زاوية

سامي بو فواز

المتحد الاجتماعي هو مكان الاتحاد في الحياة، عبارة عن مجموعة محددة من البشر تجري حياتها في بقعة جغرافية معينة فتتحد في المصالح والمصير والعوامل المادية النفسية، وقد يكون المتحد قرية أو مدينة وليس ممكناً له مهما بلغ من السعة والقوة أن يكتفي بدورته الاقتصادية المحدودة بذاتها، بل هو دائم التطلع الى متحدات مجاورة لكي تكتمل دورته الاقتصادية الاجتماعية. وتشكل المدن الكبرى كتلاً مغناطيسية ضخمة تستقطب المتحدات الصغرى حولها، وهكذا فإن تواصل العمران يقضي بتواصل انخراط دورات حياة المتحدات -الاقتصادية الاجتماعية بعضها مع بعضها الآخر حتى تكتمل الدورة الحيوية الكبرى فيكتمل معها المتحد الأتم، الأمّة، ولذا نجد أنّ المتحد الأتم يضمّ جماعة من البشر تحيا حياة موحّدة المصالح، موحّدة المصير، موحّدة العوامل النفسية المادية، ويتشكل من متحدات صغرى مرتبطة في ما بينها بدورة حياة كاملة في قطر وبيئة جغرافية محددين لا تسمح بتواصل عمراني ما بعد حدودها الطبيعية، إذ تكتسب من تفاعلها معها في مجرى التطور خصائص ومزايا تميزها عن غيرها من الجماعات. الأمة جسم واحد مثل جسم الإنسان مثلاً، والأمثال تضرب ولا تقاس، فهي تقرب من جهة وقد تبعد من جهات بلحاظ وحدة حياتها وتتشكل من أعضاء حيوية رأس، أطراف، وجه، عينان… هي المتحدات بلحاظ النظر في تفاصيل ذاك الجسم، فتلك الأعضاء الحيوية ضرورية لحياة الجسم عامة. ولو دققنا في المتحدات الصغرى المكونة للمتحد الأتمّ – الأمّة – لوجدنا أن بعضها قد يختلف تكوينه الداخلي من ناحية معينة عن بقية المتحدات، وقد يكون الاختلاف مذهبياً، إتنياً، لغوياً، أو في النمط السائد في النشاط الاقتصادي، وغير ذلك… تماماً كما لو نظرنا في تفاصيل أي جسم حي لوجدنا اختلافاً واضحاً في تفاصيل اعضائه الحيوية بعضها عن البعض الآخر، إلا أنّ ذلك لا يلغي وحدة هذا الجسم، فالأمة موحدة في عين كثرة مكوّناتها إذ لا يمكن الفصل بين الأمة وأيّ من مكوّناتها، كما لا يمكن فصل أي عضو من أعضاء جسم حي عن هذا الجسم، فمكوّنات الأمّة لا يمكن أن تكون مستقلة عن سائر جسمها مهما تميّزت عن سائر مكوّناتها فعين الإنسان مثلاً ليست مثل باقي أعضاء جسمه، كذلك اليد والرجل والأصابع والقلب والدماغ و… لكنّ أيّاً منها لا يمكن أن يكون مستقلاً عن الجسم.

نأتي الآن الى هيئتنا الاجتماعية الراهنة فنجد أنها تتشكل من مكونات متعددة من مذاهب وإتنيات ونعرات أخرى، ونجد دعوات استقلالية لبعض هذة المكوّنات على أسس مذهبية حيناً أو إتنية أحياناً، تحت عناوين حقوق الأقليات في تقرير المصير مثل الأقلية الكردية أو الأشورية أو الكلدانية، وغيرها من الإتنيات المنتشرة في مختلف أرجاء وطننا، ونسمع عن دعوات إنفصالية تقسيمية من أقليات مذهبية مسيحية أو محمدية في كيانات الأمة، وإذا ما تبصرنا قليلاً في واقع هذة الأقليات، بمعزل عما تقدم من شرح علمي سوسيولوجي عن الواقع الاجتماعي وتشكل المتحد الأتمّ، الأمّة، لوجدنا أن مجتمعنا يتكون من مجموعة من الأقليات بحيث لن نجد أكثرية ملحوظة لجهة معينة مذهبية أو إتنية ففينا العرب والأكراد والكلدان وبقايا المجموعات التاريخية وغيرها من إتنيات صغيرة، وفينا السنة على اختلاف فرقهم والشيعة وفرقهم المتعددة والدروز والعلويون، وفينا الأرثوذوكس والكاثوليك والموارنة وغيرهم، وفينا الصابئة والأزيديون، وغيرهم من الطوائف والمذاهب. أضف الى ذلك مكونات أخرى، فلا يوجد أكثرية من أي منها، بل نحن مجموعة أقليات، وهذا التنوع أمر طبيعي وهو مصدر غنى للأمة ولا يجب أن يشكل حالة دائمة لتفجير المجتمع من الداخل بحربه على نفسه، هذا فضلاً عن المعيار العلمي الأساسي الذي على ضوئه اكتشفنا كيفية تشكل المتحدات الاجتماعية ونشوء الأمم، فكل من هذه المكونات لا يمكن أن تحيا خارج متحدها الأتم الذي به تكتمل دورتها الإجتماعية الاقتصادية ودورة حياتها، فمثلما أن العين أو اليد لا يمكن أن تقوما بدورهما بمعزل عن الجسم وخارجه، كذلك الأقليات لا كيان لها أو حتى وجود حقيقي خارج الأمة. هذا ما أثبتته الدراسات والأبحاث العلمية وما أقرته الفلسفة السورية القومية الإجتماعية القائمة على أساس علمي متين، وهي الدعوة الموحدة الجامعة، فلو افترضنا أن أي نعرة أقلوية في مجتمعنا هي thesis وأن النعرة الأقلوية المناقضة لها هي antithesis فإن القومية الإجتماعية هي synthesis الجامعة لجميع نعراتها الأقلوية المتناقضة، وبالتالي ستكون هي الأكثرية المطلوبة وهي أكثرية العاملين لإعادة سيادة الأمة على نفسها وتعزيز ثقة شعبنا بنفسه، وكل دعوة أقلوية تحت أي شعار أو صيغة كانت وأيّاً يكن اصحابها فهم إما قليلو الوعي والفهم والمنطق السليم، إن حسنت نواياهم التي لن يسجلها التاريخ بل يسجل الأعمال والأفعال، أو هم عديمو الضمير والأخلاق إن كانوا على دراية بخطورة ما يفعلون على مصالح أمتهم وأبناء شعبهم. من هنا نرى أن معظم قيادات تلك الدعوات الأقلوية إتنية كانت أو طائفية – مذهبية في تاريخ أمتنا كانوا مرتبطين بمشاريع معادية للأمة ومصالحها الحيوية، وخير دليل على ذلك نضربه من التاريخ المعاصر، فأصحاب مشاريع التقسيم الطائفي في الكيان اللبناني كانوا مرتبطين بالمشروع «الإسرائيلي»، كذلك حال أصحاب مشروع كردستان في الشمال، فلا يخفى على أحد التنسيق التام بينهم وبين «إسرائيل». تلك الدعوات تشكل البيئة الحاضنة للمشروع «الإسرائيلي» القائم على يهودية الدولة بالمعنى الديني والعرقي – الإتني كما يزعمون، إذ يعتقدون أنهم سلالة إتنية اتخذت من اليهودية ديناً.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى