الحبّ عيداً

رولان رياض مشوح

في زمن اللاحب وتنامي المصالح وكثرة الغدر، نرى فسحة أمل تسمى عيد الحب أو عيد فالانتاين، ففي هذا اليوم يتبادل المحبّون الهدايا والورود وبعض العبارات المنمقة، ويسعى المحتفلون به إلى إظهار المشاعر الرومانسية، واللفتات الرقيقة، والتعبير عن الحب وعن العواطف الحميمية، ويتم خلاله ارتداء الأبسة ذات اللون الأحمر، ولهذه المناسبة أيضاً تصنع محلات الحلويات حلوى حمراء ويكثر رسم القلوب الحمراء وبيع الدببة ناعسة العيون والمعبرة عن الحب والعشق.

فهل وصلنا إلى زمن نحتاج فيه إلى يوم خاص بالحب، إلى يوم نعبر فيه لمن نحب عن مقدار حبنا له.

من أين أتى عيد الحب وكيف وصل إلينا؟

يصادف عيد الحب في الرابع عشر من شباط من كل سنة. عيد الفلانتاين نسبة إلى فالانتين القسيس الذي كان يعيش أيام حكم الإمبراطور الروماني كلاوديس الثاني أواخر القرن الثالث ميلادي، وفي شباط عام 270، أعدم القسيس فالانتين الذي عارض أوامر الإمبراطور الداعية إلى منع عقد أي قران إذ لاحظ أن العزاب أشدّ صبراً في الحرب من المتزوجين الذين غالبا ًما يرفضون الذهاب إلى المعارك، إلا أنّ فالانتين كان يعقد الزيجات في كنيسته سراً احتراماً لمشاعر العشاق والمتحابين، حتى افتضح أمره واقتيد إلى السجن وهناك تعرف إلى ابنة أحد حراس السجن وكانت مريضة، وطلب منه والدها أن يعالجها، ووقع في حبها، وقبل أن يعدم أرسل إليها بطاقة كتب عليها «من المخلص فالانتين». وبعد دخول الرومان عهد النصرانية بنيت كنيسة في روما في المكان الذي أعدم فيه تخليداً لذكراه.

أسطورة ثانية تقول أن فالانتين كان من دعاة النصرانية، وكان الإمبراطور السابق ذكره وثنياً، وحاول جاهداً إخراجه من النصرانية، لكنه ثبت على دينه وأعدم في سبيل ذلك في 14 شباط عام 270م. وصادف هذا اليوم العيد الوثني الروماني لوبركيليا ، ولما دخل الرومان في النصرانية أبقوا على هذا العيد لكنهم ربطوه بيوم إعدام فالانتين إحياء لذكراه إذ مات ثابتاً على النصرانية أو رعاية للمحبّين وتزويجهم، على ما تروي الأسطورة الأولى.

وفقاً لتقرير نشرته مجلة «ناشيونال جيوغرافيك» هو ثاني أضخم احتفالية اجتماعية في العالم بعد الكريسماس، وعيد الحب أو مهرجان الحب في العالم يتم في هذا اليوم تبادل البطاقات التي تحمل شكل ملاك الحب أو ما يسمى «كيوبيد»، ويكون على شكل قلب، أو على شكل طائر حمام، لذا انتشر تبادل البطاقات في بريطانيا على نحو واسع في القرن التاسع، كذلك في أميركا.

كما أن الإحصائيات التي قامت بها الرابطة التجارية لناشري بطاقات المعايدة في الولايات المتحدة الأميركية تشير إلى أن مليار بطاقة يتم تداولها في يوم عيد الحب في أنحاء العالم كافة، ما يجعل عيد الحب مصنّفاً في المرتبة الثانية قياساً بعدد البطاقات التي يتم تداولها في العالم بعد بطاقات عيد الميلاد.

ما ينبغي الإشارة إليه أن طرائق التعبير عن الحب تختلف من شخص إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، فتتميّز كل مدينة أو منطقة بعادات وتقاليد مختلفة ومرتبطة بكل مناسبة من المناسبات حيث يعتاد أفرادها على ممارستها، ويعتبرونها جزءاً لا يتجزأ من حضارتهم ومعتقداتهم القديمة التي يفخرون بوجودها ويتميّزون بها عن سواهم من الثقافات والدول.

مثلما هناك اختلاف في العادات والتقاليد، ثمة أيضاً تفاوت في الطرائق المتبعة للاحتفال بالعديد من المناسبات مثل عيد الحب الذي يختلف في طرائق تعبيره عبر مختلف الحضارات، ومن بعض الدول وطرائقها الطريفة في إحياء عيد الحب.

البرازيل تحتفل بهذا اليوم الرومنسي في الثاني عشر من حزيران، وتطلق عليه اسم «الافتتان» يتم خلاله تبادل الشوكولا والهدايا بين الأزواج، كما أنهم لا يحتفلون به في اليوم الثالث عشر لكونه يوماً مهماً، وهو يوم القديس أنتوني تزاول النساء العازبات خلاله طقوساً معينة لجذب الجنس الآخر، ومن الغريب أيضاً عدم احتفالهم بعيد الحب في شهر شباط لقرب موعده من موعد كرنفال يهتم البرازيليون له، إذ يعبر عن نوع من الفسق.

أما في كوريا الجنوبية، فيطلق على اليوم الرابع عشر من شباط إسم «اليوم الأبيض» وتُقدّم خلاله إعطاء الهدايا والحلوى إلى النساء من الرجال، ويطلق على اليوم الرابع عشر من نيسان «اليوم الأسود» فتذهب النساء اللواتي لم يحصلن على أي شيء في «اليوم الأبيض» إلى مطعم للمأكولات الصينية ويتناولن صحن من المعكرونة السوداء حداداً على «كارثة الحب» في حياتهن. كما تحتفل هذه المدينة في الرابع عشر من كل شهر بمناسبات مختلفة وغريبة، فلديهم «يوم العناق» و«اليوم الأخضر»، و«يوم الأفلام»، وغيرها من الطرائف العجيبة.

سلوفينيا تحتفل باليوم الرابع عشر من شباط بعيد الحب من منطلق تمثلها بمثل شعبي يقول إن يوم الحب يجلب مفاتيح الجذور، فهو في اعتقادهم يوم تنمو فيه الزهور والنباتات، لذا يبذر المزارعون البذور خلاله، ويعتقدون اليوم الذي تتزاوج فيه الطيور، ويضع الأطفال بصنع قوارب من الورق أو الخشب تحمل شموعاً، ويرسلونها عبر النهر معبرين في ذلك عن اكتفائهم من الأنوار، وفي الوقت نفسه يحتفل السلوفينيون باليوم الثاني عشر من آذار وهو يوم القديس غريغوريوس عيداً للحب بحسب التقاليد، وباليوم الأول من فصل الربيع.

عن بريطانيا يتميز عيد الحب في مدينة نورفولك البريطانية بوجود شخص يدعى جاك فالانتاين يجلب الهدايا والحلوى للأطفال والبالغين طارقاً الأبواب ومختفياً بطريقة ترعب الأطفال، إذ يترك الهدايا ويختفي بلا أثر، وتلك من الأمور التي قد تثير سانتا كلوز لدى علمه بوجود جاك موزع الهدايا الخفي.

في إيطاليا كان الاحتفال بعيد الحب قديماً عن طريق خروج الناس إلى الحدائق للاستماع إلى الموسيقى أو قراءة الشعر أو إعلان خطوبة كل ثنائي، وكان ثمة تقليد آخر غريب هو نزول الفتيات العازبات إلى الشارع وقبول أول رجل يقابلنه زوجاً مستقبلياً. أما حديثاً فتحتفل إيطاليا مثل باقي الدول بشراء الهدايا والورد والشوكولا والعطور، وأكثر الهدايا شعبية في إيطاليا هي الشوكولا.

فى اسكتلندا يفضلون اللقاءات الصغيرة أو العشاء الرومانسي وتبادل البطاقات والهدايا أو ممارسة بعض الألعاب مثل اجتماع مجموعة من الرجال والنساء، ويدوّنون أسماء النساء والرجال ثم تختار كل سيدة اسم الرجل الذي سوف يرافقها للاحتفال بعيد الحب.

تحتفل الدنمارك بطريقة تقليدية عبر شراء الورد، خاصة الورد الأبيض، والهدايا والبطاقات، أو إرسال كلمة أو قصيدة إلى محبوبته، ولا يكتب الاسم على القصيدة، وعلى الفتاة توقع اسم المرسل فإذا نجحت يرسل إليها بيضة في عيد الفصح.

في فرنسا يتم الاحتفال بإرسال الهدايا والورود وبطاقات التهنئة، وثمة تقليد قديم بمناداة مجموعة من الرجال على الفتاة في المنزل المجاور وإن لم تستجب تُترك، وتحرق النساء صور الرجال الذين لم تنجح علاقتها بهم، ولم تبق هذه الطقوس شائعة الآن.

تختلف الصين فى يوم الاحتفال بعيد الحب إذ تحتفل فى اليوم السابع من شهر القمر ويسمى «ليلة السبعات» ويتبادل الصينيون الزهور والهدايا والشوكولا كرموز للحب، ويصلّون لأجل الحب والسعادة في معبد صانع عيدان الثقاب.

مثل معظم بلاد العالم، يحتفل الأستراليون بعيد الحب مرسلين الهدايا والحلوى والورود والرسائل القصيرة.

أما في اليابان فتقدم النساء الهدايا إلى الرجال، ومن أشهر الهدايا الشوكولا وثمة نوعان منه أحدهما للأصدقاء في العمل، والاخر للأزواج. وتصنع الفتاة بنفسها الشوكولا، وبالإضافة إلى هدايا أخرى مثل ربطات العنق والملابس.

في كندا يحتفل الكنديون بعيد الحب بإقامة الحفلات وتمضية الوقت مع الزوجات، ويتبادل الأطفال الهدايا مع أصدقائهم.

في الدول العربية غالباً ما يُحتفل بعيد الحب يوم 14 شباط بشراء الهدايا والورود الحمراء والدببة وبطاقات المعايدة للمحبوبين.

طاقة الحب إيجابية، جزء لا يتجزأ من تحقيق جودة حياتنا. إنه يبعدنا عن الضغوط والإرهاق ويجعلنا نفكر بطريقة إيجابية في كلّ عمل نقوم به. أتمنى لكم جميعاً عيد حب سعيد.

محامية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى