إيران عشية ذكرى الثورة: «إسرائيل» إلى زوال
هتاف دهام
عشية الذكرى السادسة والثلاثين للثورة الإيرانية في الحادي عشر من شباط عام 1979، كلام كثير يُقال في ما تحقق خلال السنوات الـ35 الماضية، على مختلف المستويات، ما جعل إيران اليوم دولة إقليمية عظمى، بل على المستوى العالميّ.
ولعلّ أهمّ الإنجازات يتمثل في أنّ إيران الثورة انتقلت من ضفة إلى ضفة، ففي حين كانت أيام الشاه دولة شرق أوسطية أساسية في المحور الأميركي، إلى جانب دول الخليج العربي وتركيا و«إسرائيل»، باتت اليوم في المقلب الآخر، وصارت أحد أهمّ عناوين المواجهة مع المحور الآنف ذكره، حيث تعدّ الراعي الأبرز والداعم الأكبر لمحور الممانعة والمقاومة في المنطقة.
ولم يعد القول بأنّ «إسرائيل إلى زوال» مجرّد شعار فارغ المضمون، بل تدلّ كلّ المؤشرات إلى أنّ زمن تطبيق الشعار قد بدأ، قياساً إلى الانتصارات التي تحققت ولا تزال تتحقق ضدّ كيان العدو.
تصف إيران «إسرائيل» بـ«الغدة السرطانية» التي حان الوقت لنزعها. وفق الإيرانيين النهاية «الإسرائيلية» لم تعد بعيدة، وأن مكامن الضعف لدى الكيان الصهيوني بعد عدوان القنيطرة الذي أدى الى استشهاد ستة مقاومين من حزب الله والعميد الإيراني محمد علي الله دادي، وعملية شبعا التي نفذتها المقاومة ضد العدو، ظهرت في شكل واضح، حيث أن العدو سارع تارة الى التهويل والتهديد، وتارة أخرى إلى بعث رسائل تهدئة عبر أكثر من دولة.
لن يؤثر العدوان «الإسرائيلي» على المفاوضات النووية الإيرانية مع مجموعة الدول 5+1 . المفاوضات لن تتوقف، بل مستمرة بجدية وبنيات حسنة، وهناك مساعٍ من الطرفين لتذليل العقبات من أمام هذا الاتفاق، بغض النظر عن الثوابت الإيرانية التي لن تتنازل طهران عنها.
أثبتت ايران طيلة السنوات الـ35 الماضية أنها عصية على الخضوع والسقوط للإرادة الأميركية والغربية. نجحت في التصدي للسياسة الأحادية الاميركية، على رغم الحصار الاقتصادي والمالي الذي فرض عليها. تمكن الاقتصاد الإيرانيّ من الاستفادة من كلّ طاقاته الذاتيّة لمواجهة العقوبات الدولية.
وعليه، لن تنفع سياسية الحرب الاقتصادية الجديدة التي تخاض عبر خفض أسعار النفط، في تركيع إيران التي هي من أكثر المتضررين لما لذلك من تداعيات، إلا أنها تأقلمت مع العقوبات التي فرضت عليها منذ نهاية عهد الشاه، وسياستها الاقتصادية لم تهتز، فهي وفق مسؤوليها، لا تعتمد على الموارد النفطية، بعكس الدول الأخرى المنتجة للنفط كالسعودية والولايات المتحدة اللتين هما الأكثر تضرّراً لاعتماد موازنتيهما على النفط.
لم تستطع مختلف الدول التي شاركت في الحربين العالميتين الأولى والثانية أن تحقق في فترة وجيزة ما حققته ايران لجهة الإنجازات السياسية، العسكرية، الاقتصادية، العلمية، والثقافية، انطلاقاً مما أسّسه وأسّس له الإمام الخميني.
فبعد «اميد» و«رصد» و«نويد» وطائرتين من دون طيار «كرار 4» و«مهاجر 4»، أطلقت إيران القمر الاصطناعي «فجر» بواسطة حامل الأقمار الاصطناعية «سفير» من قبل خبراء منظمة الصناعات الجوّفضائية التابعة لوزارة الدفاع وشركة الصناعات الالكترونية الإيرانية. الإنجاز العلمي تحقق بالطاقات الإيرانية ومن دون الاستعانة بالخارج، وفي عز الحصار الشامل المفروض عليها.
حققت طهران على رغم محاولات اغتيال علمائها وحرمانها من أبسط الحقوق في مجالات الصناعة، نجاحاً متقدماً في تخصيب اليورانيوم، الذي بحسب الإيرانيين لا يرتبط فقط بالشؤون العسكرية، انما في مجالات الاقتصاد والطب أيضاً. يعتبر الايرانيون أنّ إنتاج الطاقة من الأمور المهمة في هذا الشأن. ودخلت نادي الدول النووية، وأعلنت أن مكتسباتها النووية تضعها أمام شعوب المنطقة «على طبق من فضة» لا سيما الشعب اللبناني. تعتبر ايران أنّ أمن لبنان من أمنها. قدّمت للبنان هبة عسكرية جاهزة للنقل، لم تلق قبولاً لدى الحكومة اللبنانية، فأبعدت عن طاولة مجلس الوزراء لأسباب سياسية، على رغم أنها لا تشبه الهبات المقدمة من الدول الأخرى، التي تقدم للبنان المساعدات العسكرية سواسية مع أعدائه.
في رأي الإيرانيين كلّ شعوب المنطقة لها الحق في الاستفادة من الطاقة النووية التي إذا استخدمت بالطرق السلمية، لا نصل إلى النتيجة نفسها التي نصل بها إذا استخدمت بطريقة عسكرية، ولذلك وضعت ضوابط في هذا الاتجاه بعيداً من الاتجاه العسكري.
في السياسة أسقطت ايران حكماً ديكتاتورياً، واستطاعت أن ترفع من منسوب الرؤية السياسية والوعي السياسي في مجتمعها. التجربة الإيرانية أثبتت أنها فريدة من نوعها في الاستحقاقات السياسية الداخلية وفي تعاطيها مع الملفات الخارجية المتشابكة. تعتمد طهران شعاراً أساسياً يتمثل بعدم الانحياز في السياسات التي تتخذها لكنها تدعم على العلن قوى المقاومة، خصوصاً في لبنان وفلسطين.
تشدّد إيران على أهمية العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد. المسيحيون في طهران الذين في غالبيتهم من الطائفة الأرمنية، يعيشون حياتهم الطبيعية، لديهم نادٍ خاص يُدعى نادي «آرارات» يقع في شارع آرارات وتقام فيه الاحتفالات غير الدينية. هناك أكثر من 600 كنيسة في مدن مختلفة، يمارس فيها المسيحيون طقوسهم بكلّ حرية.
أسّست ايران اقتصاداً مستقلاً. صنعت السيارات من «الألف» إلى «الياء»، على رغم العقوبات. باتت السيارات الإيرانية تضاهي السيارات الأخرى الأوروبية والأميركية في جودتها، على رغم أنها أقلّ كلفة. فعملت دول غربية على الاستيراد منها، وسارع كبار المصنّعين للسيارات في العالم إلى طهران من أجل توقيع اتفاقيات تعاون.
وأحدثت طهران نقلة نوعية في مجال إنتاج العلم حسب تقييم منظمة «آي أس آي»، وإن المقالات والأبحاث العلمية المقدمة لهذه المنظمة والموجودة على الموقع الالكتروني «اسكوبوس» وصلت إلى أكثر من 14 ألف مقالة، هذا فضلاً عن إنجازاتها في القطاع الزراعي، والطبي. ما جعل من ايران بلداً يتمتع بالاكتفاء الذاتي والتطور. هذا فضلاً عن أن القوانين الإيرانية فتحت المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية أمام المرأة الإيرانية التي دخلت إلى البرلمان وتبوّأت مناصب مهمة.