هل هي استقالة من أجل اليمن؟
جمال الكندي
بعد أن حاصرت اللجان الشعبية وقوات أنصار الله محيط القصر الرئاسي اليمني، ثم انسحبت منه بعد يوم واحد، لتعيد الوضع كما كان عليه قبل 19 يناير، أعلن الرئيس عبد ربه منصور هادي استقالته. فماذا يعني كلّ ذلك؟
أراد أنصار الله واللجان الشعبية توجيه رسالة إلى الداخل والخارج عبر حراكهم الأخير، مفادها أنّ اليمن أصبح بعد اتفاق السلم والشراكة في يد اليمنيين، وأنّ زمن الوصاية والأوامر الخارجية انتهى بلا رجعة. انتهى بعد الحراك الشعبي الذي صحّح مسار الثورة اليمنية، وتوّج هذا التصحيح باتفاق السلم والشراكة الذي أعاد شرائح معينة من المجتمع اليمني، كانت مهمّشة في ما مضى، إلى العمل السياسي اليمني لتصبح ركناً مهماً من أركانه. ومن أجل المحافظة على هذا المكتسب وقعت الأزمة بين الرئاسة اليمنية وأنصار الله وحلفائهم. فماذا عن استقالة الرئيس هادي؟ وهل هي من أجل الوطن؟
أراد الخليجيون خلال اجتماعهم الأخير في السعودية أن يُعيدوا اليمن إلى وصايتهم والتذكير بأنّه اليمن لا يزال حديقتهم الخلفية، لذلك اعتبروا ما حصل في صنعاء انقلاباً على الشرعية قامت به اللجان الشعبية مع أنصار الله. وفي الواقع، فإنّ ما قامت به هذه اللجان وأنصار الله هو تذكير بسيط للسلطة الحاكمة في اليمن بأنّ هناك اتفاقاً وُقّع بين الفرقاء السياسيين هو اتفاق السلم والشراكة الذي ينصّ على إشراك كلّ الشرائح اليمنية في صناعة القرار السياسي في البلاد. وتدلّ سرعة الاتفاق بين الرئاسة اليمنية وأنصار الله ومَن حالفهم على أنّ قوة الحراك الشعبي في اليمن كبيرة، وقد فوّت هذا الاتفاق على أعداء اليمن فرصة تصوير المشكلة على أنها مشكلة إيديولوجية ذات طابع مذهبي، وتحاول دول كبرى إضفاء الصبغة الطائفية على الأوضاع في اليمن لكي تبدو أنها ليست ذات طابع وطني.
إنّ نسف الاتفاق الذي وقع بين الرئيس هادي والانقلابيين، حسب التوصيف الخليجي، قبل أن يجف حبره، والذي ذكرت فيه المطالب الأربعة للجان الشعبية وأنصار الله، يدلّ دلالةً واضحة على أنّ هناك أيدٍ داخلية وخارجية، ولا نقول خفية فهي باتت معروفة لدى الجميع، لا تريد الخير والاستقرار لليمن.
إنّ الحراك الشعبي الأخير كان شعاره اليمن لليمنيين ومصلحة اليمن فوق الجميع، ما أزعج بعض الدول التي تصدّر الإرهاب إلى اليمن وغيره من دول الجوار، ويزعج الأميركي الذي يُعتبر اليمن مهماً بالنسبة إليه، بسبب الموقع الجغرافي، وهو بالتالي لا يريده أن يخرج عن سيطرته أو أن يكون من ضمن دول محور المقاومة في المنطقة، وما امتعاض واشنطن من توقيع الاتفاق إلا دليلاً على محاولات أميركا وأعوانها في المنطقة هدم اتفاق السلم والشراكة الذي يعتبر صفعة قوية لمن كان يريد أن تبقى اليمن لعبة في يد الآخرين وساحة للنزاعات الطائفية.
وقع الرئيس اليمني الاتفاقية مع أنصار الله وبدأت الأمور تعود إلى ما كانت عليه، والاتفاقية هي نفسها اتفاقية السلم والشراكة وتحمل روح الاتفاقية القديمة، لذلك لم يكن هناك خيار من قبل الرئيس هادي إلا الموافقة عليها لأنّ بنودها هي نفسها البنود القديمة مع الذكير بالمطالب الأساسية وهي البنود الأربعة. فماذا حصل بعد زيارة المبعوث الأممي إلى اليمن؟ ولماذا قدم الرئيس اليمني بعدها استقالته التي تلت استقالة رئيس وزرائه ؟ أهو أمر جديد جاء من الخارج بجعل اليمن ساحة صراع وفراغ سياسي؟ أم هي استقالة من أجل اليمن؟ أو أنّ شخصية الرئيس هادي أقل من أن تكون حاكمة لهذا البلد الذي تعصف به رياح الإرهاب و القبلية والتبعية للمحرك الخارجي؟ أترك الإجابة عن هذه الأسئلة المحيرة برسم من يقرأ هذا المقال.
إنّ الوقت قد حان لكي يفهم الجميع أنّ اتفاق السلم والشراكة أوجد واقعاً جديداً في اليمن. واقعٌ عنوانه أنّ زمن التهميش الذي كان في الماضي لبعض المكونات السياسية في اليمن السعيد قد أفل وانتهى، وأنّ اليمن الجديد اليوم هو الذي تتشارك فيه جميع المكونات اليمنية في إدارة شؤون البلد.
لذلك أجدّد القول إنّ اتفاق السلم والشراكة هو الخط الأحمر ومن أجل المحافظة عليه حصلت هذه الأزمة الأخيرة، بعد أن حاولت الحكومة التنصل منها لكنها لم تنجح في ذلك لأنّ من يدعم الاتفاقية هو شعب اليمن الذي تعب من القبلية والطائفية والمحسوبية وهو يريد الكرامة والحرية، ولا بدّ لمن يحمل هذا اللواء أن يكون مدافعاً عن كلّ اليمنيين بكلّ مكوناتهم. فهل نأسف لاستقالة هادي ونرجو رجوعه؟ أم أنّ هنالك شخصية أخرى جديرة بحكم اليمن تحمل مواصفات توحّد اليمن تحت مظلة الوطن التي لا تميز بين شمالي وجنوبي أو سني وشيعي أو قبيلة وأخرى. فهل نرى ذلك قريباً في اليمن؟