البنيات الدالّة على الحياة والموت في شعر فايز خضور… بحثاً لماجد رزق
«البنيات الدالة على الحياة والموت في شعر فايز خضور» كتاب للناقد ماجد سليمان رزق صدر لدى «الهيئة العامة السورية للكتاب» في 216 صفحة قطعاً كبيراً ويقف فيه على تجربة فايز خضور الشعرية التي احتضنت مزيجاً معقداً من الوعي واللاوعي معاً ومن مشاعر متناقضة، وعبرت عن الماضي بما فيه والحاضر بسائر همومه ومسراته والمستقبل بجميع مخاوفه وأمانيه. ويرسم رزق ملامح تجربة خضور في امتدادها على مساحة عريضة من الزمن شهد المجتمع العربي خلالها تحولات كبيرة وطارئة في البنى السياسية والاجتماعية والتاريخية، تبعها تحول هائل في بنية الشعر والفن عامة على مستوى الشكل والمضمون.
كما اعتبر رزق أن تجربة خضور صدرت عن هم فردي بوصف الشاعر ممثلاً بصوت الجماعة متماهياً فيها ومعبراً عنها، إضافة إلى أن تجربته ادخرت عناصر ومقومات ثقافية ولغوية وجمالية متنوعة تعمل على إثارة الجدلية بين القديم والحديث، معتبراً هذه التجربة من المفاصل الرئيسة والمهمة في حركة الحداثة الشعرية العربية.
يقوم الكتاب على فرز البنيات الدالة واختبارها بصورة تراعي طبيعتها، وترد فيه سياقات دلالية، أبرزها بنية الموروث الأدبي والديني والأسطوري، وبنية الصورة الشعرية إضافة إلى بنيات مرتبطة ببنيتي الزمن والتكرار، لكنها تدور في فلك فضاءات المرأة والطبيعة والموت وما هو قائم بين تلك البنيات من علاقات جدلية وتجانسية.
قسم رزق بحثه قسمين، يشتمل الأول على البنيات الكبرى مدرجة في ثلاثة فصول يتضمن الفصل أولها تجليات الحياة التي تتضمن المرأة والطبيعة بدلالاتها المختلفة، وثانيها تجليات الموت بدلالتها الصريحة والضمنية وثالثها الموت المتصل بالحياة وآلية التوظيف الأسطوري المتنوع.
الباب الثاني في بحث رزق يضع تلك البنى موضع التطبيق والاختبار على نحو أوسع وأعمق وأدق، من خلال دراسة البنيات اللغوية المشكلة للبنيات السابقة وهي مدرجة في ثلاثة فصول أيضاً، ويتضمن الفصل الأول لغة الموروث وأشكال تطويعه المختلفة من دينية وأسطورية وأدبية، والثاني لغة الصورة السمعية والبصرية، والثالث تحليل كامل للعديد من النصوص الشعرية المنتقاة.
يرى رزق أن هذه التجربة الشعرية لدى خضور ضاربة في الحداثة الشعرية العربية وتحمل لغتها القارئ على النظر والتساؤل بأمرها، وتجسد رؤية الشاعر العلاقات الخفية للواقع الممكن والمستقبل المنظور. كما أن الحديث عن لغة الشعر يقضي بالضرورة الحديث عن مكونات القصيدة من الألفاظ والتراكيب والخيال والموسيقى والموقف الإنساني، فضلاً عن بحث العلاقة بين تجربة خضور الشعرية والواقع الاجتماعي بالنظر إلى الشعر كبنية معرفية لغوية صادرة عن الهمّين الفردي والاجتماعي.
ويظهر الناقد البنى اللغوية المشكلة للخطاب الشعري لدى خضور ومدى نجاحها أو عدمه، بما يتوافق مع مقومات الحداثة الشعرية. فضلاً عن كشفه عن العناصر والتقنيات التي أفاد منها الشاعر، وآليات توظيفها في بناء القصيدة الحديثة المتكاملة، كاشفاً عن طبيعة الرؤية التي صدر عنها الشاعر في تشكيل خطابه الشعري.
يعتمد الناقد في كتابه على المنهج البنيوي التكويني الذي يذهب إلى أن العلاقة بين النص الأدبي والمحيط التي نشأ فيه علاقة جدلية، مبينا أن الأدب إنتاج اجتماعي وعملية الإبداع تعبير عن الفرد ضمن الجماعة. ولكل من هذه الانساق خصائص تساهم في البناء الكلي لفهم المستويات المتعددة للأعمال الأدبية ودراسة علائقها وتراتبها والعناصر المهيمنة عليها وكيفية تجسيدها لرؤية المبدع العالم مع ما حوله، ما يدل على أن الدراسة وصلت إلى المستويين النظري والتطبيقي وفق المنهج النقدي المعتمد.