ما يُسمّى ائتلاف الدوحة مَن يمثل؟
جمال العفلق
مع بداية الحرب على سورية وشعبها كان أعداء دمشق يبحثون عن صيغة مـا أو تشكيل سياسي يكون حاضراً في المؤتمرات والاجتماعات العلنية التي تهدف إلى تكوين صورة لدى الرأي العام بأنّ هناك قوة سياسية فاعلة تعمل على الأرض ولها كيان حقيقي، فجاء مؤتمر اسطنبول ليكون نواة لما سُمّي في ما بعد «ائتلاف الدوحة» نسبة إلى العاصمة القطرية التي جمعت أعضاء هذا التشكيل على أراضيها، وحجزت لهم في الفنادق ليخرجوا بصيغة تعبِّر عن كيانهم، وعندما اختلفوا وتباينت الآراء دخل إليهم في الغرفة المغلقة من قال لهم أنتم هنا لتنفيذ التعليمات وليس لأخذ القرارات.
وهذا ما حصل بالفعل، فقد تشكل ائتلاف الدوحة وأكثر أعضائه لا يعرفون الهدف منه وما هي سياسته ولصالح مَن يعملون. فهو صنع في الأساس لخدمة الصانع الغربي والتركي والخليجي وليس، كما يزعم أعضاؤه، لخدمة السوريين وهم أكثر المتضررين من الحرب ومن ممارسات التنظيمات الإرهابية التي وفرت لها الدول الراعية للائتلاف المال والسلاح والغطاء.
بقيت قرارات الائتلاف وتصريحاته تفرض عليه فرضاً، فلا خيار أمامه سوى تنفيذ رغبة الصانع من دون أدنى هامش لمن يقولون أنهم سوريين ويمثلون الشعب السوري بوضع بصمتهم. فكان الخطاب الطائفي أساساً في البيانات «الأكثر اعتدالاً» ، وكان الائتلاف يعكس صورة المشغل في كسب عداء دول بعينها وجد صانعوه أنها تعطل مشروعهم في تدمير سورية وقتل شعبها. وفي المقابل، كانت هناك رسائل تبعث باسم الشعب السوري تطلب التقرب من كيانات أو دول ومنظمات لا يمكن أن يفكر الشعب السوري في يوم من الأيام في اللجوء إليها والتعاون معها وعلى رأسها «إسرائيل».
إنّ من يتابع بيانات الائتلاف وتصريحات «مسؤوليه» في وسائل الإعلام العربية والغربية، يدرك تماماً أنّ من يتحدث يعبر عن توجهات أعداء سورية، وبالتالي لا يمكن أن يكون ممثلاً للسوريين ومعبراً عن أحلامهم وطموحاتهم.
في وقت كانت التنظيمات الإرهابية تبث أفلام القتل وتقطيع السوريين عبر شبكة الإنترنت، كان الائتلاف يتحدث عن قوى الثورة وتقدمها الميداني، قاصداً بذلك العصابات الإرهابية التي كانت تزحف باتجاه القرى السورية وتقتل وتهجر سكانها الآمنين. وفي وقت كانت أصوات السوريين ترتفع ليسمعها العالم بأسره، بأنّ الإرهاب ينتشر كما النار في الهشيم، كان ائتلاف الدوحة يعيد اسطوانة وجود سلاح كيماوي ويطالب المجتمع الدولي بضرب سورية وإنزال أشدّ العقوبات بها.
ومن خلال متابعة مجريات الأحداث التي تلت تشكيله، نلاحظ أنّ الائتلاف طالما صدّر إلى الواجهة من يمثل قوى بعينها، فعندما تكون الكرة في الملعب السعودي يكون رأس الائتلاف موالٍ للسعودية ومحسوباً عليها ومقيماً فيها، وعندما تنتقل الكرة إلى تركيا يصبح من يتبع تركيا هو رأس الائتلاف، لكنه لم يكن مرة ممثلاً للسوريين الذين لا يعنيهم أن يمثلهم لا من قريب ولا من بعيد، حتى المعارضين من السوريين لم يقولوا في يوم من الأيام أنّ ائتلاف الدوحة يمثلهم أو شريك لهم، إلا بعض الذين بحثوا في مرحلة ما عن امتيازات ومكاسب خاصة، وفكروا في الاستفادة من الميزانية الكبيرة التي يحصل عليها الائتلاف من خلال الدعم العربي والغربي، ومن مصادر أخرى منها التعاون التركي مع العصابات في سرقة بترول سورية وآثارها وأموال السوريين ومصانعهم، والأخطر من ذلك كله، أنه كان يحصل على أموال من تجارة البشر والأعضاء التي ازدهرت في مناطق معينة، والتي تورط فيها من يجلس تحت المظلة التركية بالقرب من الحدود السورية.
هذا غيض من فيض، فقصص اللجوء أكثر بكثير من أن نحصرها في مقال أو ندونها في كتاب، وبعد هذا كله من حقّ كلّ سوري أن يسأل: من يمثل هذا الائتلاف؟ وكيف يستمع المجتمع الدولي الذي يدّعي دائماً أنه حريص على أمن وسلامة الشعوب إلى كيان متورط في كلّ ما هو معادٍ للإنسانية ومساهم في تسويق الإرهاب في بلد دفع الكثير من دماء أبنائه؟ وكيف يصدق إنسان أنّ كياناً سارع بالبكاء والعويل على جريمة إحراق الطيار الأردني وغيره من الذين أعدمهم «داعش» من غير السوريين، رغم استنكارنا الكبير لهذه الجريمة، لكنّ دموعه تجف عندما تُرتكب الجريمة في حق مواطن سوري؟
أعتقد أنّ صانعي الائتلاف يبحثون اليوم عن صيغة ما لحلّ هذا الكيان الذي أثبت فشله ولم يستطع حتى اللحظة كسب أي تأييد شعبي، لكنّ المعضلة أمام الصانع مَن سيكون البديل؟