تبنين تنعم ومحيطها بعيون مياه لو استُغلّت لخفّفت من معاناة الأهالي
تحقيق: ابراهيم حمزة
تشكّل تبنين والقرى المحيطة بها، منطقة غنية بعيون المياه، الدائمة والموسمية. فالعيون الدائمة عددها 10، أما الموسمية فتزيد عن الثلاثين، تظهر في منتصف الشتاء لتختفي في منتصف الربيع.
ولتبيان وضع هذه العيون ومدى الاستفادة منها، زارت «الوكالة الوطنية للإعلام» المنطقة، وبدأت الجولة ببلدة تبنين حيث «عين الوردة» التي أصبحت في هذه الايام رهينة المحبسين، بعدما كانت مصدراً لمياه الشرب للكثيرين من أبناء القرى المجاورة والمارة وكذلك النازحين السوريين، كونها على طريق السلطانية ـ تبنين ـ بنت جبيل، فقد علّقت عليها بلدية تبنين إعلاناً بأنها غير صالحة للشرب، بعدما كانت قد سجنتها منذ منتصف الصيف الماضي داخل قضبان الحديد. وتركت صنبوراً واحداً حرّاً طليقاً، يسقي من يشاء، والناس يشربون منه، على رغم الاعلان.
وبحسب إفادة البلدية، فإن مياه هذه العين «ستفلتر» لتباع بسعر 250 ليرة لبنانية لكل 10 ليترات، من دون قارورة في آذار المقبل.
أسفل هذه العين، وفي زاوية تحت طريق الجميجمة ـ صفد البطيخ، هناك أيضاً عين أخرى تابعة لخراج بلدة تبنين هي «عين المزراب»، وهي عين قديمة استغلها الفلسطينيون أيام تواجدهم في المنطقة قبل اجتياح عام 1982.
هذه العين رمّمتها الوحدة الإيطالية العاملة ضمن قوات «اليونيفيل»، وبدأ بيع المياه فيها منذ حوالى سنة. وتشتهر ببرودة مياهها في الصيف. والسعر هو 250 ليرة لبنانية لكل 10 ليترات. وفي الجهة الشرقية المقابلة لـ«عين المزراب»، هناك «عين الحمّام»، الواقعة في خراج بلدة صفد البطيخ والتي أخذت اسمها من دورها القديم، إذ كان الناس يقصدونها للاستحمام والغسيل والجلي، إضافة إلى تعبئة الجرار للشرب. ويروى أن الناس كانوا يضعون قطعة قماش في أرض الجرن الذي تتجمع فيه المياه قطرة قطرة ليعصروها بعد تبلّلها في جرارهم. وهذه العين ما زالت حرّة توزع المياه على سجيتها. وعلى بعد خمسين متراً من «عين الحمّام»، ثمة عين أخرى تسمى «عين البقر»، وسمّيت كذلك لأن الرعاة كانوا يسقون منها مواشيهم والتي تغلب عليها الابقار فكانوا يدلون إلى قعرها الممتلئ بالماء على عمق خمسة أمتار ويملأون «الجوابي» لتشرب منها المواشي. وكان الصبية يسبحون فيها أيام الحرّ.
ولمسافة لا تتجاوز خمسمئة متر باتجاه سهل الخان في خراج بلدة تبنين، هناك عيون سهل الخان التي سميت كذلك نسبة إلى الخان الذي بني قديماً على طريق القوافل الذاهبة إلى فلسطين وسورية والعائدة منها، إذ كانت تستريح هناك وتحصل على الماء والطعام. هذه العيون لم ترمّم كأخواتها، لكن نعمة الاسمنت حلّت عليها بعملية ترميم بسيطة لبركها التي تنخفض في الارض حوالى ثلاثة أمتار فتتجمع فيها المياه لتفيض في فصل الشتاء، وتنحدر باتجاه جسر «عين المزراب»، ولتشكل مع ساقية أخرى نهر «أبو زبلة»، الذي ينحدر باتجاه بلدة دير انطار، نزولاً إلى قرى قضاء صور.
أما في الشمال من عيون سهل الخان، فهناك عين دائرية الشكل في خراج بلدة برعشيت يوحي منظرها بالرهبة. وقد حيكت حولها الاساطير، وأن قعرها لا قرار له وأنها متصلة بنهر يجري تحت الارض. وربما كان يراد من ذلك منع الفتية من السباحة فيها، لأن السباحة في العيون كان هاجس الصبية في هذه المناطق نظراً إلى بعد البحر والنهر نسبياً.
وإلى الشرق باتجاه بلدة شقراء، هناك نبع موسميّ يغذي «بركة الصوان» وهي بركة كبيرة لتجميع مياه الأمطار، ويغذيها هذا النبع في موسمي الشتاء والربيع، وفي الصيف تسحب مياهها بوساطة الجرارات الزراعية لتستغل في الزراعة.
أما إلى الجنوب من «عين الحمّام»، وفي خراج بلدة الجميجمة، وعلى بعد لا يتجاوز خمسمئة متر، تنضح «عين الخانوق» بمياه عذبة. وخضعت هذه العين لـ«عمليات جراحية» بعد أن هوت صخرة كبيرة على فجوة نبعها، فأغلقت معظمه، بحسب قول الاهالي، ثم رممته إحدى التنظيمات التي كانت موجودة في حينه، وبنت جمعية أميركية خزاناً لها، و«فلترت» مياهها بتمويل من اتحاد بلديات القلعة. فكان دور بلدية الجميجمة أن أغلقت بابها ووضعت عليه ناطوراً يبيع المياه بسعر أغلى من جارتها تبنين، أي بسعر خمسمئة ليرة لبنانية لكل عشرة ليترات، وطبعاً القارورة على المشتري.
هذه العين تظهر شتاءً لتلتقي في الوادي نفسه الممتد بين الجميجمة والسلطانية نزولاً باتجاه بلدة خربة سلم، بينابيع موسمية، أكثر من 20 نبعاً، تتّحد لتشكل ساقية كبيرة تقطع طريق بلدة خربة سلم نزولاً إلى «وادي الجرانيف»، أسفل الجبل الذي يقيم عليه الوزير والنائب السابق عبد الله الأمين قصره، مكملة طريقها إلى وادي الحجير حيث تلتقي بنهره، لتترافق سوياً إلى نهر الليطاني، حيث المنتزهات، وتنحدر باتجاه شاطئ القاسمية لتصبّ في بحر صور.
«عين الخانوق» هذه وأخواتها من الينابيع الموسمية كانت في ذروتها قبل أن يستغلَّ ذلك الوادي الرحيب بإنشاء كسارة ومقلع كان أحد أبناء بلدة الجميجمة يستغله عبر تفجيره بأطنان من الديناميت. ما أثّر في البنى التحتية للينابيع. وكذلك أنشئ مجبل باطون وشركة غاز، ما حول ذلك الوادي من منتزه للناس إلى موقع للتلوث.
أما في بلدة خربة سلم، فهناك عينان تجريان واحدة منها دائمة والاخرى موسمية، تنضبان في أواسط فصل الربيع بعد أن يقضي الناس منها وطراً، ويقال إن المياه فلترت ولكن لا تسعيرة. إذ يحصل عليها الناس مجاناً.
هذه العيون، كانت قوات «اليونيفيل» تقوم بفحص معظمها، إذ إنهم كانوا يعبئون صهاريجهم منها، قبل أن تكثر الآبار الارتوازية التي تبيع المياه بسعر وصل اليوم إلى خمسة عشر ألف ليرة لبنانية صهريج الجرار الزراعي سعة 20 برميلاً، ليبيعها بدوره بسعر ثلاثين ألف ليرة .
وفي سؤال لمصلحة مياه بنت جبيل، عن مصير الازمة المائية في المنطقة، رفض المسؤول الإجابة، وأكد أن المصلحة تقوم بالفحص بناء على طلب البلديات وليس هناك آلية معينة أو برنامج سنوي لهذه المسألة. ويؤكد قسم وزارة الصحة على إجراء التحاليل سنوياً وبطلب من البلديات عند الضرورة، فيرسل القسم عيّنات الماء إلى مختبرات مركزية في العاصمة، واحد منها في بلدة الفنار، مؤكداً أن النتائج تصل إلى البلديات ولا نعلم عنها شيئاً.
باختصار، هذه العيون تتواجد على مساحة صغيرة نسبياً بين قرى تبنين، صفد البطيخ، السلطانية، خربة سلم، الجميجمة، وبرعشيت. ولو أنها استغلّت بشكل صحيح، مع بعض السدود الصغيرة، لمنعت العطش عن هذه القرى التي تعاني أزمة مياه منذ حوالى عشر سنوات، خصوصاَ في فصل الصيف.