أحقٌّ هذا أم هذيان؟!
آمنة حسين حافضة
ما يكون ذلك؟! وماذا نسمّيه؟! حين يحاصرنا أحدهم، فنسمع قرع نعليه بين أحرفنا، ولهج نبضه يطوف بأرجائنا، ونشعر بعينيه تتربّصان خطواتنا، وتتابعنا همساته من دون أن ينطق. يملأ بحضوره المكان، لتعبق ملامحنا بعطره، وتحس نبضات حروفه التي تئن بشيء دفين، تجعلنا بين نسيمات من حلم وردي، فتعتاده ممراتنا، وإذا به فجأة يشهر مسدسات الغياب وقد ألجمها بكاتم صوت لتغتال فرحتنا التي ولدت لحضوره، وحينها يسعنا رغم التيه والكبر وادعاء الغرور، إلاّ أن نتتبع بعض آثاره المسكوبة في حدقات ا نتظار. انتظار مطر عطشت تربتنا نهماره… وها هي أولى قطراته تضج بها المزن، وجعلت الرياح تدفعنا بحثاً عن زنابقه المغروسة في أفق محدود متناهٍ، شديد ا نحدار نحو اسمرار شفق عمر مديد، حبل خوفاً وانتظاراً لهبوط أدونيس ا رض ويسرق من الخد قبلة تعيد للورود حياتها، فتحمر خجلاً لتلك القبلة حيث كانت ا منية لو أنها سرقت من حبات الكرز، لتتفجر الينابيع خضاباً من خمر تسكر من نشوتها ا هات الكامنة فينا، الملتحفة بانتظار ذلك الطيف ليعتلي سدة شمس العمر المنصرم خلف شطآن الخوف من المجهول ا ثم الذي ترك أرواحنا صريعة الرعب تحت راية ا نتظار، وما كان من تلك الخطى الرازحة تحت أغلال الغرور، إلاّ أن هامت بحثاً عن تلك العيون الصماء علّها تعيدها إلى صخبها، وليعود إلى المكان أسراب ا خضرار فيزهر ا فق من جديد، وتغرد النجمات احتفاء بقتل ذلك الغياب، وصلب ا نتظار على قارعة لقاء دامت احتفا ت التحضير له قروناً وأعواماً، منذ أزل من عوالم النطف والذراري، لتلقي التنهيدات أثوابها العتيقة بعد اهتراء دام وجوداً ممتداً إلى عصور سحيقة… وها هي تلمح طيفه عن بعد. نعم إنه ذلك ا دونيس، انتفض من قيلولته ليحتضن أمواج الجسد المنهك المتسائل: هل سيفنى ا نتظار؟ وهل سيعود لذاك البحر النبض والعمار؟!