الخميني وبري وعون والحوثي / 1 المحور الجامع نصرالله وشهر شباط

ناصر قنديل

– يزدحم شهر شباط بالمناسبات والإحياءات والأسماء الكبيرة، لكن يبقى حدث شباط الأهم والمؤسس لسواه، هو انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة تاريخية استثنائية، للإمام الراحل روح الله الموسوي الخميني. ففي الفترة الممتدة بين الأول والحادي عشر من شباط عام 1979 كان الإمام من مقرّه في طهران، يقود أحداث الثورة حتى حسم انتصارها في عشرة أيام، ليكتب في التاريخ انتصار أول ثورة سلمية غير عنفية على أعتى سلطة ديكتاتورية مدعومة من كل قوى الاستكبار والطغيان في العالم، ويفتتح مساراً جديداً في تاريخ المنطقة، وتاريخ العالم.

– حدث أنه في ذلك العام كانت «إسرائيل» التي تعتبر نظام الشاه في إيران توأم الدور وسند المكانة، قد ظنت أنها تدخل المرحلة الأهم من إحكام سيطرتها على المنطقة بتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد، وافتتاح عهد السلام المؤسّس على التسليم بيدها العليا، والاعتراف بشرعية اغتصابها فلسطين، ليأتي من طهران الردّ برفع علم فلسطين في مقرّ كان يفترض أنه القلعة الحصينة للموساد، السفارة «الإسرائيلية» تصير سفارة فلسطين، ويطلق الإمام الخميني شعاره الشهير، اليوم إيران وغداً فلسطين. ويتقابل المساران في المنطقة والعالم، مسار كامب ديفيد بما يعنيه من تكريس شرعية «إسرائيل» وتفوّقها، ومسار الثورة الإيرانية وما يعنيه من قدرة الشعوب على صنع المعجزات. فترجمت «إسرائيل» بسرعة فائض القوة المحقق من كامب ديفيد بغزو لبنان، وترجمت واشنطن وحلفاؤها في المنطقة هجومهم المعاكس على المسار الجديد الذي تخطه حروفه طهران، بتوريطهم العراق بحرب عشر سنوات دمّرت الكثير من مقدرات العراق وإيران، أملاً بأن تنجز «إسرائيل» في هذه العشرية ما كان مخططاً لها إنجازه.

– لم تمنع الحرب ولا منعت العقوبات إيران الثورة، من مدّ يد العون وتوطيد العلاقة بسورية، الدولة الوحيدة خارج سرب الخضوع للهيمنة الأميركية والواقفة بقوة بوجه مشاريع الاستسلام، وتشكل من حاصل هذا التعاون تأمين معادلة تسمح بكسر التوازن الذي طمحت لإرسائه «إسرائيل» عبر غزو لبنان، فكانت المقاومة التي حمل لواءها مقاتلو الأحزاب الوطنية اللبنانية وتصدرها بصورة خاصة شباب حركة أمل والحزب السوري القومي الاجتماعي والشيوعيون، حتى ظهر إلى الساحة الشباب الذين واكبوا الثورة الإيرانية عقائدياً وجهادياً وبرز إلى الميدان حزب الله، ومع نهاية عشرية الحرب على إيران سجل العقد الأول من سباق المسارين، اللذين انطلقا عام 1979 نهاية الجولة الأولى بفشل الحرب على إيران بتطويعها وإخضاعها وتدجينها، وفشل غزو لبنان بتحقيق أهدافه، فقد رحل الإمام الخميني وهو يغمض عينيه على خطة إعادة بناء إيران المتمسكة بثوابتها وفي طليعتها مقاومة «إسرائيل»، مسلماً الأمانة للإمام علي الخامنئي حارس الثوابت وحارس الجمهورية وحارس الثورة، وفي قلب الإنجاز ولادة المقاومة في لبنان.

– كانت أبرز حلقات هذه الجولة العشرية الأولى، انتفاضة السادس من شباط عام 1984 التي قادها بكفاءة نادرة الرئيس نبيه بري، على كلّ المستويات وصولاً إلى ترجمة إنجازاتها، المؤسسة على التحالف الاستراتيجي بين سورية وإيران، لبلوغ نقاط النهاية، بإسقاط أتفاق السابع عشر من أيار، الذي ولد كنسخة هجينة عن اتفاق كامب ديفيد، ورحيل المارينز والقوات المتعددة الجنسيات عن بيروت إعلاناً لسقوط اتفاقية فيليب حبيب التي مثلت وضع لبنان تحت الوصاية الأميركية، وانتهاء بفتح طريق الجنوب أمام المقاومة وتأمين خط الإمداد، الواصل من بيروت إلى دمشق، تتويجاً بالدخول السوري مرة جديدة إلى بيروت، وانتهاء بتوقيع اتفاق الطائف، وانطلاق مسيرة بناء الدولة اللبنانية على خط سياسي عنوانه دعم المقاومة والتمسك ببوابة العلاقة المميزة مع سورية كعنوان لترجمة عروبة لبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى