المراقبون الروس يتوقّعون سيناريو مرعباً لكييف «رواندا» أوكرانيا… هدف واشنطن الأساس لحلّ مشاكلها مع موسكو

ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق

لماذا تتدخل الولايات المتحدة الأميركية في الشؤون الأوكرانية، لا بل في الشؤون الروسية، وحتّى في الشؤون الأوروبية؟ ألا يستطيع الأوروبيون ترتيب بيتهم بأنفسهم؟ هل من أطماعٍ أميركية في أوروبا خصوصاً بعد ما أشيع عن الغاز والنفط وطريق الحرير الممتدة من الصين إلى أوراسيا؟

ربما تكون الإجابات على هذه الأسئلة سهلة، وبديهية. لكن من يتعمّق أكثر في ثنايا الأزمة الأوكرانية، يجد ما لم يكن في الحسبان. خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بأكثر من بلايين الدولارات بكثير… نحن هنا نتحدّث عن بليارات. كما إن التوق إلى تزعّم الكرة الأرضية والانفراد في قرارها العالمي، يدفعان بواشنطن إلى اجتراح أيّ خطوة من شأنها تحقيق هذا الحلم.

في الملف الأوكراني كثير من التشعّبات، وفي تقريرنا هذا المترجم عن مقال لروستيلاف أوشينكو ، الكثير من الحقائق والافتراضات التي من شأنها أن ترشدنا إلى السيناريو المرتّب لأوكرانيا، ومن بعدها أوروبا. فهل تصبح أوكرانيا رواندا ثانية. وهل تستعر فيها الحرب الأهلية لتدوم وتدوم وتدوم، وتحصد الأرواح في مجازر كتلك التي حصلت بين «التوتسي» و«الهوتو»؟ وما هو دور جورج سوروس ـ رجل الأعمال الملياردير ـ ذلك «المحسن» المسنّ الذي رعا كلّ الأنظمة الفاشية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من جورجيا ساكاشفيلي إلى أوكرانيا بوروشينكو ، ليكون الأكثر قدرةً على تقييم الوضع في المالي للنظام في كييف؟

هل ستقف روسيا مكتوفة الأيدي إزاء ما يُرسم؟ وما هي احتمالات ربح روسيا وخسارة واشنطن، أو ربح واشنطن وخسارة روسيا؟ كيف ستكون الأوضاع عندما يكون السعي إلى الخسارة لا إلى الربح؟

قد نجد الإجابات على مجمل هذه الأسئلة وعلى أخرى في هذا التقرير، عسى أن نعي كيف يفكر «أباطرة» البيت الأبيض، فنتخذ القليل من الاحتياط… كوقاية.

وكان الجحيم يلاحقهم

كتب روستيلاف أوشينكو:

لا أدري مَن بالتحديد، أيكون تورشينوف؟ بوروشينكو؟ هو من أمر الجيش الأوكراني بنقض المعاهدة؟ غير أنني متأكدٌ من أنّ هذا القرار كان قد اتّخذ في واشنطن.

وليس من قبيل الصدفة، أنّ هذا الاستفزاز الانتحاري سبق زيارة جورج سوروس ـ رجل الأعمال الملياردير ـ إلى كييف. ذلك «المحسن» المسنّ الذي رعا كلّ الأنظمة الفاشية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي من جورجيا ساكاشفيلي إلى أوكرانيا بوروشينكو ، وكان الأكثر قدرةً على تقييم الوضع في المالي للنظام في كييف، وهو الذي قرّر ما إذا كان من المنطقي أن استمرار عذاب الحقن النقدية طويلة الأمد. وفي بيانه العام، الذي أعادت وسائل الإعلام طبعه قبل 14 كانون الثاني، لم يبقِ أيّ شك حول موت المريض وتعفّن جثته وإنعاشه الذي كان عديم الجدوى.

من المؤكد أن كييف كانت تدرك أنها لو بالحفر من أسفل البرميل، ولو أن أوروبا لعبت دورها بالشكل الصحيح، سيكون من الممكن تجميع الأموال لحصد مزيد من العذابات. لكن سوروس كان واضحاً عندما تحدّث عن ضرورة تأمين مبلغ 50 بليار دولار خلال عام 2015. بينما حين كان الجهلة لا يزالون يراهنون على استقرار النظام في كييف خلال السنة الماضية، استطاعت كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي الحصول على 20 بليار دولار فقط، قد تكون كافية لثلاث سنوات مقبلة.

وفي الواقع، فإن كييف استطاعت الحصول فقط على 7.5 بليون دولار خلال عام 2014. إذاً، وفي مثل هذه الحالات، من غير الواقعي إيجاد 50 بليار دولار خلال سنة. فسوروس نفسه صرّح بأنه يتطلّع إلى حدوث معجزة.

مباشرةً، بعد تصريح سوروس، قدّم الاتحاد الأوروبي طلباً لا لبس فيه، حول ضرورة تمويل أوكرانيا، وذلك أمام وسائل الإعلام الأوروبية التي أكّدت أن الأزمة الأوكرانية قد تغيرت بشكل كبير، أنه ما من معجزة يمكن لها أن تتحقق. وقد شهدت وسائل الإعلام الأوروبية بما فيها التلفزيون الألماني ، وكذلك المنظمات غير الحكومية بما في ذلك هيومان رايتس واتش ، شهدت فجأة هذا «الضوء»، ووجدت أن النظام في كييف متورّط في حرب شرسة ضدّ المدنيين، وانتهاك للأعراف وقوانين الحرب. ولن يمرّ وقت طويل حتى تتأكد أوروبا من أن المجلس العسكري الفاشي في كييف قد أغرقها في مستنقع الإطاحة بدستورها الخاص، وفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بهدف الضغط على الكرملين لتوريد الفحم والغاز للنظام النازي.

نجاح الدبلوماسية الروسية

لن تقدّم أوروبا المال، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية حتى لو رغبتا بذلك، فإن صندوق النقد الدولي لن يماطل لفترة ستة أشهر لتأمين الشرائح النقدية تلو الأخرى . وفي ظلّ هذه الظروف، ودعماً لأسطورية استقرار أوكرانيا، أثبتت السياسة المتّبعة في واشنطن منذ نهاية الصيف الماضي، أنها عديمة الجدوى. وبالعودة إلى آب/أيلول 2014، فنرى أن السياسيين الأوكرانيين كانوا قد انقسموا إلى مجموعتين: الأكثرية أو أولئك الجاهزين للإطاحة ببوروشينكو، متوقّعين انضمام بعض المنشقين إليهم من الفريق الآخر، والأقلية المحايدة. فبوروشينكو نفسه لم يكن يمتلك مجموعات دعم أو قوى داعمة. فهو لا يزال رئيساً بفضل جهود الولايات المتحدة الأميركية، التي حظرت الانقلاب في ذلك الوقت.

تدرك واشنطن تماماً سعي بوروشينكو إلى التفاوض مع موسكو حول التوصّل إلى تسوية سلمية لأن السلام وحده يقدّم لبوروشينكو حماية لمنصبه الرئاسي وكذلك لحياته . أرادت الولايات المتحدة الأميركية الحرب، لكنها لم تكن ترغب الاحتفاظ ببترو آلِكسيفيتش الخائف والمضطرب على رأس الفريق. وفي الوقت عينه، نجحت الدبلوماسية الروسية في تضليل الأميركيين. فالسلام كان ـ ولا يزال ـ في مصلحة الروس، لأنه يدفع بالولايات المتحدة الأميركية وبحلفائها الأوروبيين للإبقاء على حياة النظام الأوكراني. فالانقلاب الأوكراني، الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية بهدف التذرّع كييف لتكون سبباً داخلياً للعدائية مع روسيا والاتحاد الأوروبي وكذلك، ثقباً أسوداً يلتهم الموارد الروسية، لم ينجح في إتمام مهامه بعد سنة على الانقلاب. إذ تواصل أوكرانيا التهام الموارد الأميركية على البدل من ذلك.

بين الربح والخسارة

وبما أن أوكراينا هي واحدة من المسارح العالمية المتعدّدة التي تدور فيها حلبة الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، فإن تركيز الجهود في الموقع الأوكراني سيصبح غير ذي فائدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية. فهم لن يتمكنوا من الانسحاب، لأن روسيا ستسيطر حينذاك على كييف، ما سيشكل هزيمة استراتيجية لواشنطن. لذا، فمن الأفضل أن يُعمل على تدمير المكان، فيسيطر حينئذٍ الفائز على الخراب والدمار هذا إذا لم يتمكنوا من توريطه في خراب أوكرانيا برمّتها، فينزلق ويتشابك مع الجثة الأوكرانية المتحلّلة والمتعفنة.

لذا، فمن الأفضل، بالنسبة إلى روسيا، أن تكون الولايات المتحدة الأميركية هي من يصنع دمار روسيا، ولو بعد حين. فقد أظهرت الدبلوماسية الروسية الارتباك والضعف والتردّد والاستعداد للاستسلام طوال أكثر من سنة. لذا، وتحسّباً لسقوط روسيا هذا، قرّرت الولايات المتحدة الأميركية عدم الانتهاء من أوكرانيا. لماذا؟ لأنه بعد الانتصار الأميركي على روسيا، فإن مشكلة النظام في كييف ستُحلّ على حساب موسكو نفسها!!!

لكن، لكلّ شيء نهاية، عاجلاً أم آجلاً. فمع بداية أيلول، أصبح من الواضح أن واشنطن قادرةٌ على دفع روسيا كما تشاء، غير أنها تبقى عاجزة عن إسقاطها، والحؤول دون سقوطهما معاً. آخذين بالاعتبار مدى الحاجة إلى الحدّ من خطوط المواجهة السياسية وتركيز الموارد على المجالات ذات الأولوية المتبقية، ومغادرة الأرض المفقودة. ينبعث السؤال الأساسي من جديد، ما الذي ينبغي فعله مع أوكرانيا؟ فمنذ أن أصبح واضحاً أن سوروس لن يتمكن من إيجاد تمويل كافٍ لكييف، فإن قدر البلاد، السياسيين، الشعب وحتى «الطبقة المبدعة»، والتعوّد على البقاء في مأمن من المشكلات، قد أصبحا من الماضي. فها هي الحرب الشرسة تعود لتبدأ من جديد.

تدرك الولايات المتحدة الأميركية جيداً كيف عزّز الجيش الأوكراني قواته المسلّحة في الشمال خلال فترة الهدنة. فنحن لسنا بحاجة إلى الجلوس إلى لجنة رؤساء الأركان لتقدير نتائج المعارك المكثفة التي بدأت فعلياً في 18 كانون الثاني ومستمرة على الخطوط الأمامية، فالجيش الأوكراني سيفرغ من عديده وقواته خلال ثلاثة أو أربعة أسابيع، فضلاً عن أنها قد تبدأ بالانهيار بعد مضي أسبوعين على أبعد تقدير.

وبالمناسبة، فإن المدفعية الأوكرانية ستكون المعدّات الأولى المختفية من ساحات المعارك. بينما يتزوّد الجمهوريون بالإمدادات المستمرة، لا يستطيع الجيش الأوكراني تجديد ذخيرته المستهلكة دوماً بالسرعة اللازمة. فبعد أن خسرت المدفعية الأوكرانية فرصة القتال المتكافئ مع مدافع الجمهوريين الشمالية، التي استطاعت طحن القوات الأوكرانية في فترة قصيرة نسبياً، وانهيار الخطوط الأمامية أصبحت مسألة حتمية. فتعويض الخسائر عن طريق التعبئة أصبح مهمة مستحيلةً. وفي أفضل الأحوال، سيكون المجندين متمركزين في نقاط التجمّع لحظة انهيار الجبهات.

حرب أهلية

يدرك الأميركيون هذا كلّه، ومع ذلك، يصرّون على دفع الجيش الأوكراني إلى مواجهة عديمة الجدوى. فهذا الجيش قد دُمّر والجبهات انهارت. فلمَ تستمرّ الولايات المتحدة الأميركية في القيام بذلك؟ لأنه، وكما ذكرنا آنفاً، لا تحتاج الولايات المتحدة الأميركية إلى تحقيق نصرٍ مدوٍّ في أوكرانيا بل هي بحاجة إلى تدميرها كلّياً، إنما بأيدي آخرين وبأفضل المنافع الممكنة التي قد تعود عليهم.

إن ثلاثة أو أربعة أسابيع من القتال المستمرّ لن ترهق فقط الجيش الأوكراني، إنما أيضاً القوات الجمهورية في الشمال. فمنذ الأيام الأولى، اعترفت الميليشيات بخسارة العشرات إن لم يكن المئات من الجرحى والقتلى، مع التأكيد على أن خسائر الجيش الأوكراني أعلى بكثير. فالتقديرات الإيجابية جدّاً تؤكد أن القوات الجمهورية لا يزيد عديدها عن 30 إلى 40 ألف جندي. ما يعني أن خسارة 3 إلى 5 آلاف وعدد القتلى والجرحى في صفوف هذه القوات مع استمرار القتال المكثف، سيقلّل دراماتيكياً من الحظوظ القتالية لقوات الميليشيا.

إذاً، سيكون الجيش الأوكراني منقسماً ومشتّتاً في أواسط شباط، وفي المقابل، لن تكون القوات الميليشيوية قادرة على السيطرة على الأراضي التي انسحبت منها القوات الأوكرانية. ومن شأن هذا أن يخلق مناطق فارغة واسعة جدّاً بين الشمال والعاصمة كييف. إلى حدّ أن تسيطر الجماعات المسلّحة المختلفة على الشوارع نفسها. إضافة إلى ذلك، وبينما تنتظم القوات المسلحة في الشمال في سلسلة قيادية موحدة، يستمرّ الجيش الأوكراني معانياً من مشكلة القيادات غير التنظيمية، والتي ستتحوّل إلى حفنة من العصابات النازية ومجرمي قدامى الحرب.

وفي مثل هذه الحالة، فإن المقاتلين النازيين المتمركزين في المدن الكبرى في الجنوب الشرقي من البلاد بهدف السيطرة على السلطة في كييف، سيصبحون أكثر عدائية تجاه وسائل الإعلام. ومع ذلك، ومن أجل أن يُشلّ المجتمع الجولي، وتُعطّل ردود الفعل اللحظية والثابتة، لتأتي الذريعة المبرّرة إعادة تكرار السيناريو الرواندي مجازر متبادلة لا معنى لها تفوق التصوّر، وتغيّر في الوقت عينه الوضع السياسي الراهن. وهذا يعني، أنه ليس كافياً فقط تنظيم الأعمال الإرهابية أو تلك السلسلة التي يقوم بها «أنصار روسيا» نيابة عن الروس، ومثل هذا الاستفزاز قد يحرّك المجتمع النازي لتوجيه جهوده في الاتجاه المطلوب. إنه حدث دموي لا أخلاقيّ إلى أبعد الحدود، لا يمكن له أن يُحلّ حتى مع انفجار كانفجار شرنوبيل.

اغتيالات

أولاً، وقبل كلّ شيء، إنهم يحتاجون إلى موت شخصية سياسية بارزة، كي يستطيعوا الزعم بأن الحكومة الأوكرانية قد شُلّت فعلاً، وأصبحت عاجزة عن اتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة نظام الحكم. وبوروشينكو هو الضحية المثالية خصوصاً أنه يُعتبر خائناً بالنسبة إلى الأميركيين ، لكن في مقابل وصول ياتسينيوك ـ «معجزة الشباب» ـ فإنني لا أرى أنه الشخص المناسب ليحلّ مكان بوروشينكو. فبعد تصفية أوكرانيا، سيتحول ياتسينيوك إلى شخص عديم الفائدة، لا بل خطِر أيضاً، كونه يستطيع أن يشهد في «المحكمة الدولية لـ أوكرانيا السابقة». وبالبنسبة إلى بلدٍ أصبح بلا اقتصاد، فإن هذه الشخصية الاقتصادية الرمزية تصبح بلا فائدة، تماماً كيوشينكو، المصرفي الشهير. فالاعتمادات لا تُستلم مع ياتسينيوك أو من دونه. إن الموت البطولي هو الفائدة الوحيدة التي يستطيع أن يقدمها إلى الولايات المتحدة الأميركية. فهل في إمكان أحدنا أن يتصوّر من الذي ستُوجّه إليه أصابع الاتهام فيما لو زرع أحدهم عبوةً ناسفة في المجلس النيابي خلال إحدى الجلسات التي يتواجد فيها كلّ من بوروشينكو وياتسينيوك، حتى قبل البدء بأيّ تحقيق من أيّ نوع كان؟ خصوصاً إذا ادّعى بعض «المتقدمين للشعب» مسؤوليتهم عن ذلك في ما بعد؟

وبطبيعة الحال، فإن الكتائب النازية تزدري بوروشينكو وياتسينوك، كذلك قادة هذه الكتائب الذين سيردّون أيضاً بالانتقام. وإذا لم يبدُ ذلك كافياً، فإنهم سيشنّون ـ في ما بعد ـ سلسلة من الهجمات الإرهابية على المستشفيات حيث يُعالج «أبطال ATO»، ولنتخيّل كيف ستتلقف وسائل الإعلام الأوكرانية القتل البربري الذي سيلحق بهؤلاء الأبطال بينما يرقدون على أسرّتهم في المستشفيات. حتى أنهم لن يحتاجوا إلى دليل تدريبي من السفارة الأميركية سيفسرون كلّ شيء بأنفسهم وبشكل صحيح.

سيناريو دموي

وكأعمال مشابهة، يستطيع هؤلاء أيضاً، تنفيذ عمليات تفجيرية في محطات الطاقة الكهرومائية في دينبر. ما سيساعد في حلّ الكثير من مشكلات الولايات المتحدة الأميركية. أولها، الأضرار الهائلة التي ستنجم عن الفيضانات التي ستسببها التفجيرات والتي ستنقلها الكاميرات المعدّة مسبقاً لهذا الغرض على أنها أشدّ هولاً وضخامةً من تسونامي تايلند. وسيسارع الخبراء إلى تقدير الضحايا بالملايين. وثانيها، فصل الضفة اليسرى لنهر دينبر ـ على الفور ـ عن الضفة اليمنى، حيث سيُصبح السدّ وكافة الجسور في خبر كان. ولهذا، لن يكون في مقدور الميليشيات عبور دينبر من دون مساعدة الجيش الروسي. أما ثالثها، إذا كان من الممكن القضاء على النخبة السياسية وتدمير المنشآت التكنولوجية، خلال أربعة أو خمسة إلى عشرة أيام، واتهام روسيا و«DPR/LPR» بالمشاركة في هذه الجرائم، فإن المجتمع الدولي الموحّد لن يتدخل فوراً لإحكام السيطرة على أوكرانيا. وسيمنع الغرب أيّ مشاركة لروسيا باعتبار أن موسكو شريكة في الجريمة، حتى أن القوى الغربية بن تستطيع السيطرة على الوضع حتى لو قررت الولايات المتحدة الأميركية التعاون مع الاتحاد الأوروبي لتنفيذ ذلك من دون العودة إلى قرار من الأمم المتحدة ، فلن يكون متاحاً لهم القدرات العملانية المطلوبة ولا القوات العسكرية. أما السبب الرابع والأخير، فهو أنه بينما تحتاج الولايات المتحدة الأميركية لكلّ ذلك، فحتى تورشينوف يستطيع أن يمثل كييف شرعياً وأن يقود فلول الحكومة، التي يمكن أيضاً الاستغناء عنها.

أما الأحداث التي ستلي ذلك فهي واضحة وضوح الشمس. سيعمد النازيون إلى الانتقام لـ«إخوتهم في الجيش». سينتشر المقاتلون على طول عرض البلاد، يتحققون من عناوين زملائهم النازيين في قواعد بيانات إدارات أمن الدولة ووزارة الداخلية. قوات الميليشيا سنتكون قادرة على مدّ يد العون إلى خاركوف، أحياء الضفة اليسرى في دينبر وبيتروفيسك وزابوروجي، لفتح ممرّ بريّ إلى جزيرة القرم. لكن كلّ هذه الجسور لن تُبنى من دون مساعدة روسيا. وبطبيعة الحال، فإنّ المقاومة ستكون شرسة في أوديسا وحتى في كييف، لكن القوى غير متكافئة. ستُحرم «الطبقة المبدعة» من العون العسكري الأوكراني، طبعاً، فالولايات المتحدة الأميركية لم تعُد بحاجة إليهم، سيكلفونها المزيد من الطعام والشراب، ولمَ ستقدّم لهم هذا؟ ألأنهم أوكرانيين؟ ومن ذا الذي يريد الشعب الأوكراني من غير أوكرانيا؟ كلّ فريق من هذه الفرق لا يعرف الكثير عن نوايا الآخر ومخططاته، لكن لو نظرنا بموضوعية لوجدنا أن تركيب كلّ هذه القطع تعطينا مشهدية كاملة حول الصورة الكاملة. سيُقتل الأوكرانيون في منازلهم!! حسناً، لا مانع من القيام بذلك. «التوتسي» قتلوا «الهوتو»، «الهوتو» قتلوا «التوتسي»، إنها الملحمة العنيفة الحزينة ذاتها تتكرّر مع كلّ حرب أهلية.

إذاً، دفع أوكرانيا في اتجاه صوملتها أو رواندتها، يجعل من الولايات المتحدة الأميركية قادرةً على التقليل من أهمية الانتصارات الروسية، لتغطية آثار جرائمها بالدم، والأكثر أهمية، جعل مشاركتها في التسوية المقبلة غير ضرورية، إنما حتمية، بمعنى أنه لا مفرّ منها، وبالتالي، الحفاظ على مواقعها الاستراتيجية في القارة الأوروبية وإحكام سيطرتها على الاتحاد الأوروبي المُصاب بالذعر.

إن سيناريو واحداً مستفزّاً من بين الاحتمالات التي عرضناها سيسمح لواشنطن بحلّ مشكلة حرق أوكرانيا. وفي الواقع، هناك المئات من السيناريوات المشابهة، جميعها حقيقية، وغالبيتها يعمل الأميركيين على تطويرها. وخلافاً لذلك، فإنهم يدفعون للقوات الأمنية، والعسكرية ووزارة الخارجية بلا أدنى فائدة. فالجرائم التي ارتكبت ـ إلى الآن ـ من قبل واشنطن وكييف يؤكد أن السيناريو المذكور أعلاه ليس شيئاً غير اعتياديّ، بل على العكس، إنه منطقيّ جداً قياساً على الأحداث التي ستسبقه. ففي شباط 2014، سقط المئات من الضحايا في «الميدان». قُتل عشرات الآلاف من الأوكرانيين بهدف الضغط على روسيا. إذاً، هل سيختلف عشرات الآلاف عن مئات الآلاف أو حتى الملايين؟ لن يختلف الأمر أبداً إلّا في حال حاجة الولايات المتحدة الأميركية إلى تنظيم التضحية البشرية الجماعية في أوكرانيا. إنها فعلاً لحاجة ملحّة.

اثنتان لا تزالان تستطيعان إنقاذ الشعب الأوكراني:

القدرة التقليدية الأوكرانية غير القادرة على تنفيذ الخطة الأميركية.

إمكانيات بوتين التقليدية من أجل التوصل إلى طريقة لائقة للخروج من الحالات الأكثر حرجاً ويأساً.

لكن هذه التوقعات تتخطّى نطاق التحليل العقلاني. إنها مسألة حظوظ.

رئيس مركز التحليل والتنبؤ والتعليقات الحصرية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى