ما بين أوباما ونتنياهو أكبر من امتعاض… ربما تشهد العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» بداية النهاية

إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

فعلها نتنياهو ـ على الأقلّ حتّى الآن ـ وضرب عرض الحائط كل الاعتراضات والانتقادات التي توجّه إليه، وسيقصد الكونغرس الأميركي في آذار المقبل ليلقي خطابه العتيد في شأن الملف النووي الإيراني.

أوباما أكثر من ممتعض من تصرّفات نتنياهو. وأرسل أكثر من رسالة مفادها أنّ نتنياهو غير مرّحب به. حتّى الكونغرس ذاته، «هرب بطريقة ملتوية» من استقبال «بيبي». إذ أعلن عددٌ من السيناتورات عن «حجج غياب» عن جلسة الكونغرس تلك، أشبه بتقرير طبّي يحظى به تلميذ ليبرّر غيابه عن المدرسة.

قديماً، قال أبو الطيّب المتنبي شعراً:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ

أي ما معناه أنّ من يستسهل الإهانة لا يشعر بها ولا يتأثر. وهذه هي حال نتينياهو اليوم. دولة من رئيسها حتى نوابها تعلن عدم رغبتها باستقبال أحدهم، لكن هذا «الأحد» يصرّ على زيارة هذه الدولة!

في التقرير التالي، جملة من المقالات التي تناولت الخطوة «اللاأخلاقية» لبنيامين نتنياهو، وأثرها في العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية. ولم تخلُ هذه المقالات من انتقادات لاذعة تعرّض لها نتنياهو… وإن كان يستحقّ هذا وأكثر.

«ثمّة حملة تخويف لإيقاف المشرّعين الديمقراطيين من محاولة تخطي خطاب نتنياهو المقبل في الكونغرس… خلّصنا يا الله من اليهود».

اليهود الجمهوريون على طريق الحرب

كتب يسري ساريد في «هاآرتس»:

لم تعُد المشكلة أزمة في العلاقة يحاولون معالجتها لم تعُد مجرد توترات مع البيت الأبيض يمكن الحدّ منها أثناء الاجتماعات إنها الآن حربٌ مفتوحة مع الولايات المتحدة الأميركية. إنه شيلدون أديلسون مقابل باراك أوباما، و«إسرائيل» تتحصّن في بيت النار.

بعدما أعلن صديقنا العزيز نائب الرئيس جو بايدن اعتزامه القيام برحلة بعيدة، ستحول دون إمكانية مشاركته في جلسة الكونغرس المصيرية، شنّت منظمة اليهود الجمهوريين حملةً تحريضية ضدّ هؤلاء المشرّعين الذين أعلنوا نيّتهم تجاوز هذه الجلسة. سيكون مصيرهم السياسي في خطر.

لم يحدث شيءٌ من هذا سابقاً في تاريخ الأمم. إنها فقط كوريا الشمالية التي لا تزال تستخدم لغةً عنيفة. حتى كوبا الصغيرة، تعوّدت استعمال نمط مختلف وتوقفت عن الدوران كالفأرة. فبنيامين نتنياهو سيحشد قواته لمرّة واحدة وإلى الأبد كي يظهر بصورة القائد القويّ الذي يتحكم بالأمور وبجميع القوى، في واشنطن كما في «إسرائيل».

من السهل أن نتخيّل ما الذي يمكن أن يحدث في قدس موحّدة إلى الأبد، لو أن شيلدون هذا، شنّ تهديداتٍ مماثلة من لاس فيغاس وماكاو ضدّ وزرائنا وأعضاء «الكنيست» لدينا: أنظر، إذا لم تحضر، فأنتَ لن تحصل على فلسٍ واحدٍ إضافيّ!

أما المدير التنفيذي للتحالف اليهودي الجمهوري، ماثيو بروكس، والذي يتولى مهام صنع إرادة المموّلين، أوضح الأسبوع الماضي «سنعثر على أيّ موارد نحتاجها للتأكد من أن الناس قادرين على استيعاب هذه الحقائق، وأنه لمن الخير لهم أن يقفوا مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو في وجه القنبلة النووية الإيرانية، أو أن يختاروا تفضيل المصالح الفارسية والوقوف إلى جانب الرئيس أوباما».

وأضاف مورت كلاين، رئيس المنظمة الصهيونية في أميركا، بشكل لا لبس فيه، «سندين ـ بالتأكيد ـ الديمقراطيين الذين لن يحضروا هذه الجلسة ـ إلّا إذا أرسلوا تقريراً طبيّاً».

أيها الطبيب، إن هذا الرجل مريضٌ وبحاجة ماسّة إلى جرعة من المهدّئات!!!

خلّصنا يا الله من يهوديينا يمكننا التعامل مع غير اليهود بأنفسنا. كم يبدو سهلاً إثارة أعلى مؤسسات أميركا الديمقراطية، وكم هو صعبٌ قصف منشآت إيران النووية التحتية. اسألوا رؤساء وكالات الاستخبارات، أو اسألونا نحن، وسنهمس لكم بكلمة السرّ.

من «إسرائيل»، الأرض البعيدة عنكم والتي تعشقونها، نودّ أن نخبركم أيها اليهود الأميركيين، بغضّ النظر عن ميولكم السياسية وانتماءاتكم الحزبية ـ جميعكم ممن لن يغسلوا أيديهم من المراهنات المحفوفة ـ إن قدرنا مرسومٌ بأيدينا نحن. فلا تلعبوا بالنار التي ستحرقنا وحدنا، وربما ستحرقكم أيضاً بسبب صمتكم، وستُتهمون بالولاء المزدوج. لطالما كانت «إسرائيل» حجر الزاوية في التعاون بين الحزبين، غير أنها أصبحت الآن ـ ورئيس وزرائها الحالي ـ مقزّزَيْن لداعميهما التقليديين.

يجري حالياً إعادة كتابة البروتوكولات في هذه اللحظة الحالية. يكتبها اليهود الأغنياء بخط أيديهم. فهم ـ وبثرواتهم الكبيرة ـ يؤكّدون بتواقيعهم أنّ معاداة السامية كانت تُستخدم للتشهير بهم في الأيام الغابرة: نحن قدامى الصهيونيين، نحرّك سلاسل الكونغرس، فهم ليسوا سوى دمى متحركة في أيدينا. إذا لم تعجبهم كلماتنا فسيردعهم تهديدنا. وإذا كنّا ـ في ما مضى ـ تعوّدنا إدارة المشهد من خلف الستارة، فإننا الآن نفعل ذلك علانيةً، ومن عمق مركز القوة. وإذا كنتم قد نسيتم مسألة تبرّعاتنا ومساعداتنا، فإن نبع الأموال سيجفّ قريباً.

حالياً، اثنان من أصدقاء «إسرائيل» يعرقلان محادثاتنا: إذ يخشيان اندلاع الحرب بيننا وبين الأميركيين في أيّ لحظة. وأحد الأصدقاء أشار إلى واحد من احتمالين: ففي أسوأ الأحوال، سيقهروننا، وسنصبح النجمة الواحدة والخمسين على علمهم ـ وهذا ما لن يسرّنا على الإطلاق. هذا صحيح، يقول الآخر، لكن ماذا لو هزمناهم نحن؟ إنه لمن المتفق عليه، أن السيناريو ـ حينذاك ـ سيكون رهيباً للغاية.

سلاح إيران السرّي: خطة نتنياهو الدبلوماسية والدفاعية

كتب دايفيد باراك في «هاآرتس»:

يصرّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو على ضرورة الذهاب إلى الكونغرس وإلقاء خطابه هناك لإيقاف عقد صفقة نووية مع إيران، غير أنه ـ في الحقيقة ـ يخرّب أعتى الأصول «الإسرائيلية» المتبّعة منذ عقود.

التقى الثلاثاء الماضي، سفير الولايات المتحدة في «إسرائيل» دان شابيرو، كبار المسؤولين في وزارة الخارجية «الإسرائيلية» في القدس، وقدّم لهم توصيفاً تقشعرّ له الأبدان من وضع نتنياهو الحالي في واشنطن في ضوء خطابه الذي يعتزم إلقاءه في الكونغرس.

أخبرهم شابيرو عن غضب البيت الأبيض من نتنياهو بسبب خدعته المطبوخة مع رئيس الحزب الجمهوري ومن فقدان تام للثقة بالسفير «الإسرائيلي» في واشنطن رون ديرمر وللأثر الخطِر لذلك على العلاقات بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو المستقبلية.

ونقل مصدر مطّلع عن شابيرو قوله: «سيكون لكلّ هذا ثمن ما، في نهاية المطاف».

إنه ليس فقط البيت الأبيض، فالمتحدث بِاسم «الكنيست» يولي آدلشتاين، الذي زار «كابيتول هيل» الأسبوع الماضي، كان مصدوماً بسبب عمق الغضب الذي لمسه هناك. فقد التقى أعضاء الكونغرس الديمقراطيين ـ ممن يُعتبرون أصدقاء أوفياء لـ«إسرائيل» ـ ويشعرون بأنّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» قد خدعهم وأصابهم في الصميم.

يقول آدلشتاين: «لم ألمس في حياتي مثل هذا التشنّج، حتى أثناء قدومي منذ سنوات قليلة مضت للتحدث مع أعضاء الكونغرس في شأن إطلاق سراح جوناثان بولارد». وهو جاسوس «إسرائيلي» ومحلّل استخباري مدنيّ سابق في القوات البحرية الأميركية .

ولا يرتبط الموقف هذا بالديمقراطيين فقط، إنهم أيضاً الجمهوريون الذين امتعضوا من مناورة نتنياهو، حتى لو كان موقفهم السياسي يمنعهم من المجاهرة برأيهم هذا. فأحد القادة اليهود الأميركيين القريبين من نتنياهو ـ مثل آيب فوكسمان ـ كان قد شجّع نتنياهو الأسبوع الماضي على إلغاء خطابه، الذي يعتقد أنه سيوصلهم إلى حال من الندم لا رجوع عنها.

إعلان نائب الرئيس جو بايدن عدم تمكّنه من حضور جلسة الكونغرس المرتقبة، هو ما يعتبره الأميركيون «مسألة كبرى»، فقد يكون بايدن الصديق المفضّل لنتنياهو في الإدارة الأميركية. وإذا كان مقعده خاوياً أثناء خطاب نتنياهو، فسيشكل هذا رسالة مدوّية، ويحفّز عدداً من الديمقراطيين أن يحذوا حذوه.

وكما كان وضع أمين عام حزب الله حسن نصر الله بعد حرب لبنان الثانية عام 2006… فإذا كان نتنياهو يدرك جيداً ما الذي يحدث، فإن هذه الفكرة سيُعاد صوغها من جديد، وأنّ عليه القيام بالأمر الصائب، أي إلغاء خطبته تلك. غير أن الإذلال المعنوي والدمار السياسي الذي قد يلحق به من جرّاء عملية الإلغاء هذه، تجعله يصرّ على موقفه ويقرّر أنه سيكمل في انتهاج هذا السلوك حتى النهاية.

والخبر الحقيقي السيئ أنه حتى في حال إلغاء هذا الخطاب، فإن الضرر الذي لحق بالعلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية» أصعب من أن يُعمل على إصلاحه. فقد قاد حزب «الليكود» برئاسة نتنياهو مؤخّراً، حملة فيديو هزلية، تظهر رئيسها متحدّثاً على الهاتف مع الرئيس الأميركي. والفكرة المضحكة في هذا الفيديو، أنّ نتنياهو لن يتصل بالرئيس الأميركي طالما أن باراك أوباما سيبقى جالساً على الكرسي هناك على ذلك المقعد في البيت الأبيض.

وعلى رغم ادّعاء نتنياهو أنّ خطابه المنتظر في الكونغرس سيكون متمحوراً حول التهديد النووي الإيراني، فإن سلوكه في الأسابيع القليلة الماضية قد تسبّب بأضرار أبعد من أن تُحصى في الجهود الدولية لوقف هذا المشروع. وفي مثل هذه اللحظة الحرجة من المفاوضات، وفي الوقت الذي يُفترض أن يكون فيه التنسيق بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» في حالاته القصوى، نجد أن العلاقات بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» تصل إلى مستوى متجمدٍ من البرودة لم تشهد له مثيل في تاريخها.

حوّلت هذه الأزمة بين واشنطن والقدس، تصويب الاهتمام على الأهداف الحقيقية: التوصل إلى اتفاقية تمنع إيران من الاستمرار بتصنيع أسلحتها النووية. والمشكلة أن هذه النتائج لم تضرّ فقط بمكانة «إسرائيل» في أميركا والعالم، بل جعلت إيران تعتقد أنها تنتصر وسط كلّ هذه الفوضى!

وبغير علمٍ منه، أصبح نتنياهو سلاح الإيرانيين السرّي. ولو لم يكن موجوداً، لكان على الإيرانيين اختراعه. فتدمير التحالف الاستراتيجي مع أميركا سيشكل تهديداً حقيقياً لوجود «إسرائيل»، لكنه إلى الآن، يفضل ترك الأرض في واشنطن شبه محروقة من أن يعمل على إيقاف أجهزة الطرد المركزي الإيرانية. وفي مثل هذه الحال، لا يسع القادة الإيرانيين سوى الاسترخاء أمام شاشة التلفاز، أكل البوشار والاستمتاع بالضحك على ما يشاهدونه.

دَفْع اليهود إلى أحضان الجمهوريين

وكتب بيتر باينريت في «هاآرتس»:

مَن هم ضحايا نتنياهو في الولايات المتحدة؟ ليس باراك أوباما، فعلى رغم جهود نتنياهو المتواصلة، ما زال أوباما يحتفظ بوظيفته، وما زال محبوباً لدى أكثرية يهود الولايات المتحدة. كذلك فإن نشطاء اليسار ممن يعاروضون «دولة يهودية أيّاً كان طابعها» ليسوا ضحايا نتنياهو، فجنونه الاستيطاني بالنسبة إليهم كنز مساند. «نحن مضطرون لمنح الاعتماد لنتنياهو» هذا ما قاله عمر برغوثي، أحد نشطاء BDS في كانون الأول الماضي، «من دونه لم نكن لنحقق إنجازاتنا الكثيرة».

كلّا، ضحايا نتنياهو هم أولئك الذين يقدّمون أنفسهم باعتبارهم أصدقاء له: زعماء منظمات على شاكلة «آيباك»، الهيئة ضد التشهير واللجنة اليهودية الأميركية. خطاب نتنياهو المقرّر في الكونغرس، هو فقط الخطوة الاخيرة في مسلسل الأذى ذلك. هو يدمّر المؤسسة اليهودية الأميركية القديمة، ويبني مكانها مؤسسة جديدة.

المؤسسة اليهودية القديمة قامت على التفريق بين الطريقة التي ينظر فيها يهود الأميركيون إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبين الطريقة التي ينظرون فيها إلى «إسرائيل». ففي الولايات المتحدة تعمل الهيئة ضد التشهير على محاربة التعصب وضيق الأفق بكافة اشكاله، وتدافع عن القيم الديمقراطية وحقوق المواطَنة للجميع، اللجنة اليهودية الأميركية تهتم بحقوق الانسان والقيم الديمقراطية. كلا، المنظمتان تعملان أيضاً لضمان حق التصويت للجميع. وحقوق المثليين ومنح المواطنة للمهاجرين غير المسجلين.

حتى «آيباك»، والتي لا تدعم النظام الليبرالي في الولايات المتحدة، تأسست بشكل أساسي على أكتاف أشخاص يدعمون الليبرالية في الولايات المتحدة، وفي الإجمال، فإن 90 في المئة من يهود الولايات المتحدة يؤيدون حق المرأة في الاجهاض، وعدد المصوّتين في أوساطهم للحزب الديمقراطي يصل تقريباً إلى ضعف المصوّتين للحزب الجمهوري، ولكن في ما يتعلق بـ«إسرائيل»، يبدو أنّ المؤسسة اليهودية في أميركا فقدت حماستها لحقوق الانسان والقيم الديمقراطية. فلم يحدث أبداً أن وُجّه نقد علنيّ لـ«إسرائيل» على أنها تغتصب حقوق ملايين الفلسطينيين في الضفة.

ومع مرور السنوات، تزايدت الصعوبات في الحفاظ على ازدواجية النظرة الاخلاقية هذه. الشبان اليهود الأميركيون ـ باستثناء المتدينين ـ هم الأن أقل تعصباً قبلياً مما كانوا عليه في السابق، وما عادوا يشعرون بالخوف كما شعر سابقوهم، وهم أقل ميلاً إلى إعفاء «إسرائيل» من الالتزام بالتطلعات الكونية التي تعلي حقوق الانسان، والتي وفقاً لها ينظرون إلى وطنهم.

التغيّرات بين الاجيال تضع الصعوبات أمام المنظمات اليهودية العريقة. ونتنياهو يساهم في زيادة الصعوبة. المؤسسة اليهودية الأميركية تعمل على توليد شعور الراحة لدى اليهود الديمقراطيين عندما يدعمون «إسرائيل». ولكن من الصعب جدّاً فعل ذلك عندما يقوم رئيس وزراء «إسرائيل» بالتحالف مع الجمهوريين ضد الرئيس الديمقراطي. عندما يضطر اليهود الأميركيون للاختيار بين أوباما وبين نتنياهو.هذا ما يؤدّي إلى إضعاف المنظمات اليهودية، والتي تأسّست على فرضية أن في إمكان اليهود دعمهما.

نتنياهو ليس الوحيد الذي يؤيد الجمهوريين، الآن تقام بنية يهودية جديدة تحيط به، يتم التحكم بها من قبل الجمهوريين وتضمّ الائتلاف اليهودي الجمهوري ومنظمة صهيونيي أميركا، وفي مركز هذه البنية راعي نتنياهو، شيلدون أديلسون. في حين أن المؤسسة اليهودية القديمة في المقابل تعمل على دعم سياسات «إسرائيل» اللاتسامحية. وفي الوقت نفسه تشجيع التسامح داخل الولايات المتحدة، المؤسسة اليهودية ـ أميركية الجديدة هي إسلاموفوبيا مكشوفة. أديلسون على سبيل المثال قال إنّ المسلمين يريدون قتل كل اليهود.

على النقيض من المؤسسة اليهودية القديمة، والتي تستند على اليهود الديمقراطيين، المؤسسة اليهودية الجديدة تعمل على إقصائهم. في اجتماع احتفالي أقيم عام 2014 قدمت منظمة صهيونية أميركية جائزة شرف لتيد كروز، وكانت في عام 2013 قد فعلت ذلك مع ميشيل بيكمان ومايك هاكبي ـ وجميعهم سياسيون ممقوتون من قبل اليهود الأميركيين. وفي الواقع، يتحفظ اليهود الأميركيون من أديلسون بنسبة ثلاثة إلى واحد. وفقاً لاستبيان أجري مؤخّراً بوساطة «جي ستريت».

التفريق الأخلاقي هذا، والذي شكّل خلال سنوات، القاعدة للحياة اليهودية المنظمة في أميركا، يتلاشى بالتدريج. اليهود الأميركيون الليبراليون تتزايد لديهم الانتقادات والملاحظات على سياسة «إسرائيل»، أما اليهود الأميركيون الذين يدعمون سياسات «إسرائيل» بلا تحفظ، فيتزايد لديهم التأييد للنظام اللاليبرالي في الولايات المتحدة.

هذه هي، بين أشياء أخرى، تركة نتنياهو في الولايات المتحدة: هو يقوّي اليمين اليهودي كما يقوّي اليسار اليهودي، أما ضحاياه، فهم أولئك الذين يعيشون في الوسط.

غلطة شنيعة

كتب توماس فريدمان المتخصّص في العلاقات الخارجية والدولية والتكنولوجيا:

إن قرار رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس النواب جون بوينر الذهاب إلى الكونغرس لمحاسبة الولايات المتحدة على إمكانية عقدها صفقة مع إيران، قرارٌ فجٌّ، متهوّرٌ، وخطِر للغاية على مستوى العلاقات الأميركية ـ «الإسرائيلية». وإذا كان نتنياهو يرغب بسماع نصيحة جيدة، فيجدر به الاستماع إلى نصيحة سفيره السابق في الولايات المتحدة مايكل أورين، الذي نُقل عنه قوله «إن هذه المناورة برمّتها تخلق انطباعاً سياسياً ساخراً من قبل الأميركيين وقد تؤذي كافة محاولاتنا ضدّ إيران». فضلاً عن أنه حثّ نتنياهو على ضرورة إلغاء هذا الخطاب.

كذلك، إذا كان نتنياهو يرغب ـ هو وسفيره الحالي في واشنطن رون ديرمر الذي نسّق لهذه المناورة مع بوينر ـ بمعرفة عمق الإهانة التي تسبّبوا بها للرأي العام الأميركي، فعليهم الاستماع إلى برنامج الأحد الحواري للمذيع المحافظ في محطة «فوكس نيوز» كريس والاس، والذي لم يعوّدنا على انتقاد «إسرائيل». والذي قال بجرأة في وصف زيارة «بيبي» إلى واشنطن التي أُعلن عنها في 23 كانون الثاني الماضي: «كي أوضّح الأمور ـ واسمحوا لي أن أقول ـ كم أنه خبيثٌ هذا الأمر برمّته»، فبعدما التقى وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالسفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة لساعتين الثلاثاء الماضي، لم يتطرّق السفير رون ديرمر إلى أيّ أمر يتعلّق بتفاوض نتنياهو معه والاتفاق على قدومه إلى واشنطن، لا كي يقابل الرئيس، بل ليتوجه من فوره إلى «كابيتول هيل» ويتحدث في جلسة مشتركة للكونغرس منتقداً سياسة رئيسنا. أودّ أن أعترف: «إنني مصدوم».

تخيّل أن حزب «العمال الإسرائيلي» دعا الرئيس أوباما إلى التحدث في جلسة برلمانية «إسرائيلية» حيال إمكانية إعطاء «إسرائيل» مزيد من الوقت للمفاوضات مع إيران، وأنه كان ينسّق لذلك كلّه مع السفير الأميركي في تلّ أبيب من وراء ظهر رئيس الوزراء «الإسرائيلي». من المؤكد أن «إسرائيليين» كثيرين سيرون في هذا إهانةً لزعيمهم المنتخب ديمقراطياً. ولقد استفتيتُ عدداً من أصدقائي غير اليهود، ممن يتابعون السياسة العالمية، ويتعاطفون مع «إسرائيل»، فصرّحوا جميعهم بأن هذا لم يعجبهم. إنه لا يقلّل فقط من شأن رئيسنا، بل يشير إلى قلّة احترامٍ لنظامنا وحدودنا الدبلوماسية المرسومة والتي يُفترض بأيّ زعيم أجنبي احترامها وعدم تجاوزها.

لكنّنا ندرك تماماً كيف أن كل هذا قد حصل: نتنياهو سفيره والرئيس السابق للوبي «الإسرائيلي ـ آيباك» شيلدون أديلسون، المانح الأكبر لـ«بيبي» والحزب الجمهوري وبوينر، يعيشون جميعاً في قلب فقاعتهم الخاصة بهم. أي أنه لا يوجد معهم أحد هناك يمكن له أن يخبرهم بما يلي: «بيبي، إن هذا الخطاب أمام الكونغرس قبل أسبوعين من الانتخابات قد يرفع من مستوى الأدرينالين عند داعميك الإسرائيليين ليوم واحد فقط، غير أنه سيكون مريراً إذا ما استخدمت الكونغرس الأميركي كخلفية علنية لحملتك الانتخابية. سيكون عددٌ من أصدقاء إسرائيل غير مرتاحين، كذلك مناهضي السامية، الذين تدّعي إسرائيل سيطرتهم على واشنطن، سيكون لهؤلاء كلمة يقولونها في هذا اليوم».

وكردّ فعل حقيقيّ على هذه المناورة، تضامن عشرة ديمقراطيين في مجلس الشيوخ ممن كانوا قد وافقوا على فرض المزيد من الضرائب على إيران ـ مع الجمهوريين، ومنحوا البيت الأبيض مهلة شهرين للتأكد ممّا إذا كانت المفاوضات تعمل حقيقة. إنه عكس ما يتوقعه نتنياهو، لكنه يظهر ـ بوضوح ـ مدى غضب الديمقراطيين.

لا يكفي القول إنّ الواقع فجٌ وغير صحيّ. فبالنسبة إلى القائد «الإسرائيلي» سيكون من الواضح أن وقوفه مع الجمهوريين ضدّ رئيس ديمقراطي، أمرٌ متسرّع ومتهور. فـ«إسرائيل» والمدافعون عنها محاصرون في جميع جامعات أميركا، إذ من المعتاد أن تتعرّض إدارات الجامعات إلى ضغوط لسحب استثماراتها من الشركات التي تتعامل مع «إسرائيل»«. ويبدو أن هذه الأخيرة محتاجة إلى دعم أوسع من الكونغرس أو من مجرّد حزب واحد.

لا تخلو مخاوف نتنياهو من إيران من بعض الحقيقة. غير أن هذه العدائية لا تخلو أيضاً من بعض المسؤولية التي يمكن أن تُلقى على عاتق «إسرائيل». وإذا ما أراد الكونغرس التعرّف إلى وجهة نظر «إسرائيل» في ما يخصّ العلاقة مع إيران، فعليها أيضاً أن تدعو كبار ضباط الجيش والاستخبارات «الإسرائيلية»، الحاليين والمتقاعدين، الذين يفصحون عن مواقفهم علانية على أنهم ضدّ استخدام نتنياهو تهديد القوة مع إيران. إذاً، لمَ ترانا نقف بصدد وجهة نظر «إسرائيلية» واحدة؟ كيف يمكن أن يُفسر هذا وفقاً للمصالح الأميركية؟

شخصياً، لا أزال أشك في إمكانية توصل الولايات المتحدة وإيران إلى عقد صفقة من شأنها نزع فتيل أزمة برنامج إيران للأسلحة النووية. ومثل هذا الفشل سيكون جاداً للغاية، وقد ينتهي يوماً، إذا ما قرّرت الولايات المتحدة استخدام القوة العسكرية لكبح جماح إيران في شأن برنامجها النووي. نحن لا نحبّذ أبداً فكرة تخصيب إيران قنبلة نووية تشجع على سباق تسلّح نووي في منطقة شرق أوسطية غير مستقرة.

لكن، حتى لو كنّا سنستخدم القوة، فإن فرص النجاح غير مؤكدة، كما لا يمكن التنبؤ بردود الفعل السلبية. لهذا، فإنه ليس من مصلحة «إسرائيل» أن تُظهر أدنى اهتمام بميلها إلى الإيعاز للولايات المتحدة لاتخاذ مثل هذا القرار العسكري. على «إسرائيل» أن تبقى بعيدةً ملايين الأميال عن قرار كهذا، آخذةً بالاعتبار أن الأمر برمّته شأن أميركي فقط. لأنه، لو كان علينا توجيه ضربة إلى إيران، سيكون أميركيون قليلون غير سعداء. وإذا ما فشلت هذه الضربة، فستكون عواقب وخيمة ورهيبة علينا وعلى جيشنا، وسيكون ـ حينذاك ـ عددٌ من الأميركيين أيضاً غير سعداء. وقد يسأل البعض: «كيف أقحمنا أنفسنا في مثل هذه الفوضى؟»، وأوّل ما قد يتبادر إلى ذهنهم: خطاب نتنياهو في الكونغرس.

لمَ تخاطر «إسرائيل» بوضع نفسها في موقف كهذا؟ إنها مجرّد كذبة بسيطة، سيد نتنياهو، لا تتدخل في حياتنا السياسية. ولْتدع مهمة استخلاص النتائج للإدارة الأميركية نفسها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى