الكاريزما

رولان رياض مشوح

صفةٌ لا يصعب اكتشافها إنّما يصعب علينا تعريفها وتحديد ماهيتها، فهي غامضة جداً لكن لا تُنسى أبداً ولا ينسى أصحابها. إنها الكاريزما، تلك العبارة التي كثيراً ما يتردد على مسامعنا لفظها أو لفظ «الشخصية الكاريزمية» فما هي الكاريزما ومن هو الكاريزمي أو صاحب الشخصية الكاريزمية؟

الكاريزما هي تلك القدرات غير الطبيعية في مجال القيادة والإقناع وجذب الآخرين نحوك والالتفاف حولك، وهي تتميّز بالقدرة على إلهام الآخرين عند التواصل معهم وشد انتباههم على شكل أكثر من معتاد.

كلمة كاريزما يونانية الأصل تعني الهدية أو التفضيل الإلهي، وتشير إلى الجاذبية الكبيرة والحضور الطاغي الذي يتمتع به بعض الأشخاص، أو هي القدرة على التأثير في الآخرين إيجاباً عبر الارتباط بهم جسدياً وعاطفياً وثقافياً، فهي سلطة فوق العادة، ذات سحر شخصي، وقد حاول البعض ترجمتها إلى «سحر الشخصية» أو «قوة الشخصية» أو غيرها.

الشخص الكاريزمي هو الذي وجد ليبقى في الذاكرة ولا ينسى البتّة، سواء أحببناه أم كرهناه. قدراته هائلة لا حدود لها، أبرزها السيطرة. عندما تقابله يجذبك منذ الوهلة الأولى، ويملك القدرة على البقاء في ذاكرتك وأحاسيسك ومشاعرك. بمجرد أن يجلس إليك أو يحاور مجموعة من الأشخاص يلفت الأنظار إليه ويكون محور اهتمام الناظرين إليه، بل أكثر من ذلك، كل من يراه أو يختلط به يحاول تقليده ومجاراة أفعاله، ربما من دون وعي أو إدراك في كثير من الحالات. يوصف الكاريزمي معظم الأحيان بأنه إنسان اجتماعي جداً، نشيط، سريع البديهة، محبوب، يعشق التحدي والتغيير، لا يقف أمامه شيء، أفكاره عميقة، صاحب موقف وفكر معين، واثق من نفسه، قادر على الإقناع.

النظريات القديمة التي تحدثت عن الكاريزما كانت تؤمن بإلهية الكاريزما وملاصقتها للشخص منذ ولادته حتى مماته، إلاّ أن الدراسات الحديثة أثبتت أن الكاريزما عبارة عن سلوكيات وتصرفات قابلة للتعلم والاكتساب بالمثابرة والاجتهاد، إذ قدّر البروفيسور ريتشارد وايزمان الجزء الطبيعي من الكاريزما بنحو 50 ، في حين أن الباقي يكتسب بالممارسة والتعلم. كما أكد علم الإدارة الحديث أنّ الكاريزما يمكن أن تكتسب مع التطوير الذاتي للأفراد، ومع كثرة الاحتكاك بالأشخاص والتواصل معهم، فهي مجموعة من المهارات التي يمكن أن يتدرب عليها الشخص كي تصبح جزءاً من شخصيته، لذا على كل شخص أن يعمل على تطوير ذاته من خلال اتباع عدة خطوات تساعده في اكتساب كاريزما خاصة به:

1- اكتساب احترام الآخرين من خلال الأقوال والأفعال المتزنة، واحترام مشاعر الغير مع الحفاظ على مبادئه في الحياة مهما تغير الأشخاص والمواقف، فالإنسان المحترم أكثر تأثيراً وإقناعاً للمحيطين به.

2- الثقة بالنفس في التغلب على القلق والخوف والخجل ومواجهة أي موقف مهما بلغت درجة صعوبته.

3- تعلّم فنون التواصل غير اللفظي من خلال القدرة على إرسال إشارات غير لفظية بلغة الجسد والعين ونبرة الصوت.

4- تعلّم مهارة إقناع الآخرين بالبساطة والتلقائية والصدق كي تصبح أكثر ارتياحاً وأكثر تأثيراً وإقناعاً للآخرين.

5- احترام مشاعر الآخرين واللباقة.

6- اختيار الوقت والشخص المناسب لكل موقف، وهذا يعتبر أساسياً في بناء علاقاتك مع الآخرين أو هدمها.

7- التعامل مع الأشخاص تبعاً لخلفياتهم لكي تحسن التصرف مع الآخرين.

8- حب العطاء وروح المبادرة، من خلال السعي إلى تصحيح مسار الأمور بدلاً من انتقادها.

9- توافر روح المرح لدى الشخص الكاريزمي.

من الضروري القول إن «الكاريزما» تعتبر عنصراً مهمّاً في شخصية «القائد» إذ تضمن اجتذاب الجماهير والاحتفاظ بولائها، وقد تتجسد في مجال السياسة شخصية تشرشل وغاندي ومانديلا أوعالم الرياضة مايكل جوردن وبيكهام وزيدان ، أو نجوم الطرب إلفيس برسلي ومايكل جاكسون وفرقة «البيتلز» ، كما توجد بنسبة طاغية لدى نجوم السينما إلى حدّ جعل صحافة هوليوود تطلق عليهم لقب أنصاف الآلهة .

يقول مقطع أغنية «لحظة سرت في مفترق الطرق، استطعت أن أعرف أنك رجل مميز، إنسان حقيقي». هذه للمشهورة شيرلي باسي أن الناس تحكم علينا بعين عمياء، فالحكم على شخص ما ينبع من امتلاكه الكاريزما، أو عدمه، ولو نظرنا حولنا لاحظنا أن الناس يسعون في معظمهم إلى جذب انتباه الآخر بمختلف الوسائل الممكنة، وفي المقابل نجد شخصاً يملك كاريزما خفية تجذب إليه العقول والقلوب من دون جهد يذكر.

وعادةً ما يكون أصحاب الشخصية الكاريزمية ناجحين، إذ يعرفون كيف يحققون أهدافهم. وقد يكون أصحاب الشخصية الكاريزمية موجودين في مجالات الحياة كافة، خاصة في مجالي السياسة أو الإعلام، وقد يكون المتنعّمون بها محبوبين وذوي شخصية جذابة وقوية التأثير أينما حلّوا.

محامية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى