أول ثورة عربية مكتملة في القرن الـ21

ناصر قنديل

لم يعد مهماً ما سيقوله عتاولة الإعلام العربي، خصوصاً من بقايا اليسار، الذين نجح النفط العربي في إغوائهم وتحويلهم إلى طبول فارغة تردّد صدى ما تطرقه عصا الطبال الأمير على رأسها، لقد أنجز التيار الحوثي الثورة التي كان يتشدّق كثير من المثقفين والكتاب والمفكرين، بأنهم يحلمون بمثلها منذ قرن مضى.

كما أنجز حزب الله المقاومة التي كانت حلماً غير قابل للتحقق، وراكم فوق الإنجاز ما هو أبعد من الأحلام، كمثل أن تصير المقاومة إعجازاً يتفوّق على سيرة الفيتكونغ، وينشئ قدرة ردع عجزت عن تشكيلها الجيوش العربية مجتمعة، أنجز الحوثيون ثورة قلبت النظام وعلقت أحكام الدستور، وحلت البرلمان وشكلت مجلساً وطنياً انتقالياً، سينتخب مجلساً رئاسياً، وتنبثق منهما حكومة تدير البلاد لسنتين، تماماً وفقاً للوصفات التي دأب الثوريون على تكرارها لمعايير الثورة، التي لم يشهد مثلها أيّ من بلاد الربيع العربي ، حيث بقيت آليات النظام القديم، ومنها انبثقت آليات جديدة، بالحجارة القديمة، فعلى سبيل المثال لا يزال وزير الداخلية المصري صالحاً لكلّ الفصول وكلّ العهود، ووزارة الداخلية هي ما هي في بنية كلّ نظام، فكيف بالأنظمة في بلادنا؟ وعلى رغم ذلك يتغنى المثقفون ويتسابقون على تطيير برقيات التهنئة بالثورة مرة ومرتين ولا مانع بثلاثة، طالما كامب ديفيد بألف خير، مثلما لا يعنيهم في لبنان شيء كمثل قلوبهم الموجوعة دائماً على القرار 1701.

لا يهمّ من سيهاجم الحوثيين، كما لم يهمّ من هاجم حزب الله، فهما الإنجازان الأهمّ لجيلنا، حزب الله قدّم لنا وصفة كاملة لكيف يمكن إلحاق الهزيمة بـ إسرائيل ، كيف تحرّر الأرض من الاحتلال، وكيف تبنى قدرة ردّ العدوان، وكيف ينشأ توازن الرعب، وكيف يتحوّل إلى قدرة ردع كاملة، وكيف يجري كلّ ذلك بأقلّ من نصف شعب بأقلّ من واحد في المئة من مجموع الشعب العربي، وفي بلد هو من الأصغر والأضعف، والأشدّ انقساماً، وها هم الحوثيون يقدّمون لنا الوصفة لكيف تكون الثورة، تقودها قوة ذات تكوين عقائدي خاص، ولون مذهبي خاص، ولا يأسرها هذان البعدان الخصوصيان، عن التصرّف كقوة وطنية ديمقراطية، تستنهض كلّ شرائح الطبقات الشعبية والمتوسطة، والنخب الليبرالية والوطنية، وتعبّر في تحالفاتها فوق الطوائف والمذاهب، وتتقن الجمع بين الانتفاضة المسلحة المتتابعة على مراحل، والعمل السياسي الهادئ على مراحل أيضاً، من نقلة إلى نقلة إلى نقلة، وأخيراً كش ملك، كيف تحسب اللحظة، وكيف تدار المفاوضات، وكيف تشكل أطر السلطة الجديدة وتتسع للجميع، وتتاح المشاركة للجميع، وكيف يمسك الأمن ويدار الجيش، وتقاتل القاعدة ، وتستوعب العشائر.

مشهد اليمن يستحق رفع القبعة، نقطة دم واحدة لم تسقط، في الثورة البيضاء التي حسمت اتجاه مستقبل اليمن، البلد الحاسم في الخليج، وبيضة القبان في تطورات جنوب المنطقة من باب المندب إلى السعودية، ثقل السكان والجغرافيا، مجلس وطني مضاف لأعضاء البرلمان لمن رغب منهم، يعني إطاراً تمثيلياً واسعاً سينتخب مجلساً رئاسياً من خمسة ويشكل حكومة كفاءات، والخطوة الأولى، لجنة أمنية تتولى حفظ الأمن، وينفجر الغيظ السعودي، يتحدث المستجلبون إلى الفضائيات عن الانقلابية كتهمة، وكأنّ الثورة كانت يوماً غير انقلابية، ويتفلسف بعضهم عن الديمقراطية، كأنّ كلامهم السابق عن الأنظمة العربية كان يُسمّي برلماناتها التي حلت أولها الثورة اليمنية، أطراً ديمقراطية، أو كأنّ الصحف والمنابر التي تستضيفهم ويمتدحون حكمة مموّليها، ترفل بفائض من الديمقراطية، ويختتم العقلاء ذوي المهابة، برطانة الصوت ورصانة النبرة، نناشد الملك السعودي حارس الديمقراطية ، ليتحرك.

لو يعلمون أنّ الملك لا حول له ولا قوة لصمتوا منذ زمن، كما صمت الذي لا يعلمون أنّ إسرائيل التي يريدون للمقاومة أن تخشاها لا حول لها ولا قوة، إنْ علموا!

المهمّ اليوم أن نقول لقادة التيار الحوثي، بعد التحية والتبريك والشدّ على الأيدي، الانتباه إلى الأمن أولاً، والتسامح وسعة الصدر ثانياً، ومؤامرات الانشقاقات القبلية والجغرافية ثالثاً، وإيجاد صيغ مرنة تتسع لاستيعاب الجميع، خصوصاً أصحاب المصالح، فالمبادئ تحرّك أصحابها، لكن المصالح قانون السياسة، والأهمّ الانفتاح الدائم على فرص التسويات، من النقطة التي تكون الثورة قد بلغتها لمراكمة الإنجاز على الإنجاز، طالما القرار أولاً وأخيراً في أي صيغة حكم، سيبقى لصناديق الاقتراع وإرادة الشعب، ومن كان الشعب والله معه منتصر لا محالة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى