ازدواجية وتناقضات في الآراء… ووقاحة وفجور…
د. سمير صبّاغ
هو زمن الازدواجية والتناقضات في الآراء والقرارات. فمنذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، انقسمت البلاد عمودياً بين فريقين: فريق متحالف مع إيران وسورية، يشكل مع المقاومة محور الممانعة في المنطقة، وآخر يدين بالولاء، كلّ الولاء، للإرادة الخارجية وينتظر التعليمات والتوجيهات من الدول الغربية والخليجية، ويمكث أهمّ أقطابه في السعودية التي تدعم هذا الفريق بكلّ ما أتيح لها من قوة معنوية ومالية.
هذه المملكة نفسها تدعم العديد من التنظيمات الإرهابية التكفيرية التي تقاتل في سورية، رهاناً منها، على أنّ ذلك الدعم يسقط النظام السوري. إنّ الحرب السورية والتي جرى التخطيط لها عالمياً، نتج عنها بروز تنظيمات إرهابية تحت مسمّيات مختلفة، فكان لا بدّ لهذه التنظيمات أن تنتقل إلى بلدان الجوار وإلى أبعد من الجوار، إلى قلب أوروبا التي أسهمت في رفد التنظيمات الإرهابية التكفيرية بالسلاح والعتاد والمقاتلين، وها نحن نشهد اليوم ارتدادهم إليها حاملين الإرهاب والفوضى يبثون الخوف والذعر في مجتمعاتها.
أما في لبنان، فيواجه اللبنانيون جيشاً وشعباً ومقاومة، أخطاراً كبيرة بسبب البؤر الأمنية المتفجرة في الشمال والبقاع والجنوب مخيم عين الحلوة وجواره التي تستنزف جيشه. نجح اللبنانيون، بالتضامن في ما بينهم، في تخطي بعضها، بعد معركة طرابلس الأخيرة ومعركة رأس بعلبك منذ أيام، بينما ما زالت بعض امتدادات الأزمة تزرع القلق في نفوسهم، لا سيما بعد اختطاف الجنود اللبنانيين في عرسال، واحتلال منطقة لبنانية بأكملها من قبل الجماعات الإرهابية، رغم ما يحكى عن رغبة أميركية في توطيد الاستقرار في ربوعه.
اقتصادياً، انعكست تداعيات الأزمة على معظم القطاعات في لبنان، وخصوصاً القطاع الزراعي حيث بات التصدير إلى الدول العربية، عبر البوابة السورية، أمراً في غاية الصعوبة. فالشاحنات المتوجهة نحو البلاد العربية والمحمَّلة بالمحاصيل الزراعية، تزدحم بها الحدود السورية اللبنانية، بسبب الإجراءات الأمنية المشدّدة، مقابل إجراءات مماثلة مع السوريين القادمين إلى لبنان.
إنّ هذا الأمر يستدعي من السلطات اللبنانية التفكير ملياً بمصلحة لبنان في ذلك، لا مجرد التفكير بمصالح ضيقة لأطراف سياسية لا تأخذ في عين الاعتبار مصالح الدولة العليا، وفي هذا المجال، لا يسعنا إلا أن نتذكر ونشيد بحكمة الرئيس الراحل سليمان فرنجية عندما رفض الموافقة على اتخاذ إجراءات حيال بعض السوريين قائلاً: لا أستطيع لأنهم، أي السوريين، سينزِّلون «الخشبة»، أي إقفال الحدود بين البلدين.
كلّ ذلك لم يُقنع الحكومة ذات الـ «24 رئيساً» بضرورة التواصل والتنسيق مع الدولة السورية، أقله في ما يعود بالخير على لبنان، في الوقت الذي يطمح فيه اللبنانيون إلى أفضل العلاقات مع كافة الدول العربية، اللهم إلا إذا كانت بعض القوى السياسية تخشى أن يؤدي التنسيق مع سورية إلى عودة شبح ما تسمّيه «عهد الوصاية»، بعدما كان معارضو التنسيق مع سورية من أبطال وفرسان الوجود السوري، يتسكعون على أبواب مخابراته متسولين مناصب ومقاعد نيابية ووزارية.
إنّ ما يؤكد أنّ الازداوجية في القرارات والسياسات باتت أمراً واقعاً هو زحف الفريق نفسه الذي يرفض التواصل مع سورية، إلى الرياض لتجديد أوراق اعتماده من خلال تقديم واجب العزاء وهو أمر إنساني شريف بوفاة الملك عبد الله ، فينطبق عليهم المثل القائل: «يا كثرة أصحابي لما كان كرمي دبس ويا قلة أصحابي لما كرمي يبس». فهل يعقل أن ترفض دولة يقاتل جيشها بإمكانيات محدودة عدواً شرساً يحتلّ مساحات شاسعة في سورية والعراق، التنسيق مع جيش عربي هو عدو عدوها؟ ماذا يضرّ لبنان لو تعاون مع الجيش السوري الذي يقاتل العدو نفسه لوضع هذا العدو بين فكي كماشة؟
تتجسّد الازدواجية أيضاً، في كثرة الامتنان والشكر الذي يسمعه اللبنانيون على كلّ الشاشات تجاه السعودية ومليكها الحالي والسابق، فيما ما زالوا ينتظرون هبة الثلاث مليارات دولار التي لم يصل منها، حتى الساعة، إلا ما يُروى عن مبالغ السمسرات والعمولات التي دُفعت لمسؤولين لبنانيين. هبة قيل أنها تتضمن أسلحة ومعدات تساعد الجيش اللبناني على محاربة الإرهاب التكفيري وتوأمه الإرهاب الصهيوني. فهل ستصل هذه الأسلحة بعد سنة أو سنتين عندما تكون المعركة قد انتهت؟ أم أنّ هذا السلاح سيصل قريباً، إلى أيدي الجنود الذين يستبسلون في مواجهة العدو والذين يستشهد منهم كلّ يوم خيرة الشباب على يد الإرهابيين؟
أبلغ دليل على ما نقول هو قول الرئيس تمام سلام: «مش ماشي الحال».