اختلاف الأولويات بين العسكري والسياسي لدى «حماس»
عامر نعيم الياس
عرِف عن الإخوان المسلمين طوال تاريخهم ارتهانهم للخارج، بل إن مشروعهم اكتسب زخمه وسطوته من الحاجة الدولية في بدايات القرن العشرين إلى مواجهة النهضة العربية على كافة المستويات سواء ما تعلق منها بالاستقلال والتحرر، أو ما تعلّق برسم الخطوط العريضة للهويتين الوطنية والقومية في الأقطار العربية. والبداية كالعادة كانت من مصر، حيث تثبت وثائق عدّة، ارتباط حسن البنا مؤسس الإخوان في مصر بالاستخبارات البريطانية. وفي سورية أيضاً، بانت ازدواجية هذه الجماعة وممارستها للانتهازية بأبشع صورها بعد أحداث الثمانينات، ففي الوقت الذي استندت فيه الحركة في أعمالها التخريبية داخل سورية على مهاجمة مظاهر الحياة العصرية، ارتمت بعد خسارتها في أحضان أجهزة الأمن البريطانية، حتى باتت العاصمة لندن عاصمة للإخوان السوريين.
حتى الرهان الرسمي السوري على وحدة القضية والعدوّ باء بالفشل مع إخوان فلسطين الذين ارتموا في أحضان الأتراك قبل غيرهم واختاروا الدوحة مقرّاً بديلاً لدمشق، بعد اندلاع الأحداث المؤلمة في سورية، التي حوّلت خالد مشعل من ملاحَق دولياً حمته سورية وبذلت الغالي والنفيس لحمايته معرّضةً أمنها الوطني للخطر، إلى ناصحٍ للدولة السورية يسعى إلى ترتيب أوراق الحكم فيها وتشكيل حكومة تعترف بمحورية الدور التركي وحتى قدسيته في صوغ سياسات الإقليم. هنا برز ما قاله السيّد حسن نصر الله بوضوح عن ابتعاد «حماس» عن حزب الله ومحوره لا العكس، من الناحيتين السياسية والعسكرية، وإن كان حاول الإبقاء على التمايز لمصلحة العسكري الحاضر دوماً في التنسيق والتشاور مع المقاومة اللبنانية، موقفٌ يتماهى إلى حدٍّ كبير مع الموقف الإيراني من حركة «حماس» على وجه الخصوص والذي لا يزال يفصل تماماً بين المستويين العسكري والسياسي في الحركة الإخوانية. فهل هذا الفصل ناتجٌ عن اختلاف الأولويات بين العسكري والسياسي داخل الحركة؟
وجّه القائد العام لـ«كتائب القسام» محمد الضيف رسالة تهنئة إلى قيادة المقاومة والسيد حسن نصر الله بشهداء القنيطرة. وأكد الضيف في رسالته أن على كل قوى المقاومة أن تتحد في مشروع واحد مقابل مشروع الاستسلام للعدو الصهيوني وأعوانه. مشدّداً على أن «إسرائيل» هي عدو الأمة الحقيقي. وأضاف إنه «يجب أنْ توجّه كل البنادق إلى هذا العدو ويكفي الأمة استنزافاً لطاقاتها ورهناً لإرادتها».
القائد العام لـ«القسام» قال إن «إسرائيل» مستمرة في غطرستها وإجرامها ما بات «لزاماً على كل قوى المقاومة في الأمة أن تدير معركتها المقبلة يداً واحدة وأنْ تتقاطع نيرانها فوق أرضنا المحتلة».
كلام الضيف جاء بعد شهرٍ من تصريحات جريئة للناطق بِاسم «القسام»، أبو عبيدة، في الاحتفال بالذكرى السابعة والعشرين لانطلاق حركة «حماس» في غزة في 15/12/2014، عندما شكر إيران مباشرة وتحدّث بالتفصيل عن دورها التسليحي بقوله «جمهورية إيران الإسلامية أمدّتنا بالصواريخ التي دكّت المحتل في صولات وجولات مضَت، دعمتنا بالصواريخ النوعية المضادة للدبابات التي حطّمت أسطورة الميركافا». موقفان يوجّهان رسائل هامة، فالأول جاء وسط حضور رسمي وشعبي لقيادات «حماس» وجمهورها، والثاني جاء وسط تغيّر في المعادلات صاغها أمين عام حزب الله في مقابلته مع قناة «الميادين» تقوم على أساس توحيد الجبهات والساحات في المواجهة مع العدو، وصوغ دور محور المقاومة باعتباره جسماً واحداً في الصراع الحالي في المنطقة، خصوصاً في سورية التي تحوّلت إلى ساحة هي الأهم في حرب المحاور في المنطقة. فما الذي أراده الجناح العسكري في «حماس»؟
على المستوى الضمني، يدرك الجناح العسكري في الحركة عقم الخيارات التي اتّخذها المكتب السياسي. وإن عمل أبو عبيدة على الموازنة بين قطر وتركيا من جهة وإيران من جهة أخرى، في خطابه بذكرى تأسيس الحركة، إلا أن كلام الضيف جاء ليبلور خياراً استراتيجياً لدى الجناح العسكري بانحيازه إلى بقاء التحالف مع محور المقاومة والممانعة من إيران إلى حزب الله، من دون أن يعمل على إرغام المستوى السياسي على الخضوع لرغبته في العلن، لكن من الضروري الإشارة هنا إلى أن لكتائب «القسام» صوتاً في المكتب السياسي كان ممثلاً بالشهيد أحمد الجعبري، وهو صوتٌ يتجاوز في تأثيره النوعي الماهية الفيزيائية للصوت الواحد في صوغ سياسات الحركة، لكن الإبقاء على التمايز الواضح داخل الحركة بين السياسي والعسكري، واستمرار خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة في انحيازه الواضح لأردوغان يعكس ممارسة الحركة للانتهازية السياسية في الوقت الحالي وعجزها عن الخروج من تداعيات موقفها من سورية الذي يتجاوز الموقف السياسي الرسمي إلى المساهمة المباشرة في إدارة الحرب على الدولة السورية، وهو ما يفسّر حتى اللحظة عدم استقبال القيادة الإيرانية لرئيس المكتب السياسي في «حماس».
كاتب ومترجم سوري