الثورة الإيرانية… 36 عاماً من الفعل المقاوم؟

د. تركي صقر

يوم الحادي عشر من شباط عام 1979، لم يكن يوماً عادياً في حياة الإيرانيين، فقد كان منعطفاً وزمناً آخر في تاريخ بلادهم وشاهداً على انتصار ثورة غيّرت مجرى التاريخ، أصبحت الثورة الإيرانية أمثولة لكلّ الأحرار والمستضعفين للتخلص من الظلم والاضطهاد في كلّ مكان. تلك هي الثورة الإسلامية في إيران بقيادة مفجرها الإمام الخميني… ثورة لم تحد عن المبادئ التي قامت عليها، على الرغم من التحديات والصعوبات، وعلى الرغم من مرور 36 عاماً على انطلاقتها.

ولعل التزام إيران الثورة بالدفاع عن قضايا المستضعفين وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كان ولا يزال علامة فارقة في مسيرتها، وهي تدفع ضريبة باهظة بسبب دعمها لهذه القضية. وهو مصداق لما قاله قائد الثورة الإمام الخميني عقب انتصارها عندما قال: «الثورة الإسلامية رسالة الخلاص لمستضعفي العالم وسلاح القضاء على المستكبرين»، فكانت هذه الكلمات هي المبادئ والوجهة التي تريد الجمهورية الإسلامية سلوكها، لتحقيق آمال المستضعفين والأحرار في جميع أنحاء العالم.

إنّ إيران، وعلى الرغم من الحصار الذي بدأ منذ الأيام الأولى للثورة، ما زالت حتى هذه اللحظة تقوم بما عاهدت به نفسها وعاهدت به الإيرانيين بل وجميع أحرار العالم، حين حدّدت البوصلة الأساسية لتحرّكها، ألا وهي القضية الفلسطينية. ومما يدعو إلى الإعجاب حقاً، أنّ إيران، وعلى الرغم من كلّ التحديات فإنها لا تزال تقف مع القضايا التي تعتبرها محقة، وفي الوقت نفسه، تواصل تطوير قدراتها علمياً وعسكرياً ومدنياً.

وبعد أكثر من ثلاثة عقود ها هي الثورة الإسلامية الإيرانية تقف على قمم من الإنجازات ما كان أحد من خصومها يتوقع لها أن تصل اليها وتتمكن من مواجهة أعتى القوى في العالم جاعلة من إيران الرقم الصعب في المنطقة لا يمكن تجاوزه لا في حالة الحرب ولا في حالة السلم حتى يمكن القول إنه طوال أكثر من مائة عام لم تجد قوى الهيمنة العالمية من تغيير أو تحوّل أو ثورة هزتها وزلزلت الأرض تحت أقدامها مثل الثورة الإسلامية في إيران.

صحيح أنّ الثورة البلشفية قبل قرن من الزمان كانت حدث العصر الذي غيّر مجرى التاريخ آنذاك، لكن الصحيح أيضاً أنّ بنيانها الداخلي كان هشاً ما سمح للأعداء بإيقاف زخمها وتعطيل تقدّمها، ونخرها من داخلها فانهار نظامها السوفياتي دفعة واحدة بينما حافظت الثورة الإيرانية على صلابة داخلية مدهشة عصية على الاختراق مكّنها من الاستمرار في الصعود وإعلاء البنيان ما جعلها تتبوّأ مكانة إقليمية ودولية مهابة الجانب ومؤثرة في محيطها وخارج محيطها.

ويخطئ من يفسّر قوة إيران بالأوراق التي جمعتها نتيجة الظروف الإقليمية والدولية وكأنما توفرت لها بمحض المصادفة لأنّ مسيرة ثلاثة عقود ونيّف دلت على أنّ قوتها وليدة عناصر وسياسات إبداعية مكّنتها من القدرة على توظيف الظروف والمعطيات واستيعاب التحديات حيث أنشأت الثورة الإيرانية نظاماً صارماً حرم القوى الخارجية من امتلاك أوراق ضغط في الداخل الإيراني، كما أقامت شكلاً من أشكال الديمقراطية يعطي الناخب دوراً فاعلاً في الحياة السياسية إلى درجة قدرته على إحداث تأثير في برامج الرؤساء والحكومات والإدارات.

ويفخر الإيرانيون بأنهم تفوّقوا على أعرق النظم الديمقراطية في العالم بمشاركتهم في ما يقرب من ثلاثين ممارسة انتخابية خلا ثلاثة عقود من الزمن، بما يؤكد حقيقة تجذر مبادئء وقيم وأهداف الثورة الإسلامية في المجتمع الإيراني ، وحيوية النهج الثوري في الأجيال المتعاقبة ، وبتعبير آخر نقول : إنّ الثورة تجاوزت العرف السياسي السائد حول تعارض الفكر الثوري الأحادي مع قيم التعددية والحرية والديمقراطية ، لتؤسّس نمطاً جديداً في الحياة السياسية من أبرز سماته الحضور الشعبي الفاعل في الساحة ، ومشاركة مختلف قطاعات المجتمع في عملية صنع القرار السياسي وبناء مؤسسات دولة قوية تمتلك ناصية العلم والعصر ومفاعيله المادية جنباً إلى جنب مع القيم الروحية والدينية.

لقد تجلى إعجاز الثورة الإيرانية في صياغة معادلات جديدة وغير تقليدية لمواجهة المشروع الصهيو ـ أميركي في المنطقة فأنعشت الآمال بإمكانية الانتصار عليه وإسقاط أسطورة قوة العدو «الإسرائيلي» التي لا تقهر بعد عقود من الإحباط وانسداد الآفاق أمام العرب والمسلمين.

وإذا كان حرياً أن ينسب الفضل إلى صاحبه فيعود الفضل في ترسيخ محور المقاومة ومنظومة المقاومة للثورة الإيرانية حيث بات هذا المحور السلاح الأمضى لقهر العدو الغاصب، في وقت كادت فيه القضية الفلسطينية تضيع في متاهات «كامب دايفيد» و«أوسلو» و«وادي عربة» وخضمّ التحالفات السرية بين العدو «الإسرائيلي» وأنظمة العمالة العربية والخليجية من دون أدنى خجل أو حياء، وهذا الفعل المقاوم الممتدّ من طهران إلى دمشق مروراً بالعراق ولبنان وغزة… غدا اليوم الصخرة المنيعة التي تتحطم عليها مشاريع مشغلي الأدوات الإرهابية ووحوش العصر من التكفيريين والظلاميين، وبذلك أسّست لعصر جديد من المقاومة والانتصارات.

أكثر من ثلاثة عقود مرّت والجمهورية الإسلامية الإيرانية تحافظ على شعاراتها في الحرية والسيادة والاستقلال، رافضة التخلي عن مبادئها على الرغم من الحصار والتهديد والعقوبات والمواجهات المفتوحة.

tu.saqr gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى