عمليات «شهداء القنيطرة» تقرّر حدود الدورين الأردني و«الإسرائيلي»
كتب المحرر السياسي:
تتبلور تدريجياً صورة التوازنات الجديدة على الساحتين الدولية والإقليمية، ويبدو المحور الحاسم في هذه الصورة، بعدما حسمت واشنطن أمرها بالخروج من سياسة الحروب، تفادياً للأسوأ وتسليماً بحدود قدرة القوة على صناعة السياسة، هو كيف تنظر واشنطن لحدود الشراكات التي تستطيع تقبّلها مع الخصوم الذين واجهتهم على مدار السنوات الأربع الماضية.
بين شراكات موضعية تطلعت واشنطن لتكوّن سقف اعترافها بالدورين الروسي والإيراني الجديدين، وشراكات كاملة تراها روسيا وإيران حقوقاً ثابتة غير قابلة للتفاوض، كانت سنتا الحرب الأخيرتين، منذ الاتفاق على السلاح الكيماوي في سورية، والعودة إلى التفاوض النشط مع إيران كعلامة لسلوك خط التفاهمات، بالتزامن مع حروب الأحجام والأدوار عبر التصعيد الأميركي بتفجير الأزمة الأوكرانية من جهة وحرب أسعار النفط من جهة مقابلة، وإطلاق «داعش» من القمقم التركي، والإصرار على تسوية في سورية تستثني رئيسها كرمز لسيادتها واستقلالها، وتعيد تركيبها على أساس توزعها كعكة ولاءات خارجية، تعرض نصيباً منها على كلّ من روسيا وإيران.
بين اليمن وأوكرانيا والمتغيّرات في جبهات القتال السورية وانتخاباتها الرئاسية، وتجربة الردع النوعي للدور «الإسرائيلي»، في الزمن المخصص لرسم التوازنات قبل حلول الربيع، وفقاً للجدول الزمني الرمزي الذي وضع للتفاوض الممدّد مع إيران كوعاء يتسع لكلّ ما عداه، تبلورت توازنات جديدة.
تنضمّ جبهة التصعيد الأوكرانية إلى السياقات التفاوضية، مع قمة النورماندي في مينسك، مثلها مثل الأزمة اليمنية، حيث يواصل المبعوث الأممي مساعيه لبلورة التفاهم الذي تمّ وضع خطوطه الرئيسية، وقبلهما تتقدّم سورية تحت سقف مساعي موسكو لبلورة مركز معارضة مقبول كمحاور للحلّ السياسي، والحركة المكوكية للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ويتقدم كلّ هذه المحاور الملف النووي الإيراني خزان الملفات كافة، نحو التفاهمات المتسارعة مؤشراً على التوازنات الجديدة.
لكن التسليم الأميركي بالأدوار الكاملة، لا يزال في التفاوض يحمل الأفخاخ، لإنقاص الأحجام وفرض الحلفاء الذين هُزموا وأخرجوا من ساحات المواجهة، ولذلك يخوض اختبارات، اقتناص الفرص وحسم الحصص، فيحاول التمسك بحلّ لأوكرانيا يحرم جمهوريات الشرق بعض الحقوق، وتمرير ما أمكن من المميّزات لحلفائه في كييف، ويدور تفاوض صعب لتمرير الوثيقة السياسية، المنصفة، لكنها على طريقة إعلان جنيف حول سورية، ستفتح مساراً متعرّجاً ومعقداً من المفاوضات، والتجاذبات على رغم الاتجاه الأوروبي إلى حلّ منجز من جهة، والميزان العسكري الواضح بقوة لصالح جيوش الشرق الأوكراني من جهة ثانية، ونفاد الوقت اللازم للمناورات أساساً.
وفي اليمن توافق جماعة واشنطن وحلفاؤها على حلّ سياسي قاعدته تشكيل مجلس رئاسي، لكن التجاذب على التفاصيل يستمرّ، الأسماء والصلاحيات، والبرلمان الجديد وتقاسم الأحجام فيه، والرهان على زرع الخلافات بين التيار الأبرز للثورة الذي يمثله الحوثيون وحراك الجنوب حول شكل الدولة المقبل، كما الرهان على دور القاعدة في استنزاف قوى الثورة.
في سورية لا تزال تدور المعركة الحاسمة لرسم التوازنات، على رغم أهمية الحرب على «داعش» التي يخوضها الجيش العراقي بدعم إيراني واسع، ومحاولة أميركية إلى استبدال الضغط والابتزاز بوقف التسليح ربطاً لمقايضته بميزات أمنية وسياسية في الدولة العراقية، بالسعي إلى استباق الهجوم العراقي على الموصل، بتقدّم الصفوف في الحرب عبر ضجيج إعلامي رافقه تقدم الرئيس الأميركي باراك أوباما بطلب تفويض الكونغرس للجوء إلى استخدام مدى مفتوح من القدرة العسكرية لحسم الحرب على «داعش».
تبقى سورية، لأنّ القطبة المخفية الأميركية، هي الانتقال من رهانات الشمال إلى رهانات الجنوب، حيث سقط الخيار التركي بتوظيف «داعش» لاستنزاف سورية والعراق، مع بدء تراجع الوجود العسكري لـ«داعش» في عين العرب وجوار بغداد وبيجي وديالى ويستمرّ التراجع على أبواب الموصل، بينما في الجنوب حيث «جبهة النصرة»، فرع تنظيم «القاعدة» الذي لا تجرؤ واشنطن على ما هو أكثر من الصمت على التعاون السعودي الأردني «الإسرائيلي» لتعويمه كحزام أمني حدودي جنوب سورية، يبدو أنّ الاستحضار المدروس للأردن على خلفية إحراق الطيار معاذ الكساسبة ومسرحية الغارات الأردنية على «داعش»، كان مقدمة للدور الأردني في جنوب سورية لحماية مواقع «جبهة النصرة»، وحيث تتلاقى المساعي الأردنية مع الجهود «الإسرائيلية»، التي أصيبت بنكسة كبيرة مع تداعيات الردع الذي أظهرته المقاومة بعد غارة القنيطرة، وبدا أنّ محور المقاومة من إيران إلى سورية وحزب الله قد أعدّ العدة لحرب حاسمة في الجنوب السوري، تظهر نتائجها كلّ يوم مع عمليات شهداء القنيطرة التي بدأت قبل يومين.
مقابل الرهان على «النصرة»، والنكسات التي تنتظره، يسير الأميركي بخطى حثيثة لتفخيخ الحلول السياسية لسورية، بمحاولة دسّ فكرة الأخضر الإبراهيمي عن النموذج اللبناني أو العراقي، أمنياً وسياسياً، فيكون الردّ السوري التمسك بأولوية تطبيق قرارات مجلس الأمن 2170 و2178 وما يتضمّناه بصدد إقفال الحدود أمام تسريب السلاح والمسلحين، حيث لا مناص لدي ميستورا إلا الاستجابة، وسورية مطمئنة أن لا صيغ جاهزة تفرض عليها طالما أنّ أيّ مسعى لتعديل دستور الدولة يستدعي ثلثي البرلمان في أيّ انتخابات مقبلة، فليتذاكى من يشاء حول حلول افتراضية ستصير فانتازيا تشبه معارضة سورية معتدلة ضاع الرئيس أوباما في متاهاتها ثلاث سنوات واعترف بالفشل، ثم عاد يكرّر المحاولة.
مثلما تضع عملية شهداء القنيطرة الدور الأردني أمام امتحان صعب، وتضع الدور «الإسرائيلي» أمام امتحان أصعب، فإنّ الإصرار على تطبيق القرارات الدولية بوقف السلاح والمسلحين، يضع دي ميستورا أمام جدار أنقرة.
«النصرة» في سورية و«النصرة» في لبنان هي العقدة، فيما تتلقى «النصرة» الضربات الموجعة جنوب سورية، اضطر تيار المستقبل ورئيسه إلى مخرج متفق عليه لقضية النائب خالد الضاهر، بعد مواقفه التي أثارت عاصفة مسيحية أحرجت حزبي الكتائب والقوات، فبعدما كان التوجه نحو فصل الضاهر من كتلة المستقبل، وترك المجال لملاحقته بطلب رفع الحصانة عنه بتهم تهجمه على الجيش اللبناني، ارتضى الحريري الاكتفاء بإعلان الضاهر طلب تعليق عضويته، بوساطة من النائب وليد جنبلاط، نظراً إلى الدور الذي يقوم به الضاهر في ترتيب التنسيق مع «جبهة النصرة».
انعكست برودة الطقس المتدنية بفعل العاصفة التخريبية «يوهان» على الحركة السياسية التي من المتوقع أن تعود الحرارة إليها في الأيام المقبلة في ضوء تصدر آلية عمل الحكومة الاهتمام ولا سيما لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام. وفي حين أكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن هذا الموضوع لن يطرح في جلسة مجلس الوزراء اليوم، ينتظر أن يكون في صلب محادثات الرئيسين بري وسلام خلال لقائهما في عين التينة غداً، بحسب ما أبلغت مصادر سياسية إلى «البناء».
بري مع التغيير
وكان بري قارب موضوع الآلية أمام زواره خلال لقاء الأربعاء النيابي. وأكد هؤلاء لـ«البناء» أن بري شدد على ضرورة تغيير آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء بالإجماع، كما على ضرورة فتح دورة استثنائية للمجلس النيابي. وأيد بري بحسب ما نقل عنه النواب «توجه رئيس الحكومة إلى تغيير آلية العمل لجهة اعتماد التصويت، لتسيير شؤون المواطنين وتفادي التعطيل».
وأكدت مصادر سلام أنه «سيتشاور مع جميع الأفرقاء بخصوص موضوع تغيير آلية التصويت داخل الحكومة وإذا تم الوصول إلى آلية جديدة فسيطرح الأمر على مجلس الوزراء».
لكن الوزير درباس اعتبر أنه «إذا لم ينضج الحل في هذا الموضوع في الخارج، فلن ينضج في الداخل. وتمنى لسلام «النجاح في مسعاه ولو أنني شخصياً غير متفائل، وأظن أن ما يعطل السير قدماً في اتجاه تعديل الآلية، قد يكون نفسه ما يعطل مجلس الوزراء. فرفض وزير واحد لتغيير الآلية، سيعطل تغييرها».
وقال: «عندما وضعنا الآلية الحالية، قدّرنا أن مسألة الشغور الرئاسي ستستمر شهراً أو شهرين، لكن مع استفحال الفراغ، لا يمكن أن تستمر، لأن كل وزير يشعر بأنه قادر على التعطيل، للأسف».
من جهة أخرى، أكد الرئيس بري أن الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل مستمر وسيتابع في الجلسة المقبلة التي سيحدد موعدها لاحقاً، متوقعاً «أن يتناول النقاش إذا فرغ الأطراف من البند الأول موضوع رئاسة الجمهورية وليس أسم الرئيس العتيد».
نصرالله الحريري والحوار
وقبل الجلسة المقبلة يطل كل من الرئيس سعد الحريري بعد غد السبت في احتفال تيار المستقبل بالذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعده يوم الاثنين المقبل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى «القادة الشهداء». وسيتطرق الجانبان إلى موضوع الحوار وايجابياته ولا سيما على صعيد تنفيس الاحتقان.
إلا أنه على رغم رضا الفريقين عن الحوار، واصلت قيادات المستقبل تهجمها على حزب الله مجددة اتهامه بقتل الحريري، وهذا ما زعمه النائب السابق مصطفى علوش في حديث تلفزيوني مساء أمس.
في مجال آخر، وفي انتظار عودة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي من الفاتيكان لاستئناف الحراك على الخط الرئاسي، نقل وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق عن الملك الأردني عبدالله الثاني الذي استقبله أمس لتقديم التعزية بالطيار معاذ الكساسبة، استعداد بلاده لتقديم المساعدة في موضوع الانتخابات الرئاسية من خلال اتصالاته الدولية وجولته الأوروبية المرتقبة. وأوضح أنه لمس حرصه على أمن لبنان السياسي والعسكري.
الضاهر يستبق كتلة «المستقبل»
في مجال آخر، وعشية إحياء ذكرى الحريري، وبعد عاصفة الغضب التي واجهت النائب خالد الضاهر على خلفية تعرضه للرموز المسيحية، أعلن الضاهر تعليق عضويته في الكتلة منعاً لإحراجها. وقد سارعت الكتلة بعد اجتماعها أمس إلى إعلان موافقتها على طلب الضاهر بتعليق عضويته، مؤكدة أننا «متمسكون برسالة العيش المشترك والاعتدال ورفض التطرف والتشدد وإدانة الإرهاب والمجموعات الإرهابية وعلى حرصها على الدفاع عن حرية الرأي والشفافية والمسؤولية تجاه الآخرين الشركاء في الوطن».
ورأت الكتلة أن «الراية الوحيدة التي يجب رفعها والتلويح بها والدفاع عنها في كل آن ومكان في لبنان هي راية لبنان الوطنية المتمثلة بالعلم اللبناني، علم الاستقلال والسيادة الوطنية اللبنانية».
وعلمت «البناء» أن الضاهر استبق قرار الكتلة بتعليق عضويته بعد الصدمة التي أحدثتها مواقفه إضافة إلى الإحراج الذي سببه للكتلة مع حلفائها المسيحيين ولا سيما القوات اللبنانية التي باتت، بدورها محرجة أمام جمهورها.
إلى ذلك، تم أمس استبدال راية التوحيد السوداء عند نصب «الجلالة» في ساحة عبد الحميد كرامي وسط طرابلس التي تسببت بالإشكال، بأخرى بيضاء.
أضرار «يوهان»
وسط هذه الأجواء السياسية، ضربت لبنان منذ ليل أول من أمس العاصفة الايطالية «يوهان» مصحوبة بعاصفة رملية من شمال أفريقيا. وخلفت «يوهان» أضراراً بالغة في الممتلكات بفعل سرعة الرياح التي تجاوزت المئة كلم في الساعة، فيما بلغ ارتفاع الموج نحو 6 أمتار ما أدى إلى وقف الملاحة في بعض المرافئ وغرق زوارق، كما تأخر وصول عدد من الرحلات إلى مطار بيروت الدولي. ويستمر الطقس ماطراً اليوم وتتساقط الثلوج على ارتفاع 900 متر. فيما أعلن وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب أن لا إقفال للمدارس اليوم بسبب العاصفة تاركاً تقدير هذا الأمر لمديري المدارس.