الخلاف «الإسرائيلي» ــ الأميركي
حميدي العبدالله
لم تعد الخلافات «الإسرائيلية» الأميركية خافية على أحد. فليس المظهر الوحيد لهذه الخلافات الطلب غير المسبوق الذي قدّمه رئيس وزراء العدو للتحدّث أمام الكونغرس من دون الحصول على موافقة الإدارة الأميركية، والذي أثار توتراً في العلاقة بين الطرفين، بل إنّ المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية حول الملف النووي الإيراني، والتصعيد الذي افتعلته الحكومة «الإسرائيلية» على الجبهة الشمالية، والانتقادات التي توجه لسياسة أوباما في سورية من قبل جماعات الضغط الموالية لـ«إسرائيل»، تشكل جميعها مظاهر لهذا الخلاف.
ولم يكن موضع سجال أو تقييمات متعارضة مبدأ وجود خلافات أميركية «إسرائيلية»، لكن النقاش والسجال، وحتى التقييم، انتقل إلى مستوىً جديد له علاقة بأرضية هذا الخلاف السياسي، وما إذا يعكس افتراقاً بين واشنطن وبين تل أبيب، أو يمثل الخطوة الأولى على طريق هذا الافتراق.
لا شك أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، هي علاقة استراتيجية وتعكس ترابطاَ عضوياً يجعل من الصعب، بل من المستحيل، حصول افتراق بين الولايات المتحدة وبين الكيان الصهيوني، لا الآن ولا في المستقبل ولن يحدث هذا الافتراق إلا في حالة واحدة، وهذه الحالة غير متوقعة في مدى تاريخي منظور، وهي تغيير النظام الأميركي ذاته من الناحتين الاقتصادية والسياسية.
الخلاف بين إدارة أوباما وبين حكومة نتنياهو يعكس الخلاف داخل الولايات المتحدة حول سياسة أوباما الخارجية على جميع الصعد. فجناح اليمين من النخبة الحاكمة الأميركية، والجناح المؤيد تاريخياً لـ«إسرائيل»، يشكلان معسكر الحرب في الولايات المتحدة، أيّ المعسكر الذي يسعى إلى فرض وحماية المصالح الأميركية في الخارج عن طريق القوة العسكرية غير مكترث لنتائج الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة حتى الآن، والعواقب الوخيمة التي تركتها هذه الحروب على الاقتصاد الأميركي، وعلى قدرات الولايات المتحدة العسكرية ومكانتها الدولية، وغير مكترثٍ للتحوّلات الدولية التي تجري والتي تعيد صياغة معادلات القوة على الصعيد الدولي، بما يحدّ من قدرة الولايات المتحدة على الاضطلاع بالدور الذي سعت إليه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وسقوط النظام الدولي ثنائي القطب.
هذا الانقسام داخل الولايات المتحدة يشق النخبة الحاكمة، بما فيها مرتكزات القوة اليهودية متمثلة بالشركات أو البيوتات المالية، والأرجح أنه سيوف يمتدّ إلى داخل الكيان الصهيوني، لوجود ترابط موضوعي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني على جميع المستويات، ولا سيما الصعيد الاقتصادي، وهذا الواقع يرتب نتيجة على جانب كبير من الأهمية، تستدعي العناية والمواكبة من قبل المحللين والخبراء، ومفادها أنّ الافتراق مستحيل ولكن زوال الخلاف مستحيل بنفس القوة، وسيتعاظم تأثير هذا الخلاف كلما كبرت التحديات التي تحدّ من فعالية السياسات الأميركية، وكلما تقلصت قدرة الترهيب لدى الكيان الصهيوني.