الأردن وخيارات الثأر…

جمال العفلق

شكل إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة صدمة للشارع الأردني خاصة، وللشارع العربي في شكل عام، وقد أراد «داعش» من خلال الطريقة التي اتبعها هذه المرة في إخراج المقطع المصوّر على طريقة الأفلام الهوليودية، أن يثبت أنّ طيران التحالف الذي يشارك فيه الأردن لم يضعف التنظيم.

هذه ليست المرة الأولى التي يُقدم فيها تنظيم «داعش» على قتل الأسرى والتمثيل بهم، فسجلات السوريين اليوم فيها الكثير من القصص والروايات عن وحشية هذا التنظيم وأفعاله وليس هو الوحيد الذي ارتكب أعمالاً وحشية، فهناك تنظيمات أخرى مثل «جبهة النصرة» و«جيش الاسلام» وغيرهما، تقوم بالأفعال نفسها، فالمصدر العقائدي والتعليمي والتمويل لجميع هذه التنظيمات واحد.

فماذا سيكون ردّ الأردن بعيداً من حماسة الشارع والغضب الذي كان متوقعاً، حيث كانت الحكومة الأردنية جاهزة لتطويقة أمنياً» في محافظة الكرك حيث عشيرة الطيار؟

نقلت بعض المصادر أنّ لدى الأردن خيار الدخول البري وأنّ مقتل الطيار والتعاطف الشعبي معه ضدّ التنظيم الإرهابي يساعد على تحقيق هذا الخيار، وهذا أحد الاحتمالات الواردة على طاولة النقاش والتحليل.

ولكن إذا ما قرّر الأردن الدخول برياً في حرب مع «داعش»، فأي طريق سيختار ومن سيسمح له بالدخول إلى العراق أو إلى سورية . فنقل القوات الأردنية لمحاربة «داعش» أمر مكلف وليس في إمكان الأردن إرسال قوات لا تمتلك طرق اتصال وإمداد مع القيادة وهذا في حدّ ذاته دفع باتجاه حرب غير مضمونة النتائج.

وإذا كان الأردن يريد فعلاً، الثأر لمقتل الطيار الشاب، فعليه أن يغير سياسته تجاه سورية فلا يمكن أن تكون عمّان راغبة في محاربة إرهاب «داعش»، وهي تدعم في الوقت نفسه «جبهة النصرة» وما يسمى بـ«جيش الجهاد» ويتم نقل السلاح إلى تلك التنظيمات وكافة الدعم اللوجستي عبر الأراضي الأردنية من خلال غرفة عمليات مقرّها عمان.

وإذا كان الأردن يريد التخلص من «داعش» فعليه إقفال الحدود الغير شرعية لمرور الإرهابيين منه وإليه حيث هناك نقاط يتم من خلالها تسهيل انتقال الجماعات الإرهابية وتأمين تواصلها، بعلم السلطات الأردنية.

إذا كان الأردن يريد حقيقة محاربة الإرهاب، عليه تزويد سورية والعراق بكافة البيانات عن الخلايا التي تمّ تدريبها أو الاتصال معها من قبل السعودية وقطر وأميركا على الأراضي الأردنية، وذلك لتضييق الخناق على قيادات الإرهاب، التي لا يضمن أحد أن لا تقوم خلاياه بالانقلاب عليه والانضمام لـ«داعش» في أي وقت تجد فيه مصلحة في ذلك. ولا يمكن إغفال الحاضنة الشعبية لتلك الجماعات حيث لا يتردّد الإخوان المسلمون في إقامة خيم العزاء لإرهابيين قضوا في سورية أو قاموا بعمليات انتحارية طالت المدنيين السوريين، كلّ ذلك تحت نظر وسمع الحكومة الأردنية.

وإذا كنا متفقين، ومن خلال كلّ المعطيات، على أنّ «داعش» هو تنظيم تمّ تصنيعه مخابراتياً وأنه وغيره من التنظيمات يخدم أجهزة مخابرات عالمية، فعلى بالأردن التفكير ملياً لمصلحة من سيدخل في حرب طويلة مع الإرهاب المدعوم أصلاً من قبل شركائه الدوليين والإقليميين؟ وما هي المكاسب التي سيحققها على المدى البعيد من هذه الحرب، وهو في إمكانه فقط منع تلك التنظيمات من استخدام أراضيه ليخرج نفسه من أتون حرب لايعرف أحد متى ستنتهي؟

أثبتت كلّ التجارب مع التنظيمات التكفيرية أنها لا تبقى على عهد أو اتفاق، ودليل على ذلك التسهيلات التي قدمتها باكستان لتنظيم القاعدة وحركة طالبان وفي النهاية انقلبا عليها ومازالت تعاني من إرهابهما. حتى أميركا نفسها التي دعمت التنظيمات الإرهابية تدعي أنها عانت وتعاني منها، وما حصل مع الأردن ليس بعيداً عن تركيا التي ستجد نفسها وجهاً لوجه مع تلك التنظيمات.

على الشعب الأردني أن يفهم أنه أصبح في عين العاصفة وهذا ما اختاره مشغلو التنظيمات الإرهابية، وإذا كانت الحكومة جادّة في إطفاء نار شعب جرح بمشهد يعدُّ من أكثر المشاهد المؤلمة، فعليها أن تعيد حساباتها في موقفها من الحرب المعلنة على الشعب السوري الذي دفع ثمناً باهظاً من الأرواح والممتلكات نتيجة سماح الحكومة الأردنية بنقل أطنان من الأسلحة عبر أراضيها. فمسك العصا من الوسط ليس قرار من يريد محاربة قوى التكفير والظلام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى