نصرالله والمقاومة و…«الطحالب»

جورج كرم

فعل المقاومة هو فعل خوض الموت بلا وجل للحفاظ على الحرية والكرامة القومية أو نيلهما. والحرية والكرامة اللتان أتكلم عنهما ليستا الحرية والكرامة ذاتهما اللتين تبجحت بهما «إذاعة صوت لبنان» الكتائبية أيام الحرب اللبنانية وكانتا للإذاعة المذكورة شعاراً، وكانت الحرية على ما يبدو في مقاربة الإذاعة هذه ومنتهجي نهجها تعني التحرّر من الانتماء السوري والمحيط العربي كله، أما الكرامة فعنت لهم «كرامة» لعب دور الأداة للعدو الصهيوني وإطاعة أوامره، بما في ذلك التنكيل بأبناء بلدهم وحتى قراهم على الطريقة «الداعشية» وكانت كرامتهم تشبه كرامة عبيد البيوت إبان زمن العبودية في أميركا، وكان العبد الأمين يحظى بـ»حرية» مسح أحذية سيده الأبيض و»كرامة» إضطهاد العبيد الآخرين الذين يعملون في الحقول وخارج البيت، وهكذا طمح الكتائب والقوات إلى أن يكونوا، ولم يتسنّ لهم تحقيق «وعد يا لبنان» في الثمانينات، رغم صراخ مغنية الأغنية بفعل المقاومة السورية القومية الإجتماعية، هذا إذا كانت للمقاومة أصناف وجماعات، علماً أن كل مقاوم وجهة نضاله فلسطين هو أخ ورفيق لكل مقاوم آخر يتحلى بهذه الصفة.

ثمة مثل حي عن الدولة التي طمحت إليها الكتائب والقوات وفشلتا، وهي دولة الأردن الراهنة التي يرقص ملكها على خشبة المسرح الغربية مثل راقصة في ملهى الليدو في باريس، فهو يرسل آلاف «الداعشيين» إلينا والجبهة على حدوده الوهمية مع الشام مفتوحة بإيعاز من سيده الأميركي، لكنه عصر كل يوم، حين يكون سيده متمتعاً بقيلولة، يخرج خلسة ويعدم «داعشية» إرضاء لجمهور غاضب وتثبيتاً لـ»جبروته» الممنوح، فيما مقابل كل «داعشية» يعدمها يرسل إلينا كتيبة من ألف «مجاهدة نكاح»، ومقابل كل «داعشي» يعدمه طناً من اللحى البرتقالية التي لن تكون إلاّ صيداً ثميناً لبنادق مقاومينا وألغامهم. ومثلما فشلت الكتائب والقوات وأضحتا اليوم من حملة حقائب «السامسونايت» لآل الحريري وأعوانهم، ومن أتباع النائب الحريري الجزار من عكار الذي صرح بالأمس أنه يريد إزالة تماثيل المسيحيين المقدسة التي ما برحت صورهم ملصقة على بنادق الكتائبيين «الإسرائيلية» منذ الحرب اللبنانية، والكتائب والقوات لا يجرأون على الرد على النائب المذكور خوفاً من أن يصل الشيك السعودي في نهاية الشهر ناقصاً «لسوء سلوكهم»، وبما أن معظم هؤلاء المتعاملين يواجهون المصير السيئ نفسه سيؤول الأمر بالملك الإردني أيضاً إلى حمل حقيبة «السامسونايت» في شوارع المنفى لمسؤول دولة ما تعرض عليه اللجوء السياسي، ولا أعني بذلك المملكة العربية السعودية، لأن حكامها أيضاً سيؤولون إلى شققهم الصغيرة في لندن يحصون الأيام ويبكون على أطلال بلاد أعطيت لهم فباعوها قبل بترولها. ومن منا لا يتذكر طموح «إسرائيل» إبان حرب تموز بعيد وقف النار وقبيل فك الحصار الجوي والبحري أن تحط جميع الطائرات المغادرة لبنان في الأردن للتفتيش من قبل الموساد «الإسرائيلي»! لم لا والملك وأولمرت واحد؟

سُحقت شروط الصهاينة آنذاك، تماماً مثلما سحق جيشهم المهزوم تحت أقدام مقاومين شرفاء زاهدين بالمناصب والشهرة لا نعرف حتى أسماءهم ووجوههم، على عكس معرفتنا بالوجوه القبيحة التي نراها على التلفزيون لسياسيي العمالة الذين التصقوا مثل الطحالب في أسفل أحذية جيش الصهاينة المهزوم المنسحب، علهم بذلك يكملون مسيرة «الحرية والكرامة» على طريقتهم المعهودة، وكم أتصور الأمر صعباً على أولئك السياسيين في المقابلات التلفزيونية عندما يصرّون على الهواء على أن «إسرائيل» عدو رغم عمالتهم لها، وأنا واثق من أنهم عندما يذكرون «إسرائيل» كعدوّ، أو بأي نوع من السلبية في الإعلام، يهرولون بعد انتهاء مقابلتهم إلى منازلهم لقول فعل ندامة سياسي والاتصال بمشغليهم، باكين الأيام التي أضطروا فيها إلى إنتقاد أسيادهم، وفي «ويكيليكس» اليوم الكثير من الوثائق التي تكشف للملأ درجة عمالة هؤلاء وسماكة أقنعتهم السياسية. ألم تتسرب وثيقة من «ويكيليكس» مفادها أن النائب وليد حنبلاط ألحّ على الأميركيين ألا يوقفوا الهجوم على المقاومة إبان حرب تموز، ثم أعاد النظر مثل الحرباء وعلناً في موقفه وسأل المقاومة حاسداً: «لمن سوف تجيّرون نصر تموز؟».

مؤسف أنهم، رغم هزيمة مشروعهم العسكري، ما زال إرث رفيق الحريري السياسي مسيطراً على مفاصل البلد الاقتصادية ويمارس «حرية الطحالب» في الارتهان لصندوق النقد الدولي وإغراق البلاد في الديون. ومن مفاهيم جماعة «حرية الطحالب» السياسية والاقتصادية عدم جرأتهم على تقبل السلاح الفاعل للجيش اللبناني الذي تبرعت به إيران، خشية إغضاب أسيادهم، مفضّلين تسلّم أسلحة فرنسية برعاية سعودية لا ندري ماهيتها تبدأ بالوصول إلينا في أول نيسان بحسب الوزير الفرنسي المختص فلنسمها أسلحة كذبة أول نيسان لأنها بلا فاعلية أو كرامة إذ كان للصهاينة حق الفيتو في تحديدها، تماماً مثلما هي أسلحة الأميركيين الصدئة التي وصلت إلى بيروت لأيام خلت، ويبدو عليها القدم وستكوّن بلا شك تعزيزاً لترسانة «داعش» حين تقع غنيمة في أيديهم في مواجهة الجيش اللبناني الأعزل العاري من أي دعم سياسي أو سلاح.

فيما تنمو هذه «الطحالب» المزعجة في جسد بلادنا اقتصادياً وسياسياً وعسكريّاً، يسهر مقاومون في جميع كيانات سورية يتحدون العوامل والتعامل مع العدو، يستشهدون بالعشرات جنداً لتحيا سورية، أيّاً يكن اسم تنظيمهم أو حتى إيديولوجيته، فالمقاوم الذي وقف في وجه الإجتياح الصهيوني للبنان مثلا وحارب تحت راية علمانية قد يكون هو نفسه أو أولاده يحاربون تحت راية المقاومة الإسلامية التي تمثل اليوم مع حلفائها في الحزب السوري القومي الإجتماعي كرامة الوطن الحقيقية النظيفة. يريدون لبنان مثل فرنسا أولئك «الطحالب» الإنعزاليون؟ فليروا منتجعات التزلج في بلادنا وهي تعج بالرواد والفضل كله يعود إلى الحماية التي توفرها لنا المقاومة، فيما يخشى المغتصبون التزلج في منتجعاتنا المحتلة. والأمثلة المشابهة كثيرة. إنما لا يخلو وسط الكرامة المقاوم من «العشبيات»، ولن أقول «الطحالب» مثل فنان شيوعي محبوب «قرف» من البلد لأن حزب الله لا يذكر الحزب الشيوعي اللبناني في خطبه وقرر الهجرة، وحتى من بعض الرفقاء في الحزب السوري القومي الاحتماعي الذين يعترضون على مسلسل «الغالبون» لأنه لم يف أبطال «الهرب الكبير» من الرفقاء في معتقل أنصار إبان الاجتياح الصهيوني لبلادنا حقهم، ويدخلون في سجال مع أعضاء في المقاومة الإسلامية بسبب ذلك على «فيسبوك».

تعرفت إلى السيد حسن نصرالله في صيف العام 1999 في زيارة لي إلى لبنان، وكان صيف ذل وطني بامتياز قصفت فيه الطائرات المعادية الصهيونية محطات تحويل الكهرباء في الجمهور وبصاليم ما أفسد الموسم السياحي، وهذا ما عانينا منه لسنين قبل ذلك، وكانت إطلالة للسيد نصرالله في تلك الظلمة قال فيها ما معناه أن على الصهاينة أن يتذكروا أن لديهم موسماً سياحياً هم أيضاً، وكان في إمكان صواريخ المقاومة آنذاك أن تصل إلى حيفا ومنتجعاتها، فما الحال اليوم وصواريخ المقاومة قادرة على إصابة نملة سارحة على ترابنا المحتل؟ لم أربط بين تصريح السيد ومجريات الأمور آنذاك، أما اليوم ومن منظار شامل، أرى أن ذاك التصريح كان نقطة تحوّل وستاتيكو كرامة جديد نتمتع به اليوم وحاول الصهاينة اختباره في حرب تموز ولقنتهم خلاله المقاومة درساً لن ينسوه. المقاوم شريف ويرفع كرامتنا بمعزل عن الراية التي يحملها، وفي نهاية الأمر أرى المقاومين جميعاً جنوداً في نهضة أطلقها الزعيم أنطون سعاده، بما في ذلك الجيش العربي السوري الأجدر بأن يعرّف من الآن فصاعداً بالجيش السوري العربي بعدما خذله العرب، وإن يكن المقاومون جميعاً جند النهضة، فما السيد حسن نصرالله إلاّ هنيبعل الثاني، أبرع استراتيجي عسكري في تاريخ الأزمنة، ومثلما أذل هنيبعل إمبراطورية روما في أوج مجدها حتى طعنه في الظهر «حريريّو» قرطاجة من التجار، كذلك فعل السيد حسن نصرالله بإذلال «إسرائيل» وحليفتها أميركا ومهرّجتها كونداليزا رايس، وهو يقودنا إلى قلب القدس فيما يحاول مجتمع رجال الأعمال التابع للحريري خيانة الوطن وبيع المقاومة للعدو، لكن خيانة هنيبعل لن تتحقق هذه المرة، فالتاريخ كان لنا، نحن القوميين، أفضل معلّم.

أبو أليسار، كاتب سوري من جبل لبنان،

موقعه على الإنترنت www.gkaram.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى