حين تنبّأ ثاني رئيس لـ«إسرائيل» بظهور «داعش» وإخوانه… وتبنّاه

خضر سعاده خرّوبي

يثار الجدال حالياً في المنطقة حول تنامي المدّ الأصولي وعلاقة نسخاته «المتنوّعة دينياً» إذا ما كانت تحمل إشارات تناقض أو تكامل. ومن خلال سياق تاريخي ممتدّ من المكائد «اليهودية» للعبث بالوجدان المسيحي الغربي، يجزم مؤرخون بأنّ هذه المكائد نجحت في خلق ما يُسمّى «أصولية مسيحية» في أمكنة وأزمنة متفاوتة، فخرّبت عقيدتهم وحرّفت ديانتهم التي جاء بها السيّد المسيح، حتى بتنا نشهد مصطلحات لم تكن مألوفة في زمن المسيحية الأولى كـ»المسيحية الصهيونية» أو «المتصهينة» في الولايات المتحدة التي تتناولها المؤسسات البحثية غالباً لدى الحديث عن متانة العلاقة الأميركية ـ «الإسرائيلية».

وقد جرّبت محاولات مشابهة مع الدين الإسلامي، إلا أنّ تلك المحاولات، وفق هؤلاء، خابت وباءت بالفشل. ولذا يحتلّ ما يجري حالياً في الشرق الأوسط حيّزاً مهماً في هذا السياق، خصوصاً أنّ تقارير عديدة إعلامية واستخبارية تتناول على نحو متزايد علاقة «إسرائيل» بجماعات إسلاموية متطرفة تصل إلى حدّ التنسيق الاستخباري والميداني والتعاون «الإنساني»… وصولاًً إلى ما توقف عنده كثيرون أخيراً باعتباره رداً «إسرائيلياً» عبر الجماعات عينها، ضدّ المحور المعادي لها في دمشق.

على رغم ما يبدو تناقضاً ظاهرياً بين الطرفين، إلا أنّ عدم الاكتراث بالأعراف والمواثيق الدولية قد يشكل عنصر جمع بينهما إضافة إلى ما يمكن قوله حول احتلال الموروث الديني المشوّه مكاناً أساسياً، بل يكاد يكون وحيداً في بعض الأحيان، في «الرؤية التنظيرية» لمشروعها وفي بناء «الشرعية التنظيمية». كما أنّ النظرة الاستعلائية بل والإقصائية تجاه الآخر المشرك والمرتدّ – بحسب تعابير الجماعات التكفيرية – أو «الغوييم» – وفق المصطلح الصهيوني- تشكل نمط تفكير شوفيني تلتقي عليه العقيدتان الداعشية – أو القاعدية و»الإسرائيلية»، إذا جاز التعبير، من دون أن يقيم وزناً للحدود والجغرافيا، وحتى التاريخ، إلا في حدود ما «يقدسه» منهجه العقائدي الأقرب إلى الأسطورة او الخرافة، وسوى ذلك لا شيء يعود مقدساً حتى يدخل في نطاق المباح للهدم والتدمير.

هنا قد يشكل كلّ مشروع منهما ضرورة يتغذّى عليها المشروع الآخر في الإطار العام، خصوصاً أنّ كليهما يعتبران نتاجاً طبيعياً للعبث الاستعماري المنكفئ منذ سنوات عن سياسة «إدارة التغيير» نحو نهج أقلّ تحفظاً، والمتمثل بسياسة «الفوضى الخلاقة».

في هذا السياق، قد تبرز صيغة «العيش المشترك» في لبنان وبلدان عربية أخرى تهديداً وجودياً يجمعهما. واللافت في هذين المشروعين اللذين ينسب أتباعهما أنفسهم زوراً إلى إحدى الديانات السماوية، اختلاط الجانب الديني لديهما بالسياسي على نحو مثير للجدال لا يخلو من منهج توظيفي للأول في سبيل الثاني.

فالمشروع الصهيوني المؤسّس على جملة أساطير تناولها المفكر الفرنسي روجيه جارودي بالتفصيل في كتابه الشهير بعنوان الأساطير المؤسسة للسياسة «الإسرائيلية» ، عمد منذ البداية إلى استخدام «كتابات مقدسة» اختلقها أربابه لتقديم مبرّرات ذات مضامين «دينية» لأساليب القتل والتهجير ومختلف أشكال القمع والإرهاب، هو بالمناسبة نفسه في صلب نهج تحركات الجماعات التكفيرية كذلك.

المهمّ، أنّ «إسرائيل» على الدوام وإزاء بروز دور هذه التنظيمات الإرهابية على الساحة السورية في البدء، وفي المنطقة مع مرور الوقت، لم تبد تخوّفاً يذكر، بل على العكس سعت إلى توظيفها بشكل مباشر ميدانياً، واستغلالها بشكل غير مباشر سياسياً عبّر عنها علانية مسؤولون «إسرائيليون» حين تحدثوا عن علاقة «إسرائيل» بهذه الجماعات. وقد لا يتسع المجال هنا للخوض في كلّ ما أفادت منه الجماعات المتطرفة في سورية العدو «الإسرائيلي»، إلا أنّ واقعة هجوم أولئك على قواعد الدفاع الجوي السوري التي لا تشكل قيداً ميدانياً على تحركات هؤلاء في إطار الحرب الدائرة هناك، بقدر ما تمثل خطراً حقيقياً على اعتداءات القوة الجوية الأعتى في الشرق الأوسط، العائدة للعدو الصهيوني، تقدم بوضوح دليلاً على «الحميمية الاستراتيجية» بينهما. كما أنّ «فزاعة» تلك الجماعات لطالما أفادت «إسرائيل» سياسياً سواء عبر الربط بين إرهابها وبين مقاومة الفصائل الفلسطينية، أو عبر الإصرار على ضمانات أمنية اعتادت على طلبها دوماً من الجانب الفلسطيني كأحد شروط «عملية السلام».

وقد عبّر ثاني رئيس «إسرائيلي» إسحاق بن زيفي: «إنّ يهوداً كثيرين جداً يعيشون بين الشعوب بطبيعتين: إحداهما ظاهرة، وهي اعتناق دين الشعب الذي يعيشون بينه جماعياً وظاهرياً. والثانية: باطنة، وهي إخلاص عميق لليهودية». وما يظهر من عناية «إسرائيلية» بالغة لـ»جبهة النصرة»، وما تتناقله قنوات دبلوماسية واستخبارية عديدة عن ارتباط مسؤول تنظيم «داعش» المدعو أبو بكر البغدادي العضوي بالاستخبارات «الإسرائيلية» وتدريبها ونظيرتها الأميركية له عسكرياً وأمنياً، لا سيما ما يتعلق بخوض الحرب النفسية، يتلاقى مع نتائج دراسة قدّمت عام 2006 عقب الفشل أمام المقاومة من قبل كلّ من رئيس أركان الجيش «الإسرائيلي» دان حالوتس ورئيس شعبة العمليات آنذاك والذي سيتبوأ منصب رئاسة الأركان عما قريب غادي آيزنكوت. تخلص هذه الدراسة إلى وجوب خلق بؤر إرهابية من مجموعات «دينية» متشدّدة وإعطائها مساحة جغرافية للبدء بتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية تخدم المصالح «الإسرائيلية» والأميركية معاً مع الحرص على تشويه فكرة الإسلام من جهة من خلال فتاوى لا قاعدة لها في الدين، ومن جهةٍ أخرى تحويل بوصلة القضية الأساسية للعرب وهي القضية المنتهكة حقوقها، أيّ فلسطين.

لهذا يحق لنا التساؤل، هل يعبّر أيّ من هؤلاء المتطرفين حقيقة عن الإسلام، أم أنهم على حدّ تعبير بن زيفي «يهود متخفّون»؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى