّ.
استنفر الكيان قواته على طول الخط الأزرق في الجولان، متحسّباً لكيفية القصاص والردّ. ما زرع فيه الرعب من الغموض الذي لحقه بعد تهوّره.
جاءه الردّ الصاعق من شبعا لبنان، وصدر البيان رقم واحد، من المقاومة اللبنانية التي تبنّت العملية فوراً. الجميع ينتظر البيان رقم اثنين، متى أين وكيف؟ يتلفتون…
خرج السيد نصر الله ليعلن تغيّر قواعد الاشتباك. ما أقلق الكيان الصهيوني. وجعل الإدارة الأميركية، تطلب من الكيان ضبط النفس وعدم الردّ.
الأمر الذي جعل حكومة بني صهيون، تعلن أنها ستحتوي الردّ ولن تقوم بأي عمل ضدّ المقاومة. ولكنها ما زالت قلقة من إيران، بعد استشهاد ضابطها ضمن شهداء القنيطرة. وهي تعلم أنّ ردّ المقاومة ما زال مفتوحاً، فالحسابات كبيرة وثأر مغنية كبير…
قلق يقضّ مضاجع «الإسرائيليين» ، خاصة أنّ أوباما لا يتماهى مع الحكومة الصهيونية، ولم يستقبل نتنياهو. وصرّح باستعمال الفيتو ضدّ أيّ قرار لفرض عقوبات جديدة على إيران. وهو لن يوافق على أيّ ردّ «إسرائيلي» يستهدف المدنيين لأمر عسكري.
المقاومة اليوم تغيّر قواعد الاشتباك وفق أرض المواجهة، من خلال العمليات العسكرية. فهي ليست نصاً مكتوباً، بل تحدّدها المقاومة بما يناسبها.
في الساحة السورية الجيش البطل يسجل انتصاراته، ضدّ الإرهاب الداعشي المدعوم أردوغانياً ووهابياً و«النصرة» المحتضنة صهيونياً. ما يجعل تفوّقه قوة ضاغطة للوصول إلى طاولة التفاوض، بخسران الأصيل حيث يتلاشى الوكيل.
الكيان الصهيوني وقع في خطأ استراتيجي قاتل عندما تورّط في عملية القنيطرة، لأن نتائجها انعكست عليه كارثة وخيمة. هو المحاصر من جبهة الجنوب السوري ومن لبنان وغزة والداخل الفلسطيني.
لن يفيد نتنياهو تهوّره ورعونته، وليفني تعمل ضدّه والمعارضة «الإسرائيلية». وأوباما يدير له ظهره. فليتلقّ الصهاينة ومعهم و«داعش» و«النصرة» وكلّ الجماعات الإرهابية. الجيش العربي السوري بقيادة الرئيس الأسد، والمقاومة بقيادة السيد نصر الله، ومنظومات الدفاع المحلي جميعها بالمرصاد.
الجميع يعلم أنّ ثمن النصر تضحيات وشهادة، نذر أبناء الوطن أرواحهم لها. وتفجير مدنيّي حافلة النقل في حي الكلاسة بدمشق قبل أمس وكلّ ما سبق يدخل في الحساب.